اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سحر الرسم التشخيصي

سحر الرسم التشخيصي

نشر في: 5 مايو, 2017: 09:01 م

يستهويني الرسم التشخيصي دائماً وفي كل الحالات والتقنيات والمعالجات وبجميع المدارس والأساليب. لهذا أبحث بإستمرار عن معرض جديد فيه أشكال لأشخاصٍ، معرض يتحرك فوق سطوح لوحاته نساء ورجال بحالات مختلفة، في هذا المتحف أو ذاك. ولا يهم أن يكون مكان المعرض بعيداً أو قريباً بقدر ما تكون فيه جاذبية من نوع خاص ويوفر لي متعة النظر الى هذه الكاركترات التي حَرَّفَها الفنان بطريقته واسلوبه وجعلها متفردة ولها حياتها الخاصة. وبالنسبة لي كفنان، لم أكف من التطلع الى الإنسان، الذي كان وسيبقى هو الملهم الأول والأخير، هو ما يمنحني هذه الحرية في الرسم وما يعينني على تجريب تقنياتي ورؤيتي الفنية، الأنسان الذي أرسمه وأرسم له أيضاً، هو محور أعمالي دائماً، حيث أحب أن يرى الأشخاص أنفسهم في لوحاتي، وكيف تنعكس ارواحهم فوق قطع الكانفاس بطريقة لم يتعودوا عليها. وبهذا أرى نفسي غالباً مثل مخرج مسرحي يحرك الشخصيات على قماشات الرسم، مرة في هذه الزاوية واخرى في تلك المساحة، أنحناءة حانية هنا والتفاتة شاردة هناك. يفرحني كثيراً أن أرى روعة إنسيابية خصلات الشعر وهي تمتزج مع رقة العيون الحالمة، حيث الضوء يدخل من النافذة متخللاً الستارة.
ربما يخطر على بال أحد أن ما أقوله هنا فيه الكثير من السرد وربما يرى في كلامي ابتعاداً من نوع ما عن فحوى الرسم، وهنا اقول لا بأس أن يكون هناك بعض السرد إن كان ذلك يمنحنا الكثير أو يقودنا نحو الجمال، فلا ابداع جميل وأَخّاذ بدون توصيفات جميلة، وليس هناك لوحة مكتملة برأيي اذا لم تَمِسُّ مشاعر القلوب وتحرك فيها العاطفة. وهذا ما فعلته وتفعله الـأعمال الجميلة، سواء أكانت وجوه موديلياني المائلة ونسائه الحانيات أم عازفي شاغال الذين يطيرون بفرح في فضاءات اللوحات، أم حتى شخصيات ماغريت وغموضها المُحَيِّر. الرسم التشخيصي فيه سحر من نوع خاص وجمال لا يساويه إلا جمال الانسان نفسه، لهذا فأشكال الفن التشخيصي لا حصر لها ولا حدود، وهي تكاد تتنوع بتنوع الانسان نفسه.
إن اعظم الفنانين في تاريخ الرسم كان فنهم تشخيصياً بشكل أو  بآخر، إبتداءً بريمبرانت وليس انتهاءً ببيكاسو. وكل فنان تشخيصي في العالم له اشكاله ووجوهه وملامح شخصياته التي نتعرف عليها بسهولة بين الكثير من اللوحات، وحتى لو بانت على الكثير من الفنانين الحقيقيين والكبار في بداياتهم تأثرهم بتقنيات وأساليب غيرهم، لكن بكل الأحوال، وفي نهاية المطاف ستكون لديهم خصوصياتهم وأشكالهم التي لا تخطؤها العين وتنبثق ملامح أبطالهم وشخصياتهم الخاصة على قماشات الرسم. فهذه وجوه كليمت وتلك نساء ماتيس، هنا نرى ارتعاشات الخطوط على شخصيات لوتريك وهناك تثيرنا عجائن اللون التي تتحرك فوق الملامح التي رسمها فان غوخ وكأنها نشارة حديد وُضِعَ تحتها مغناطيس. فرانسيس بيكون استلهم الكثير من اعمال بيكاسو، لكنه في النهاية قَدَّمَ لنا اشكاله ومساحاته ذات الخصوصية الشديدة والمؤثرة، وكذلك فعل إيغون شيله الذي ظهر في بداياته وكأنه ينسخ أعمال كليمت، لكنه أثبت فيما بعد بأنه فنان كبير أيضاً من خلال شخصياته البوهيمية النحيفة ونسائه العاريات المنزويات بفجور في غرف غريبة، لِيُرِينا سحر الرسم من خلال (حساسيته العارية). حتى بين ثنايا التجريد، يطل علينا أحياناً بعض التشخيص، كما في لوحات مارك روثكو العملاقة التي تبدو وكأنها تشير من بعيد لمنظر طبيعي مختزل ومجرد من التفاصيل ولم يبق منه غير الأفق، او نيكولاي دي ستائيل الذي تشير بُقَعَهُ ومساحاته اللونية الى أماكنٍ وأشخاصٍ غابت ملامحهم وسط اللون.
ذات مرة وقفت أمام لوحة غورنيكا في متحف راينا صوفيّا بمدريد، وكم شعرت بالمتعة وقتها وأنا أفكر بأن بيكاسو الذي يُعَدُّ أعظم فنان في كل العصور، هو فنان تشخيصي، بكل أعماله تقريباً والتي تجاوزت الثلاثين ألف عمل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram