علي حسن الفوازهل يمكن للعرب ان يؤسسوا دولة مثل سويسرا لا تشتري السلاح بقدر ما تشتري بالونات الهواء وكاسيتات اغاني البوب؟ وهل يمكن للعرب أن يفتحوا حدودهم وقلوبهم على بعضهم البعض على طريقة دول الاتحاد الاوربي دون عقد داحس والغبراء وتخريجات نظرية المؤامرة؟
وهل يمكن لهم ان يحلّوا مشاكلهم السياسية والعقائدية والطائفية مع معارضاتهم المأزومة دائما على طريقة ما أنجزه الايرلنديون البروتستانت مع خصومهم الكاثوليك وميليشيات الجيش الجمهوري الايرلندي السري؟هذه الأسئلة ليست نزوعا أوتشريحا في فنطازيا السياسة، وليست محاولة في اثارة اسئلة غرائبية في فن اللامعقول، لكنها وببساطة شديدة تداعيات او احلام ما بعد المحنة دائما، اذ يتحول اصحاب المحنة وبعد سقوط الفاس على الرأس الى حالمين بامتياز والى باحثين عن حلول طهرانية وعرفانية واخلاقية تنقذهم من مصائبهم، وربما تحرضهم على قراءة كل مرجعيات المحن في التاريخ والثقافة والسياسة الفقهية والتأويلية ومفهومات الثنائيات القهرية للحاكم والمحكوم والمواطن والقائد ومابينهما من حقوق مضاعة وتاريخ مسكون بالحرمانات الطويلة ازاء أحكام اولي الامر الرموز والقادة، تلك التي صنعت اشكالا معقدة للتابعية، او ربما اجتهدت في ايجاد طرائق للتلذذ بها او النزوع لممارسة لعبة جلد الذات بطرق اكثر مازوكية.الحديث عن علاقة العرب بدولة مثل سويسرا هو حديث في اصلاح ذات الشأن، فسويسرا دولة ليست نفطية لكن كل اموال نفوط العالم تذهب اليها، وهي ليست في منتصف الكرة الارضية لكن العالم كله يضبط وقته على الساعات السويسرية، وهي ليست دولة سياسية بالمعنى الاشهاري والثوري والامبريالي للسياسة، لكن العالم يضبط سياساته وقوانيه واحكامه ومفاهيم علاقاته الدولية والصحية على الارض السويسرية دائما. وهذه المفارقات العجيبة تدعونا للتساؤل، هل ان سويسرا هي دولة خالصة للبنوك العالمية؟ وهل انها دولة لضبط الوقت الكوني في ساعاتها الشهيرة فقط؟ وهل هي دولة اتفق العالم ومحاربوه على جعلها موطن الثقة العمومية لكي تكون ارصدتهم المعلنة والسرية في حاضنة هذه الدولة دون خشية من قراصنة او سرّاق بنوك او تزوير عملات او تبييض اموال؟ انها كذلك، لكنها اصلا دولة (إنسانية) أجمل ما فيها قيم المواطنة، وكل ما فيها دقيق ومنظم وعادل وحضاري ومسالم بدءا من الانسان ذاته وصولا الى طبائع النظم والقوانين والاعراف والحسابات، وهذ ما يجعلها لاتحتاج الى جيش عرمرم، ولا الى اجهزة مخابراتية بحجم KGB ,CIA لمراقبة كل شاردة وواردة وحبس انفاس في ذهابهم وايابهم ونومهم ومعرفة مافي جيوبهم ورؤسهم، ولا لاجهزة خاصة لمتابعة تطبيق شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. لانها تملك نظاما داخليا واخلاقيا للرقابة. ان سويسرا دولة لم تنزل من السماء! ولم يدخل المقدس الكنائسي في صناعتها بقدر ما صنعها الانسان ذاته، الانسان الحضاري الذي آمن وادرك ان الحياة تؤسس على التعاون والحوار والاحترام والشراكة والصدق والمسؤولية والارادة، وليس على الانقلابات والكراهيات وتعقيم افكار الاخرين بالمطهرات وكبس انفاسهم وطردهم من الحراك السياسي والانساني، لان الحياة المتحركة والافكار المتحركة المتنافذة مع بعضها البعض هي وحدها الصالحة للري والوضوء والغسول وماعداها فهو راكد وفاسد...لذا نحن بحاجة حقا الى الدرس السويسري في انشاء الدولة وتوظيف الاشياء الصالحة في الاماكن الصالحة.وبصدد التجربة الاوربية وبرنامج اتحادها الاوربي وانجازاتها خلال سنوات قليلة في صناعة استثنائية لمفاهيم الشراكة والتوحد والحوار الحضاري، نجد ان هذه الصناعة باتت علامة لتأكيد فكرة التحضر، وعمق وعي المؤسسة الاوربية الرسمية والمدنية لمسؤولياتها في اسناد أنسنة مشروع الدولة والمجتمع والمؤسسة والمواطنة، فضلا عن العمل على ايجاد قاعدة اقتصادية متينة للتحضر، تلك التي جاءت عبر اصدار عملة مشتركة له هوية ولها قيمة وقوة تداول يمكنها من السيطرة والمنافسة والحضور مع العملات الاخرى خاصة مع العملة (الامبريالية) الدولار الصانع االعتيد للاوهام والاخيلة والغوايات. لقد تداولت النظريات القومانية بان العرب نحن امة خالدة تاريخية وساحرة ولها جغرافيا طوبوغرافية وروحية،وهي امة بلغة بهية ساحرة، لكن هذه الامة لللاسف لم تزل تعيش خارج التاريخ بمازوكيات القهر الاقتصادي والقهر السياسي ، ولم تشرعن مايؤكد انسوية العلاقات داخل الفضاء في العمل والثقافة والسياسة والتعليم، رغم هيمنة اللغة والمقدس والحروب المشتركة والمخاوف المشتركة والاعداء المشتركين، بدءا من عدم عقد اية اتفاقية من اتفاقيات و برامج فاعلة في الاجندات الاقتصادية والسياسية، ناهيك عن غياب هذه الاتفاقيات بين الجامعات العربية العتيدة منذ عام 1945 وانتهاء بالايام المعاصرة المفتوحة على احتمالات لاتنتهي، لا في الحرب ومحنها الكثي
أسئلة في صيانة الانسان وبناء الدولة
نشر في: 20 فبراير, 2010: 04:36 م