سناء البيسي ‏ فنمضي في استيعاب جديدهما‏.‏ نهضم معهما الكتابة بلغة اخرى، بالنكهة الجديدة والصيغ الجديدة والفكر الجديد في لغة لم تفقد هويتها المصرية‏,‏ وكأن من أتانا لندوة الزيارة في بوفيه الآداب امرؤ القيس وابن المقفع قد بعثا من جديد بلغة العصر ومنجزاته وصواريخه وطياراته ودباباته‏,‏
بعدما مللنا لغة صارت مثل الصيغ القانونية والأقوال المأثورة والخطابة المنبرية وخطابات الكتبة أمام المحاكم الشرعية‏..‏ عثرنا عندهما على لغة كنا نبحث عنها وسط بحور السأم ولا تطاوعنا مواهبنا على النطق بها‏.‏ لغة تتنفس على أوتارنا‏,‏ وتبحر بذات مجاديفنا‏.‏ لغة تحمل منظارا مقربا يكشف ما وراء الأفق من أشياء تستحق أن تري وأن نتأملها في بلد لا يحكم فيه القانون‏.‏ في بلد يمضي فيه الناس الى السجن بمحض الصدفة‏.‏ في بلد لا يوجد فيه المستقبل‏.‏ في بلد يتمدد في جثته الفقر كما يتمدد ثعبان في الرمل‏.‏في بلد تتعري فيه المرأة كي تأكل‏...‏ ضيفانا أتانا زمان لنناقش نقطة الالتقاء والاختلاف بشأن فيينا‏..‏ نفرش أمامهما فدان لماذا؟ وننصت لإجابتهما حول لأن‏..‏ ضيفانا كان قد سرقهما الحلم الرومانسي على أنغام الفالس الأوروبي بصوت أسمهان في ليالي الأنس في فيينا‏,‏ فسافر الحالمان الى أرض الأحلام ليكتب إدريس قصته بعنوان السيدة فيينا‏,‏ ويعود عبدالصبور بقصيدته امرأة من فيينا‏..‏ الموضوع واحد والبطلة الأجنبية هي هي‏,‏ والمرتحل الىها المصري المغترب في بلاد الجن والملائكة الذي لم يعثر هناك على مفتاح الكنز ولا كلمة السر ولا ارتواء ظمأ الوجدان ولا الغاية أو المرتجي‏,‏ بل كانت الأصداء مغايرة للمتوقع لتبقي الغربة سدا بين طرفي النقيض‏..‏ بين الشرق والغرب‏,‏ رغم زيف ليلة الحلم وقناع الحب الآلي في بلاد اللقاءات العابرة‏..‏ فيينا التي وصف عبدالصبور لقاءه العابر بها بقوله‏:‏تعانقت شفاهنا‏,‏ وافترقتتفرقت خطواتنا‏,‏ وانكفأتعلى السلالم القديمةثم نزلنا الطريق واجمينلما دخلنا في مواكب البشرالمسرعين الخطو نحو الخبز والمئونةالمسرعين الخطو نحو الموتفي جبهة الطريق‏,‏ انفلتت ذراعهافي نصفه‏,‏ تباعدت‏,‏ فرقنا مستعجل يشد طفلتهفي آخر الطريق تقت ـ ما استطعت ـ لو رأيتما لون عينيهاوحين شارفنا ذري الميدان‏,‏ غمغمت بدون صوتكأنها تسألني‏..‏ من أنت؟وفي الستينيات ذهبت للعمل في الأهرام لألقي هناك صلاح عبدالصبور الذي أوسع له محمد حسنين هيكل الصفحات بعدما صدر قرار إقالته من عمله الثقافي الرسمي مع الدكتورة سهير القلماوي‏..‏ وقع صلاح بين براثن مراكز القوي التي ألقت به في الطريق‏,‏ وعندما وصل الخبر لعبدالناصر أرسل على الفور من يعيده لعمله قائلا‏:‏ الوطن الذي يفصل شاعرا لا صدق في أحلامه وليست مصر هذا الوطن‏...‏بيننا كان بن عبدالصبور طائرا مغردا يأتي ليحط عفويا وبلا كلفة على طرف المكتب‏,‏ يدخل في نسيج الضجيج‏,‏ ويحلق مع سحب الغضبات‏,‏ ويشارك في أفكار الموضوعات‏,‏ ويخطف لهفات صديقات‏..‏ يقعن في شرك دماثته وطزاجته وسمرة جبهته السمحة والشجن البادي في عينيه وطلة طفل يحوم ويبحث عن ملجأ‏,‏ والأنثي بطبيعتها حضن تفتح صدفتها كملاذ‏,‏ لهذا وقعت في شرك الحزن الرفيف أكثر من واحدة‏,‏ ولابد وأن شاعرنا الفريد في عشقه قد لمست قلبه واحدة أعلن لها منذ البداية أنه إنسان بسيط بلا ثروة ولا جاه ولا مال‏,‏ ولابد وأن يكون قد اعترف لها صادقا بأنه قد جاب الليالي باحثا في جوفها عن لؤلؤة يقدمها لها‏,‏ إلا أنه عاد ببضعة من الحصي والمحار دون العثور على اللؤلؤة و‏..‏ نسمع ونشارك قصته مع صاحبة الصوت الدافئ عبر الميكروفون‏.‏ نشهد دقات حذائها المرح في موعدها الىه وهزة من شعرها اللازمة الأنثوية عند نطقها اسمه ممتدا على شفتيها بتوزيع موسيقي‏,‏وسفرة هيام لآخر الملكوت في عيونها إذا ما رددت أمامنا أبيات شعره‏..‏ لكننا فجأة نسمع عن حفل زفافه على الاخرى‏ (‏نبيلة‏)‏ في مساء الغد بشارع نوبار‏..‏ وتمضي فترة‏..‏ فترة تعد قصيرة في عمر الزواجات لنسمع عن الطائر الذي هجر العش‏..‏ الذي كتب تعلىقا على فشل قصة زواج الحب الذي جمع بين الراقصة الشهيرة إزادورا دنكان والمخرج المسرحي جوردون كريج‏..‏ كتب وكأنه اعتراف ذاتي على لسان الزوج الذي أدار ظهره للارتب
صلاح عبدالصبور.. قال لكم
نشر في: 19 فبراير, 2010: 06:19 م