TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى :هرمز رسّام (1826- 1910):مُصوّراً فوتوغرافياً

تلويحة المدى :هرمز رسّام (1826- 1910):مُصوّراً فوتوغرافياً

نشر في: 19 فبراير, 2010: 04:23 م

شاكر لعيبيلو أننا فعلنا ما تفعله حتى اليوم بعض المراجع البريطانية باعتبار كلّ من كان يقع ضمن "التبعية العثمانية" تركياً لكان جُلّ الشعب العراقي من أصول ثقافية وإنسانية تركية. بعض المراجع الإسبانية والفرنسية تعتبر ابن عربي إسبانياً لأنه وُلد وترعرع في الأندلس،
 وهو بالضبط ما مارسه بالمقلوب النظام العراقي السابق، بقسوةٍ منقطعة النظير كما نعلم، بشأن العراقيين المعتبرين من "التبعية" الإيرانية سنوات الثمانينيات من القرن الماضي.من البداهة القول إن قدَر العراق الحديث وحسن حظه أنه يقع على تخوم ثقافات وشعوب وإثنيات متنوعة (الشعوب الإيرانية والتركية) ناهيك عن تنوُّعه الداخليّ التاريخيّ. خليطٌ منح البلد الحيوية والتعدّد والاختلاف والقبول بالآخر خلافا للأحادية الثقافية والإثنية للكثير من البلدان. هويته متنوّعة ومختلطة حتى وإن ظهرت فيها المشاكل أثناء فترات الأزمات الجيوسياسية والحروب والتدخلات.هذه البداهة تتعلق بإعادة الاعتبار لهرمز رسام. مصوراً فوتوغرافياً بعد أن عرفناه عالِماً أثرياً رفيع المستوى. لقد كان الرجل من نتاج تلك التخوم المختلطة المتعايشة تاريخياً التي أجَّلت وضعه في نصابه المحليّ الصحيح حتى أننا لا نجد عنه، للأسف، إلا القليل من الدراسات والإحالات في العراق. من المثير أن المراجع البريطانية والأنسكلوبيديات تعرِّف هرمز رسام مواطناً بريطانياً أو تركياً، بينما تذكره المصادر التركية بصفته عالم آثار تركي. كلاهما ينفيه عن بلده العراق. ففي موسوعة النيت ويكيبيديا ثمة صفحة كاملة مكرَّسة له تجعلنا نعتقد أنه بريطاني الأصل والثقافة، رغم أنها تقول بأنه آشوري وتقدِّم له صورة مرتدياً الزيّ المحليّ. وتذكره دائرة المعارف البريطانية بين الرجال البريطانيين العظام.ولد رسّام في الموصل عام 1826 في فترة الإمبراطورية العثمانية من عائلة كاثوليكية الديانة. كان يتحدث الآشورية والعربية بطلاقه، ولعله كان يتحدث التركية والكردية. أبوه أنطوان رسام كان رئيس شمامسة الكنيسة الآشورية الشرقية في الموصل، وأمه تيريزا ابنة إسحاق حلبي، الحلبي. أما أخوه كريستيان رسّام فكان نائب القنصل الإنكليزي في الموصل. في العشرين من عمره وظّفه الأثري البريطاني هنري لايارد للعمل معه من أجل بعثته التنقيبية الأولى في الموصل بين العامين (1845-1847) مندهشاً من انضباطه، لكي تتوطد بينهما عرى الصداقة مدى الحياة. ذهب للدراسة في أكسفورد وبقى هناك 18 شهراً قبل أن يرافق لايارد من جديد في بعثته الأثرية الثانية بين الأعوام (1849-1851). آثري عراقي مبكر ورحّالة بل مصوِّر فوتوغرافيّ كما سنرى، اكتشف لوحات آشور بانيبال صائد الأسود، ثم اكتشف ألواح المكتبة الملكية الآشورية عام 1853. قام بعدة بعثات دراسية إلى المواقع الأشورية خلال الأعوام 1878-1882. أوفدته الملكة فيكتوريا إلي الحبشة (أثيوبيا) حيث سُجن هناك، فأطلق الإنكليز سراحه وسراح رفاقه بحملة عسكرية لتأديب الملك الحبشي.كما أوفدته وزارة خارجية انكلترا للتحقيق في أحوال المسيحيين في آسيا الصغرى وأرمينيا وكردستان. توفي عام 1910.وإذا ما زعمنا أنه أول فوتوغرافي عراقي فإننا لا نزال في طور البحث عن مزيد من البراهين غير ما وقعنا عليه، مثل الكتاب الذي ألفه الفرنسي ماسبيرو المنقول إلى الإنكليزية عام 1895 بعنوان (تاريخ مصر وسوريا وبابل وآشور) ، وهو يتضمن عدداً من أعمال الرسم اليدويّ المشار بصراحة إلى أنها منقولة تبعاً "لصور فوتوغرافية قام بالتقاطها هرمز رسام" أو "رسم أنجزه بودييه وفق صورة فوتوغرافية لهرمز رسام". إن تقديم الرسوم بدلاً عن الفوتوغرافيا - لكن طبق الأصل الفوتوغرافي- هو تقليد معروف جيداً في مطبوعات القرن التاسع عشر. الرسوم اليدوية التي قام بعملها الرسام الفرنسي بودييه لكتاب ماسبيرو تبدو مزعومة بصفتها رسوماً فهي لا تفعل سوى القيام برتوش هنا وهناك لفوتوغرافيات هرمز رسام، ولأن الرسم فيها يبدو بوضوح شديد عملاً مباشراً للكاميرا. أعمال هرمز رسام الفوتوغرافية القليلة التي وقعنا عليها تدلّ على فاعليته مصوِّراً فوتوغرافياً من جهة، ولعلها تدل من جهة أخرى على أن التصوير كان انشغال الباحث لأغراضه العلمية، الأمر الذي لن ينفي فاعليته تلك.هناك ثلاثة رسوم في كتاب ماسبيرو المذكور منقولة عن أصول فوتوغرافية لهرمز رسام، تعود لتاريخ نشر الترجمة عام 1895. لكن هذه الصور يجب، بداهة، أن تكون ملتقطة في تاريخ أبكر من تاريخ نشر الكتاب. روى هرمز رسام عام 1869 مغامرته وأسره في الحبشة في كتابه ذي العنوان الطويل على طريقة القرن التاسع عشر: "البعثة البريطانية إلى ثيودور ملك الحبشة، مع ملاحظات عن البلاد المُجتازة من ماسّووا عبر السودان وأمهرا وعودة إلى أمسيلي من ماكدالا". في وقت صدور هذا الكتاب كان التصوير الفوتوغرافي موجوداً بشكل ما في نمط الكتب التي ألف رسّام مثلها. علينا إذن مراجعة أصول الكتاب لكي نعرف فيما إذا قام بالتقاط صور فوتوغرافية أخرى في الحبشة. وفي العودة إلى الأوصاف الدقيقة لمحتويات جزء من الكتاب، وفي نسخة مُصوَّرة لجزئه الآخر الواقع بين أيدينا، لا نجد سوى رسمين توضيحيين ف

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram