TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > صلاح عبدالصبور‏..‏ قال لكم

صلاح عبدالصبور‏..‏ قال لكم

نشر في: 19 فبراير, 2010: 06:19 م

سناء البيسي ‏ فنمضي في استيعاب جديدهما‏.‏ نهضم معهما الكتابة بلغة اخرى، بالنكهة الجديدة والصيغ الجديدة والفكر الجديد في لغة لم تفقد هويتها المصرية‏,‏ وكأن من أتانا لندوة الزيارة في بوفيه الآداب امرؤ القيس وابن المقفع قد بعثا من جديد بلغة العصر ومنجزاته وصواريخه وطياراته ودباباته‏,‏
بعدما مللنا لغة صارت مثل الصيغ القانونية والأقوال المأثورة والخطابة المنبرية وخطابات الكتبة أمام المحاكم الشرعية‏..‏ عثرنا عندهما على لغة كنا نبحث عنها وسط بحور السأم ولا تطاوعنا مواهبنا على النطق بها‏.‏ لغة تتنفس على أوتارنا‏,‏ وتبحر بذات مجاديفنا‏.‏ لغة تحمل منظارا مقربا يكشف ما وراء الأفق من أشياء تستحق أن تري وأن نتأملها في بلد لا يحكم فيه القانون‏.‏ في بلد يمضي فيه الناس الى السجن بمحض الصدفة‏.‏ في بلد لا يوجد فيه المستقبل‏.‏ في بلد يتمدد في جثته الفقر كما يتمدد ثعبان في الرمل‏.‏في بلد تتعري فيه المرأة كي تأكل‏...‏ ضيفانا أتانا زمان لنناقش نقطة الالتقاء والاختلاف بشأن فيينا‏..‏ نفرش أمامهما فدان لماذا؟ وننصت لإجابتهما حول لأن‏..‏ ضيفانا كان قد سرقهما الحلم الرومانسي على أنغام الفالس الأوروبي بصوت أسمهان في ليالي الأنس في فيينا‏,‏ فسافر الحالمان الى أرض الأحلام ليكتب إدريس قصته بعنوان السيدة فيينا‏,‏ ويعود عبدالصبور بقصيدته امرأة من فيينا‏..‏ الموضوع واحد والبطلة الأجنبية هي هي‏,‏ والمرتحل الىها المصري المغترب في بلاد الجن والملائكة الذي لم يعثر هناك على مفتاح الكنز ولا كلمة السر ولا ارتواء ظمأ الوجدان ولا الغاية أو المرتجي‏,‏ بل كانت الأصداء مغايرة للمتوقع لتبقي الغربة سدا بين طرفي النقيض‏..‏ بين الشرق والغرب‏,‏ رغم زيف ليلة الحلم وقناع الحب الآلي في بلاد اللقاءات العابرة‏..‏ فيينا التي وصف عبدالصبور لقاءه العابر بها بقوله‏:‏تعانقت شفاهنا‏,‏ وافترقتتفرقت خطواتنا‏,‏ وانكفأتعلى السلالم القديمةثم نزلنا الطريق واجمينلما دخلنا في مواكب البشرالمسرعين الخطو نحو الخبز والمئونةالمسرعين الخطو نحو الموتفي جبهة الطريق‏,‏ انفلتت ذراعهافي نصفه‏,‏ تباعدت‏,‏ فرقنا مستعجل يشد طفلتهفي آخر الطريق تقت ـ ما استطعت ـ لو رأيتما لون عينيهاوحين شارفنا ذري الميدان‏,‏ غمغمت بدون صوتكأنها تسألني‏..‏ من أنت؟وفي الستينيات ذهبت للعمل في الأهرام لألقي هناك صلاح عبدالصبور الذي أوسع له محمد حسنين هيكل الصفحات بعدما صدر قرار إقالته من عمله الثقافي الرسمي مع الدكتورة سهير القلماوي‏..‏ وقع صلاح بين براثن مراكز القوي التي ألقت به في الطريق‏,‏ وعندما وصل الخبر لعبدالناصر أرسل على الفور من يعيده لعمله قائلا‏:‏ الوطن الذي يفصل شاعرا لا صدق في أحلامه وليست مصر هذا الوطن‏...‏بيننا كان بن عبدالصبور طائرا مغردا يأتي ليحط عفويا وبلا كلفة على طرف المكتب‏,‏ يدخل في نسيج الضجيج‏,‏ ويحلق مع سحب الغضبات‏,‏ ويشارك في أفكار الموضوعات‏,‏ ويخطف لهفات صديقات‏..‏ يقعن في شرك دماثته وطزاجته وسمرة جبهته السمحة والشجن البادي في عينيه وطلة طفل يحوم ويبحث عن ملجأ‏,‏ والأنثي بطبيعتها حضن تفتح صدفتها كملاذ‏,‏ لهذا وقعت في شرك الحزن الرفيف أكثر من واحدة‏,‏ ولابد وأن شاعرنا الفريد في عشقه قد لمست قلبه واحدة أعلن لها منذ البداية أنه إنسان بسيط بلا ثروة ولا جاه ولا مال‏,‏ ولابد وأن يكون قد اعترف لها صادقا بأنه قد جاب الليالي باحثا في جوفها عن لؤلؤة يقدمها لها‏,‏ إلا أنه عاد ببضعة من الحصي والمحار دون العثور على اللؤلؤة و‏..‏ نسمع ونشارك قصته مع صاحبة الصوت الدافئ عبر الميكروفون‏.‏ نشهد دقات حذائها المرح في موعدها الىه وهزة من شعرها اللازمة الأنثوية عند نطقها اسمه ممتدا على شفتيها بتوزيع موسيقي‏,‏وسفرة هيام لآخر الملكوت في عيونها إذا ما رددت أمامنا أبيات شعره‏..‏ لكننا فجأة نسمع عن حفل زفافه على الاخرى‏ (‏نبيلة‏)‏ في مساء الغد بشارع نوبار‏..‏ وتمضي فترة‏..‏ فترة تعد قصيرة في عمر الزواجات لنسمع عن الطائر الذي هجر العش‏..‏ الذي كتب تعلىقا على فشل قصة زواج الحب الذي جمع بين الراقصة الشهيرة إزادورا دنكان والمخرج المسرحي جوردون كريج‏..‏ كتب وكأنه اعتراف ذاتي على لسان الزوج الذي أدار ظهره للارتب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram