في سنوات استقرار الأوضاع السياسية النسبية في العراق كان الانتماء الى أي تنظيم لا يتطلب شروطا تعجيزية "الايمان بالمبادئ" يمنح الراغبين في خوض معترك العمل الحزبي الانضمام الى الحزب مع تعهد بدفع بدل الاشتراك الشهري بموعد ثابت ، لا يخضع للتقسيط المريح بكل الأحوال ، فمالية التنظيم خاوية في اغلب الأحيان ، وقد تتعرض الى مغامرة قيادي " يهرب بالدخل " فتتحمل القاعدة أي الرفاق الصغار أعباء توفير التعويض لتغطية نفقات التنظيم لحين استعادة عافيته المالية .
مَن جرب العمل الحزبي من الجيل السابق تحتفظ ذاكرته بأحداث وشواهد لا تخلو من طرافة ومنها ان احدهم كان مدرسا للتاريخ في احدى مدارس بغداد ، ابدى رغبته في تشكيل تنظيم سياسي ففاتح طلابه وزبائن "مقهى الطرف" للانتماء لحزبه، استجاب له الكثيرون فعقد المؤتمر التأسيسي في منزله، بعد تناول العشاء ألقى محاضرة تناولت اهداف الحزب ومشروعه المستقبلي، طلب من الرفاق الالتزام بسرية العمل والاستعداد لخوض المعترك النضالي، بعد اسبوع من تأسيس الحزب طلب القائد المؤسس من الرفاق جمع الاشتراكات، فكانت حصيلة مالية الحزب ثلاثة دراهم، فدعا الى عقد اجتماع استثنائي للبحث عن مصادر تمويل أخرى. الرفاق كانوا يعانون الإفلاس المزمن فشلوا في تعظيم موارد تنظيمهم ، لكن القائد المؤسس وزع المالية بين الأعضاء على حد الفلس .
عندما أصبحت الأحزاب الطريق الوحيد للحصول على وظيفة حكومية او في الشرطة المحلية او جهاز الامن ، المهاجر من الريف الى المدينة طراك ثجيل استجاب لإلحاح ووالدته بالتحرك على احد اقربائه وكان مسؤولا حزبيا لضمه الى الحزب الحاكم ثم الحصول على تعيين في احدى الدوائر الرسمية . ابدى المسؤول استعداده لضم طراك الى التنظيم لكن بعد تقديم معاملة الى دائرة الأحوال المدنية لتغيير اسمه واختيار آخر يليق بسمعة الحزب ، فليس من المعقول اطلاقا ، إلحاق مفردة رفيق بطراك ثجيل ، فتبدو الجملة شتيمة تخدم أعداء الحزب والثورة .
حصل طراك ثجيل على اسم سعيد ، حملته هوية الأحوال المدنية ، فتخلص من لعنة رافقته منذ صغره الى يوم حصوله على صفة الرفيق ، الرجل سخر موهبته في نظم الاهازيج ونبرة صوته العالية فتولى مسؤولية قيادة التظاهرات الجماهيرية المنددة بالعدو الصهيوني .
حقق الرفيق سعيد طراك سابقا تقدما في عمله السياسي فنال ثقة مسؤوليه ، ارتدى البدلة السفاري ثم الزيتوني ، انتقل من مدينة الى أخرى ثم استقر في احد الاحياء الشعبية في العاصمة بغداد مسؤولا حزبيا عن منطقة بكاملها . في احد الأيام قاده حظه العاثر للمشاركة في ندوة انت تسأل والحزب يجيب ، بعد التعريف بالرفاق المسؤولين طرح الحاضرون اسئلتهم ، الأجوبة جاهزة لدى الرفيق سعيد متصدر المنصة .
من الخطوط الخلفية تقدم باتجاه المنصة رجل كبير السن طرح سؤالا خارج السياق اثار استغراب الحاضرين " عمي انت موش طراك ابن زاير ثجيل ألف رحمه على روحه ؟ ليش بدلت اسمك يا بعد عمي؟
عشرات السنين مرت على طرح ذلك السؤال ،مع احتمال تكراره على الرغم من التحول الجذري في حياة الرفيق طراك، وانضمامه الى جهة تؤمن باستخدام أسلحة الاختطاف الشامل لإثبات حضورها في المشهد السياسي .
الرفيق "طراك ثجيل"
[post-views]
نشر في: 12 مايو, 2017: 09:01 م