تتجاور معادلات الرهان وحتميّة الاعتراف بجديّة الموهبة مع ملتقيات الكثير من دواعي الإصطفاف إلى جنب حالات من نوع ذلك الحياد الموضوعي المرهون بجملة خواص ذرائعيّة (براغماتيّة) لحين إثبات حقائق ودقائق رصانتها وعمق وجودها النوعيّ في المجال الذي تحي
تتجاور معادلات الرهان وحتميّة الاعتراف بجديّة الموهبة مع ملتقيات الكثير من دواعي الإصطفاف إلى جنب حالات من نوع ذلك الحياد الموضوعي المرهون بجملة خواص ذرائعيّة (براغماتيّة) لحين إثبات حقائق ودقائق رصانتها وعمق وجودها النوعيّ في المجال الذي تحيا وتتعامل وتتفاعل معه تلك الموهبة.
ولعل المقولة (الشكسبيريّة) التي نحتهُا (وليم) في سياق عبقريات إحدى مسرحياته على أن؛(الزمن يسير منتصب القامة)، هي من تختصر لنا- مجدداً- جوهر مبتغانا في إعادة تقييم تجربة الفنانة (فاطمة العبيدي- تولد كركوك/1974) التي كانت قد حققّت من الحضور الواثق والمرفق بنيل سلسلة من ألقاب و قائمة جوائز وجملة تذكارات داخل وخارج العراق، وقد توّج كل ذلك حصولها لقب (سفيرة السلام من خلال الفن) من قبل الاتحاد الأوروبيE.C في المهرجان الدولي للرسم (الدورة/21) في دولة سلوفاكيا /2014 بمشاركة فنانين من أربع عشرة دولة، ذلك التكريم الدولي الذي يُعد بمثابة الجائزة الذهبية، كما أن حملها للقب (سفيرة سلام) لم يكن قد حصل عليه - من قبل - أي فنان غير أوربي أو من دول الشرق الأوسط كذلك الدول العربيّة، تلا ذلك -أيضاً- حصولها على الميدالية الذهبية خاصة في (بينالي فلورنسا الدولي) بدورته العاشرة في العام/2015.
أسوق كل هذا وأنا أستذكر صدى عمق احتفالية توقيع الكتاب الصادر عنها نهاية العام/2016 عبر حفلٍ أقامه (منتدى نازك الملائكة) في اتحاد الادباء والكُتاب على (قاعة الجواهري) عصر الحادي عشر من شباط/2017 بمناسبة صدور هذا الكتاب النوعيّ والمهم -شكلاً ومضموناً- بعد أن قام بمهام الإعداد والتكليف والإشراف على عمليات إنجازه الناقد صلاح عباس وبإسهامات دراسات وتحليلات لعددٍ من أبرز نقّاد الفن التشكيلي في العراق يقف في مقدمتهم الناقد الكبير عادل كامل/ جاسم عاصي/ د. جواد الزيدي/ قاسم العزاوي/ وحسن عبدالحميد، استظل بعنوان (فاطمة العبيدي... التنوّع والدلالة)، بعد أن حاول عدد ممّن أعياهم التحاسد الأعمى وشواحب النيل من منجزات هذا الفنّانة التي أغواها (الرسم) وعجّل بل ساهم في فضح كوامن مواهبها وإيحاءات سحره الأثير حين مسّها وهي لم تزل طفلة صغيرة، شاء لها أن تنشأ وتترعرع في كنف بيت عمها الفنان التشكيلي الرائد (محمود العبيدي)المعروف بـ(شيخ الفنانين التشكيليين في محافظة/ كركوك)، والذي له يعود الأثر و الفضل الكبير في تعليم (فاطمة عادل جمعة) قواعد وشروط إتقان مبادئ هذا الفن والتفوّق فيه.
توثيق المشاعر.. ورصفها
تسمو الذائقة وتتسع مدياتها وأفاق مساربها عبر مستجدات ومستلزمات وعي تتابعي، قادر على بث روح و تثوير كل لوازم الحرص مشفوعاً بالتحدي وقبول رِهان المغامرة على نحو مخلص وحصيف يعي تعزيز قيّم الفن السامية كما في سياق تهجيات (فاطمة العبيدي) في مجمل دِفاعاتها عن قيم الجمال المُثلى وتعميد بواسل وقوفها الحقيقي أمام كل أشكال الحقد والعنف وكل من يسعى- تيهاً وضلالةً- في كبح عوامل التلويح من أجل رفع رايات الجمال عاليةً خفاقةً في نفوس محبي الخير والداعين للتوادد والسلام.
