مع كل تطور في الأمن والسياسة والاقتصاد تثبت الحكومة أنها تفشل في امتحان الشفافية، مختارة طرقا ملتوية لإخفاء الحقائق وتجاوز التساؤلات التي يثيرها الرأي العام والصحافة والبسطاء من الناس.
ومن دون تجنٍّ، فقد أضحت أحاديث رئيس الوزراء ومستشاريه والمتحدثين باسمه عبارة عن مصفوفة من اللوغاريتمات التي يعجز عن فكّها المراقبون، فضلاً عن الإنسان العادي الذي ينتظر من زعماء بلده بارقة أمل تنهي معاناته مع البطالة والفقر وغلاء الاسعار، وتردّي الاوضاع المعيشية.
فلم يعد المسؤول التنفيذي الاول ووزراؤه معنيين بمصارحة الشارع، ولا حتى البرلمان الذي من المفترض انه يمثل إرادة الناخب في مراقبة أداء السلطة التنفيذية. فما على أي وزير او مسؤول يواجه استجوابا برلمانيا سوى رفع دعوى قضائية ضد النائب المستجوب لضرب مبدأ حياد العمل الرقابي، والادعاء بوجود خصومة قضائية بين المستجوَب والمستجوِب.
في الاسبوع الماضي أشرتُ إلى ملفّين حسّاسين تتعمد الحكومة التكتم على تفاصيلهما، وترفض عرضهما امام الملأ، وأقصد بذلك ملفّي خصخصة الكهرباء، وخصخصة الطريق الدولي الرابط بين العراق والاردن.
وكلما مرّ يوم يزداد الملفان تعقيدا وغموضا. فعندما يريد رئيس الوزراء تسويق مشروع خصخصة الكهرباء، يتحدث عن مشروع تزويد المواطن بـ٢٤ ساعة من الطاقة، لكنه لا يتحدث عن ضمان ألاّ يتحول هذا المشروع لمورد من موارد استنزاف جيوب المواطن. لا يجيب رئيس الوزراء ولا وزيره، الذي بدا متلعثما امام البرلمان، عن سبب عجزهم عن ضبط قطاع المولدات مثلا؟ ولماذا تتواطأ دوائر الكهرباء مع المولدات في فصل الصيف ورأس كل شهر؟ واين ذهبت حصص الكاز التي تدعم بها المولدات؟
ولماذا يراد تعميم تجربة أحياء راقية كزيونة واليرموك في بغداد على مدينة الصدر والحيانية في البصرة وحزام الفقر الممتد من السماوة الى ذي قار؟
ترفع الحكومة تسعيرة الكهرباء أربعة اضعاف، بشهادة البنك الدولي في آخر تقاريره، ثم ينفي الرئيس ووزيره ذلك. يتحدثون عن استثمار لرفع الإنتاج لكنهم يبرمون عقودا لجباية الفواتير مقابل ١٥٪ للشركات.
لن أعيد الحديث عن مشروع خصخصة الطريق الدولي، الذي يبدو انه سيتحول الى قنبلة جديدة تعيد الانبار الى وضعها المتفجر سابقا، لاسيما مع تكشف خيوط تربط هذا المشروع بشخصيات ساهمت بسقوط المدينة ودخول داعش اليها. فرئيس الوزراء يعزو القبول بمثل هكذا مشروع ذي حساسية امنية وتجارية الى ارتفاع ضحايا حوادث المرور، متناسيا ان هذا الطريق مهجور منذ مطلع 2012.
لن أعيد التذكير بملف الديون وسياسية الاقتراض الاجنبي من دون ضوابط وبعيدا عن رقابة البرلمان. سأتجاوز السؤال عن القواعد الامريكية في البلاد والحديث عن وجود شبه دائم للقوات الاجنبية بعد مرحلة داعش، فهذه اسئلة باتت مصدر انزعاج لرئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي الاسبوعي، والتي اعتاد الرد عليها بالاستغراب ومزيد من الاستغراب والتخوين.
سأختم المقال بالتساؤل عن الوفرة المالية التي باتت تتمتع بها الحكومة لكنها مع ذلك تواصل قضم المرتبات وتأخيرها بحجة واخرى. فبحسب تقرير وزارة المالية، المنشور على الموقع الرسمي للوزارة، فان السنة المالية 2016 انتهت بفائض مالي قدره ٢ ترليون دينار. إذ توضح البيانات ان الإنفاق الاجمالي 52.3 تريليون دينار.
من اصل ايرادات تبلغ 54.3 تريليون دينار = الفائض 2 تريليون دينار.
كما تشير المعطيات إلى ان الحكومة حققت فائضا مهما خلال الربع الاول من العام الجاري، وحسب بيانات المالية ذاتها. فمن اصل ايرادات بلغت ١٥.٣ ترليون دينار انفقت الحكومة ١٣.٥ ترليون. والطريف في الامر ان تجهل لجان البرلمان المتخصصة هذه الحقائق ويصمت المتواطئون من الكتل والنواب.
ايغال الحكومة، ومن ورائها جيوش المتحدثين باسمها، بمنهج التهرب من المكاشفة، معتمدة بذلك على تهم جاهزة كالاستهداف السياسي، أو التسقيط ومحاولة إفشال خطط الإصلاح الذي سمعنا جعجعته ولم نشاهد طحينه حتى الآن!