عرفنا الدكتور حسن الجنابي من خلال ترجمته لكتاب كافن يونغ(العودة الى الأهوار) قبل أن يتم استيزاره لوزارة الموارد المائية، الوزارة التي تقع خارج صراع الأقطاب الدينية الحاكمة، ذلك لأنها تعمل بأدنى التخصيصات المالية أولاً، وهي التي أفرغ مواردها الوزراء السابقون للجنابي ثانيا. قبل يومين كان الرجل في بيت الشاعر بدر شاكر السياب، وأمر بتطهير الأنهار الفرعية في قرية جيكور، التي تدخل وتخرج من نهر بويب. نعلم عن قرب علاقة الوزير بالشعر والرواية والثقافة بعامة، ونثمن حرصه على ان تكون الأنهار والبساتين المحيطة بدار الشاعر عامرة، خضرة، نضرة لكننا نريده أن يعمل شيئاً لنا، نحن الذين نسكن مدينة الألف نهر، مدينة العشرين مليون نخلة، والتي لم تبق منها الجرافات إلا القليل.
  تدنت الرغبات عند سكان مدن الأنهار، الى الحد الأدني، فهم يئسوا من المناشدات بوجوب إيقاف تجريف البساتين وردم الانهار، صاروا يطالبون حكومة السيد العبادي من خلال وزير الموارد المائية، بترك مسافة مترين أو ثلاثة، في اعلى تقدير، لا أكثر، من كتف كل نهر تباع الأرض التي عليه، هي للكري، ولكي تتمكن إدارة الموارد المائية من جعلها مكانا للأطيان، ساعة تقوم بكريها، إذ من غير المعقول ترك الأمر بيد أصحاب الأملاك، الحقيقيين او الذين استولوا عليها بالتزوير، وكما لو القضية تقع خارج  اهتمام وعناية الحكومة.
  يعلم أهالي البصرة وأبو الخصيب بخاصة المعنى النبيل الذي تفضلت به الوزارة من خلال كري نهر بويب والانهار في قرية جيكور، وهي عناية ثقافية في أبهى وأجلّ صورها، وهي محاولة يائسة لاسترداد صورة غابة النخل التي صوّرها السياب في قصائده، وأكاد أسمع مع الوزير الجنابي أجراس البرج التي ضاع في قرارة النهر، أكاد أرى معه النجوم التي تسبح في غور النهر، لكننا معاً، نحن في أبو الخصيب والوزير لا نملك القدرة على استرداد ما ضاع، فحجم الكارثة أكبر من قدرة وزارة مفلسة، ولا يملك وزيرها ميليشيا تحد من سلطة المتجاوزين، مثلما لا يملك أهل أبو الخصيب القدرة على الوقوف بوجه الجرافات التي ما زالت ومنذ عقد ونصف تكتسح من يقف في طريقها.
  ابتكرت دائرة رفع التجاوزات وبالتعاون مع السلطة القضائية في حكومة البصرة المحلية طريقة جديدة (للحد من التجاوزات) فهي تكتب على الاسيجة المحيطة بالبستان الذي يروم المشتري الجديد تجريفه العبارة (الرادعة) الشهيرة : (يرجى رفع التجاوز وإلا سيحال المتجاوز للسلطات القضائية) يا سلام، لقد أرعبوا المتجاوز. لم نر ولم نسمع عن أحدٍ أودع السجن من مئات المتجاوزين، لكننا رأينا وما زلنا نرى المشيدات تظهر خلف الاسيجة، وتختفي غابة النخل، تظهر البيوت والشوارع والمحال وبعد فترة قليلة تختفي الاسيجة، وتلقى بين اكوام النفايات قطع الصفيح التي كتب عليها(التهديد) هكذا، مثل أي فعل جبان مخادع تمارسه حكومة هزيلة، ملأت جيوب أتباعها مالا سحتاً بعد أن خربت كل شيء
أخضر.
  إن كانت الورقة هذه رسالة لأحد، فهي بكل تأكيد لن تعني احداً سوى وزير الموارد المائية، هذا الرجل الذي نجده حريصا على فعل شيء ما، لكن، أيقدر ؟ أيستطيع ؟ قد يكون الأمل الأخير، الذي تصبو اليه أعين الناس هنا، في البقعة المنسية من الجغرافيا.