تدفع أعمال (فاطمة) بإتجاه التحاذي والتقارب مع الجوهر الأساس لمبدأ (أبيقور) من حيث اللذة هي وحدها (الخير) فيما الألم هو وحده(الشر)، تقاربٌ مثل هذا يتجسّد بالرسم من خلال توريد جملة من العواطف الصادقة والمشاعر البنّاءة والنبيلة في تمرير تلك القيّم الجَماليّة وتوثيق أواصر الخير أمام تقليل من دوائر فرص الشر وفرض متوالياته من أحقاد وغلٍ وأساليب إرهاب وغيرها مما يضرّ بالحياة ويمنع من حفولها بقبول الآخر والتعامل و التآخي، لذا ألزمت هذه الفنّانة على نفسها سنّ وبث رموز في ثنايا أعمالها وممكنات مساحات لوحاتها الزاخرة بفيوض من محصلات اعتناء واضح الأثر والتأثير فيما يتعلق ببهاءات وذخائر ممتلكات ما تمنحه (الطبيعة) للإنسان عبر إنساق وآفاق أخذت تقترحها وتهيم بها داخل توّهجاتها اللوّنيّة، ومعادلات ثقة التعبير عن صدق اللحظة التي تعي بها وتتمتع من تقديم تقابلات وجدانيّة يتحدّ بها طرف التعبير بطرف التجريد الواعي، ليتدخلا معاً ويتوحدا في شنّ (هجومٍ إبداعي)- إن جادت التسمية - يدحض تلك القوى المعاكسة لرغبات وتطلعات الإنسان، الذي يغيب تماماً عن موجودات لوحات (العبيدي) فيما لجج روحه وآثار تطلعاته نلمسها ونتحسسها تسكن غارقة في محيطات وبحار ومناورات ما ترسم هذا المرأة الواثقة من ثبات وقوفها وترسيخ دعائم وجودها المستدام درأً ودفاعاً عن إنسانيّة الإنسان، وحقيقة وجوده في الحياة الحقة من خلال الرسم وأثر حضورها في أهم المحافل والملتقيات التشكيلية ومؤتمرات والندوات الخيريّة وما يتعلق بالأطفال والأيتام وذوي الحاجات الخاصة وغيرهم.
احاسيس بما تضاهي الفكرة
تستدعي (فاطمة العبيدي) جُلّ لحظاتها التأملية بمقدرات الحلم الذي يراود مخيلتها، إن لم تكن مجموعة أحلام موحدّة تتساير وتتساوق في نسق واحد يؤدي بها إلى الوضوح والنصوع في مجمل مشاريعها الجمالية والفكريّة من حيث كونها طاقة احاسيس كامنة في دواخل نفسها.
احاسيس واعية ومُتفقة مع ذاتها الطيّعة في تشخيص ما في تلك الدواخل توضيحات لوّنية وتلويحات انطباعيّة تشي بضخ تعميمات تماثل نسقها العام في الكشف عما يجول في طبيعة أفكارها وتوضيح تقييمات سعت تلازم إمكانيّات نظرها الى أبعد من مراميها المُعينة وفق حدود تصوّراتها، وبما يدنو ويتقابل ويتضافر مع مهاراتها التفاعليّة بهواجس تلك اللحظات المؤمنة والصادحة بنظافة روحها وسلامة عقلها وما يُنتج فيه من أفكار ودواعي مسرات و إشراقات أمل وتفاؤل، سرعان ما تتماهى مع مصداتها الفكريّة والتأمليّة وهي تذوب في نسيج لوحاتٍ لا مجال فيه للفراغ أو المناطق المجردة من فعل الرسم وخواصه التعبيريّة، فحسب، وفق نواهل ما يضاهي الاحساس ويؤازر محتوى المخيلة ونوعية تلك الأفكار النائمة في ثنيات وطيات أمواجها اللونيّة ومعادلاتها اللا شكلية (التجريد بتسميته الأخرى والمعروفة) إلا بحدود توضيح شحنة انفعالات ومقتربات تُهيئ لأن تستعين ببعض ملامح تشخيصات محذوفة قصداً من عالمها التأملي، وتوافد أشياء وأثر تشابكات لنباتات وأعشاب وأوراق شجر و أجنحة لطيور أو فرشات أو التواءات لأجسام هلاميّة تعطي الحركة وترفد أجساد لوحاتها بالنبض وديمومة الحركة من جهة، وفرض تنويعات بفضاءات وعوالم من أفلاك ومجرات و أهلّة تملأ عموم عوالمها من جهة أخرى، وفي مجرى تقصدّات إجراءات تّحيي فيها (فاطمة) رفات ما مات من أرواح تلك الكائنات.
لمح إشارات.. بعض توضيح
يجدر بنا ... ونحن نقترب من ضفاف تقييم أساس وجوهري في قوام هذه التجربة التي بدأت مشوارها الاحترافي في العام/1995، أن نقف عند حدود ما يحصل اليوم في عالم التعبير من خلال نوافذ التشكيل، عبر مقتربات بعض ما حملته لي رسالة ضوئية وصلتني من صديقي الفنان المبدع (ستار كاووش) بخصوص ما هو مُفضّل في عالم اليوم -أوربا تحديداً- حيث يعيش ويقيم (ستار) في هولندا منذ أكثر من عقدين -تقريباً- من أن الفن قد عاد الى التشخيصيّة أو بملازمة توضيحات تعبيريّة خاصة، إذ لم يعد التجريد المحض يثير اهتمام الغرب، فهو بالأصل بضاعتهم فكيف يمكن أن تعود اليهم، إنهم يريدون أو يُفضلون من يتفرّد بطريقة خاصة في الرسم- مثلاً- وإذ استعين -هنا- بجوانب من هذا الرأي، إنّما لكي نبرهن على قبول المُشاهد الغربي ومن يدانيهم ذائقة ووعياً تشكيليّاً لأعمال (فاطمة العبيدي) من حيث وضوح معالمها وحيويّة خواصها التعبيريّة، ونُعلل عبر هذا نيلها عشرات الجوائز والأوسمة والألقاب وغيرها من مقتربات الإشادة وسواند الاعجاب وأثر الحضور.