TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > الهجرة الوطن.. الوطن هجرة .. عن عرض هجرة الأوطان

الهجرة الوطن.. الوطن هجرة .. عن عرض هجرة الأوطان

نشر في: 29 إبريل, 2017: 12:01 ص

في محاولة من أربعة فنانين تشكيليين عراقيين مغتربين للاشتغال على تفكيك مفهوم الهجرة الوطن، المواطن المهاجر أو النازح، تزحزح مناطق الاستيطان الفردي أو الجماعي كأوطان جديدة أو بديلة، مستقرة، أو موقتة بيقين الاستيطان، أو كمتاهة مشتبكة وميتافيزيقا متاهات

في محاولة من أربعة فنانين تشكيليين عراقيين مغتربين للاشتغال على تفكيك مفهوم الهجرة الوطن، المواطن المهاجر أو النازح، تزحزح مناطق الاستيطان الفردي أو الجماعي كأوطان جديدة أو بديلة، مستقرة، أو موقتة بيقين الاستيطان، أو كمتاهة مشتبكة وميتافيزيقا متاهات اللا يقين. بما أن العرض نفسه حدث اغترابي.

فمن فنلندا حضر الفنان أمير الخطيب متلبساً هماً لا يقينية هجرته، كما حال الفنانين العراقيين السويديين حقي جاسم والفنان علي النجار، أو الفنان المساهم الرابع جلال علوان والتباس استيطاناته (عراقي هولندي إنكليزي) بعمله الحلمي المغاير. وما بين حلم ربما يحقق دلالة تفاؤله بتجاوز محنته والانطلاق الى رحاب العالم، ولو افتراضاً. وبين تفكيك معمق لمفاصل فعل الهجرة اغتراب بنوايا متناقضة أو متضاربة. استقرت أعمالهم التركيبية (أنستلشين) في فضاء عرض قاعة الأهرام في القاهرة تبحث عن تفسير دلالات افعالها عند كل المتلقين الذين زاروا العرض، والذين شاهدوا صوره الميديوية وكرسالة من قلب فضاءات الاغترابات المتعددة.
ما سرُّ ولع أمير الخطيب في بحثه المستمر عن جذره الجيو ثقافي، رغم معرفته بأن الثقافة العالمية تتمدد بسيولة وسائلها ووسائطها وبالتجذر التدريجي في الفضاءات المحلية والاقليمية بقدراتها الميديوية الفائقة وباقتصادياتها العابرة. ربما لكونه من الجيل المهاجر الأول، ربما لرومانسية ثقافة المنشأ الأول. ربما لتصادم الثقافات، لا تعايشها بالشكل المثالي في عالم اليوم البراكماتي. فهو إن كان ولا يزال، يؤكد على جذره الثقافي الكوني والبيئي، كما نفذه في العديد من أعماله المتتالية جذوراً ملتصقة بالكائنات والأشياء التي تحمل رموزاً لها علاقة بالمحيط الإنساني، وكما أكده في مبحثه الفني(الثقافة البينية) أو الثالثة اختلاطاً إيجابياً،  لا تذويباً سلبياً. هو إذا لا يزال يحمل جذره المنشأ، رغم أن عمله المساهم في هذه الفعالية الفنية بابٌ مفتوحٌ على مجهولية إقامته. مع ذلك فالباب المنفذ لا يزال ينوء بجذره البيئي الملتبس.
غالباً ما تأخذنا الوسائل الميدوية في متاهات الوهم كفعل مناقض للكثير من الحقائق غير المعلنة. لكن نادراً ما تضعنا في قلب الحدث، كما في الصورة الخبرية للطفل السوري الذي لفض البحر جثمانه المهاجر. وكما في الصور التلفازية للكثير من محاولات إنقاذ المهاجرين الذين لفضتهم ظروف بلدانهم الأم.
حقي جاسم وضعنا في صلب هذه الإشكالية المأساوية في تجسيده لشخص المهاجر من آلاف الشرائط المقصوصة من الصحف العديدة. جسد خبري بمجسّات تبدو كأن لا نهاية لعددها. فهل كان يقصد بهذا الجسد الأثيري عولمة قضية الهجرة، وهي فعلاً معولمة. أم كان يقصد أن عولمة الإرهاب كان لها دور في استفحالها. ربما هي هكذا، أو هكذا. المهم أن جسده قابل للتبعثر كما هو حال بعثرة الآلاف، أو حتى ملايين المهاجرين أو المهجرين في جميع بقاع العالم. إنه لعمل محمل ببلاغة دلالية مفرطة، وعلى المتلقي أن يدرك بلاغته التشكيلية الصورية كعمل مركب يستحق منا التأمل والمزيد من كشف دلالاته. حقي أيضاً يوده عملاً تفاعلياً مع جمهور العرض، وخاصة الأطفال منهم، لذلك أرفق مع العرض شريطاً قماشياً (كامفس) بطول خمسين متراً قابلاً للكي من جانبيه، أسّس عليه إيحاءات اغترابية كتشير لانتهاكات إنسانية الإنسان والموصولة بأسباب الهجرة، وكقاعدة لإمكانية الرسم عليه من قبلهم.
جلال علوان في عمله التركيبي (المهاجر) لا يزال سادراً في حلم هجرته الأولى قبل حدوثها الفعلي. هو أيضاً يحاول تعميم هذا الحلم الوردي بتشخيصه لجسد المهاجر وهو يحاول الانعتاق من أرضه (وطنه الأم) محمل بآمال ربما تتعدى واقعها. مع ذلك فإنه لا يزال محملاً بمتاعه الشخصي، كما في حالة من ينقذ ما تبقى من سقط متاعه بعد حدوث الكارثة أو الصاعقة التي محقته. رغم ذلك فمتاعه الذي ينبثق من وسط جسده صعداً إلى الأعلى مغلفاً بإعلام الدول الأوربية التي يودها بلداً بديلاً يحميه من سطوة القسر وضنك العيش أو انعدام فرصه العيش لدرجة الصفر أو التطهير الديني والعرقي. اليست الهجرة حلماً وردياً ضمن هذه المعادلة غير السوية.
عمل جلال الثاني: فيديو(قطعة الثلج) سرير عامر بأحلام مستحيلة، بسبب من فقد العائلة، الوطن والمتعلقات الشخصية. سرير ليس كبقية الأسرّة، إذ لا يزال يسكن مخيلته بعد كل هجراته أرق ممض رغم صلابة مادته. مع ذلك فإنه يضمر هشاشة كما قطعة الثلج التي تتوسده. أو كما تناسخ الأجساد المرمية في متاهة اللا معقول، لكنها لا  تتبدد ولا تزال تتنفس بقلب خفي ينبض من تحت ركام الأمكنة التي تقبع على حافة المجهول.
علي النجار في عمله التركيبي ترك حقيبة هجرته تبدد تراب الوطن على امتداد علامة (خطوط) عبور طرق الهجرة عند الجدار الكونكريبي للجانب الآخر من العالم الذي يوده وطناً استيطانياً بديلاً بعد تعثر سبل إقامته في وطنه الأم. هو أيضاً خلع آخر ما تبقى من ملابسه في حالة حداد مأتمي تحوطها شموع الوداع الأخير. علي النجار لايزال يحمل على عاتقه ما تبقى من هذا التراب، لكن من يضمن أن لا يبدده نهائياً أحفاده الحاليون أو القادمون. لقد صنع عمله التركيبي بأيسر الطرق والمواد كمرثية بليغة لما هو قادم.
أخيراً إن كان عنوان العرض المعلن من قبل منظميه (هجرة الأوطان) إشكالياً. بما أن الأوطان لم تكن يوماً ولن تكون موضع هجرة، بل هم مواطنوها من يكون غالياً موضع هجرة أو تهجير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram