بدرخان السندييقول صلاح عبد الصبور. لست شاعرا حزينا ولكني شاعر متألم. وبالرغم من هذا التمييز الاصطلاحي بين المفردتين، الحزن الالم- وطبيعي الالم هنا الم نفسي نقول بالرغم من هذا التمييز نجد مصطلح الحزن هو الغالب في شعره. ولا نعتقد ان عبد الصبور لم يكن صادقا في مقولته لكن الذي نراه ان الشاعر دأب علي توظيف مفردة الحزن علي انها الالم. فما هو الالم عند الشاعر صلاح عبد الصبور؟
ان من يقرأ صلاح عبد الصبور قراءة متأنية لابد ان يتوصل الي مفهوم الالم عند الشاعر واختلافه عن الحزن، فالالم كما يتجلي لنا- اشمل من الحزن.rnوعندما تفترش الاحزان الطريق.. كل الطريق تبدو لنا قيمة الالم... اذن فالحزن حالة مؤقتة كما يبدو ويمكن ان ترتبط بهمّ فردي او اشكال شخصي. لكن الالم حزن انساني ملازم للحياة. حزن يرتبط بحالة تتجاوز الهموم الخاصة الى هموم هذا الكوكب برمته.. الى (الفقر) كما يصفه عبد الصبور (عذاب الانسان الاكبر) ويحاول ان يعزوه الى خلاف مادأب الناس على تفسيره. فهو ليس سوء توزيع في الثورة، لكنه سوء توزيع الانسانية. و(الالم- الفقر) في شعر صلاح يتجاوز الفقر المحلي والصراعات الطبقية في المجتمع الواحد الى صراع بين (دولة غنية ودولة فقيرة).وصلاح عبد الصبور لا يرىد ان يجعل من احزانه (تقليعة) عالمية لذا نجده يقف بحزم امام بعض النقاد ممن حاولوا ان يجعلوا من احزان عبد الصبور اقتباسا عن الحزن الاوربي وبخاصة احزان (الىوت).. ان احزان عبد الصبور الممتدة الى اقاصي الدنيا لم تكن لتمتد لولا ذلك الجذر المحلي من الحزن الاصيل فاحزانه تمتد من مدينته...حزن تمدد في المدينة/ كاللص في جوف السكينة/ كالافعوان بلا فحيحيعتمد عبد الصبور اشكالا من الاستعارة البليغة في رغبته لوضع تعريف محدد مفهوم لسرمدية احزانه وابديتها ومن ثمَّ اصالة وجودها فانه يلجأ الى وصف مادي محض لنوع الحزن الذي ينتابه... فالمادة (فيزيائيا) لا تفني ولا تستحدث وعبد الصبور يعلن ذلك في قصيدته ((عود الى ما جري ذلك المساء)).حزني لا يفني ولا يستحدثتري.. هل هذا اعلان من عبد الصبور ان مآسي الانسان ابدية.. وهل يشكك عبد الصبور في قدرة المتلقي على احتواء موضوع الحزن الذي يعتمل في ذاته ويرهقه هذا ما يمكن ان نستشفه من قصيدته ((عود الى ماجري..)) فحتى اذا وقف الاخرون على حزنه عاد ذلك الحزن حزنا اخر غير الذي يشكو منه الشاعر كما سنري فيما بعد.وقد ذكرنا ان عبد الصبور رغم اعلانه عن كونه شاعرا متألما فانه يهتف في اكثر من موضوع من اعماله الشعرية بحزنه. ففي قصيدة (الحزن) تقرأ في مطلع القصيدة:يا صاحبي اني حزين/ طلع الصباح وما ابتسمت/ولم ينر وجهي الصباحالاكتئاب المزمنوللشاعر عدد من القصائد التي حملت الحزن عنواناً لها وربما كان عبد الصبور مصابا بحالة اكتئاب مزمن، فهو يستيقظ صباحا على حزنه وكآبة الصباح معروفة لدي كثرة من المصابين بالكآبة لكنه في الوقت ذاته يستقبل المساءات كئيبا. في غرفتي دلف المساء/ والحزن يولد في المساءويحاول الشاعر ان يرسم صورة شعرية لهذا الزائر المسائي (الحزن).. فله ابعاد.. وله سمات فهو طويل كالطريق. وأي طريق.. ذلك الذي يربط بين جحيم وجحيم.. ثم ان الحزن انسان ضرير وابكم.. وكيف لنا أن نتعامل مع كائن ضرير ابكم يجالسنا طويلا. واتي المساء/ في غرفتي دلف المساء/ والحزن يولد في المساء لانه حزن ضرير/ حزن طويل كالطريق من الجحيم الى الجحيم.حزن صموتومن الصور الشعرية التي يحاول الشاعر ان يرسم من خلالها الحزن، ان الحزن افعوان صامت بلافحيح.. ولص في جوف السكينة.. وفي عدد من المواضيع يكرر الشاعر صورة التنين والافعوان تعبيرا عن الحزن.. مما يوحي ان الحزن احيانا يتخذ لدي الشاعر صورة الرهبة او ان انفعال الخوف يمتزج بانفعال الحزن.ثم بلوت الحزن حين يلتوي كافعوان/ فيعصر الفؤاد ثم يخنقه/ وبعد لحظة من الاسار يعتقهوفي موضوع اخر فان للحزن صورة التنين بالف ذراعومشي الحزن الى الاكواخ/تنين له الف ذراع/ كل دهليز ذراعيمكن ان نقف على نوعين من الاحزان لدي عبد الصبور احزان يشوبها الغموض لا يقدر الشاعر على (توصيفها) الا من خلال غرابتها وفداحتها ونري ان هذا النوع من الحزن- من الوجهة السايكولوجية (النفسية- العلمية) هي الكآبة لانها احزان مجهولة الهوية وله احزان واضحة لا يشوبها الغموض ترتبط بعوامل البعاد والىأس من تحقق الامنيات.. ان احزانه الغامضة تتضح في عدد من قصائده.. وربما كانت المقطوعة الثالثة من (اغنية الى الله) اقرب الى ما ذهبنا الىه.حزني ثقيل فادح هذا المساء/ كأنه عذاب مصفدين في السعير/ حزني غريب الابوين/ لانه تكون ابن لحظة مفاجئة/ ما مخضته بطنبينما في المقطوعة الرابعة من ذات القصيدة نجده قد التفت الى نوع ثان من الحزن ينتابه. حزن واضح الهوية.لقد بلوت الحزن حين يزحم الهواء كالدخان/ فيوقظ الحنين/ هل نري صحابنا المسافرين/ احبابنا المهاجرين/ وهل يعود يومنا الذي قضي من رحلة الزمان/ الذات والناسوفي قصيدة (الظل والصليب) يقول عبد الصبور: (كان همي ان اتحدث عن نماذج من البشر لا يستطيعون ان يحققوا ذواتهم ويخشون التجربة فيموتون قبل ان يعرفوا الموت، كنت اتحدث عن موت الاحياء في جبنهم وسأمهم ولا مبالاتهم.لقد كان عبد الصبور هنا رائعا في تجسيد احدي غايات الشعر لديه- ان لم اقل كل غايته من الشعر- فهمه ان يتحدث عن مسألة جد مهمة، لاب
صلاح عبد الصبور: لست شاعراً حزيناً ولكني متألم
نشر في: 19 فبراير, 2010: 06:16 م