ترى كيف يستطيع الانسان التعبير عن مشاعره أمام أنسام البهجة، والصدق المعطّر بالمحبة وجمال حضور الانسان؟ هذا ما أفكر به الآن وأنا استعيد روعة وجمال وكرم أصدقائي، وأعني ماحدث معي قبل ايام، أثناء زيارتي لمدينة لندن. لقد ترددت كثيراً بالكتابة عن ذلك، لأني اعرف ومتأكد بأن كل كتابة مهما كانت جميلة، ربما تقترب من أطراف الأشياء العظيمة، لكن من الصعب أن تفيها حقها.
في اليوم التالي لوصولي مع زوجتي أليس الى لندن، دعانا الصديق الجميل عدنان الصائغ وزوجته ماجدة الى بيتهما المملوء بالكتب والمحبة، حيث ضيافتهما المدهشة، لنتجول بعدها في شوارع لندن وفوق جسورها ووسط ساحاتها باسترخاء ولذّة قل نظيرهما. نعود مُبتَهجَين الى مكان سكننا، لنلبي في اليوم التالي دعوة الصديق الباهر شاكر حامد وَكَرَمَهُ الذي تجاوز وتخطى كل التصورات، وهو يحضر الشرق كله الى لندن في اُمسية فريدة وغير مسبوقة، وساعات ممتعة ستبقى طول العمر في الذاكرة. على الطرف الآخر للمحبة كان هناك صديق ايام الأكاديمية الذي لا يُنسى عبد الحميد الصائح بانتظاري وهو يطوقني بألفة وايثار وكرم نادر، توّج كل ذلك بموضوع رائع كتبه عني، سكب فيه عصارة فهمه لأعمالي بأنثيال جميل والتقاطات ذكية. أما الصديق المدهش صفاء صنكور فقد اقتطع الكثير من وقته ليصحبنا من هذا المتحف لذاك المعرض، ومن هذه الجادة لتلك الناصية، برهافة المثقف الكبير وحنو العارف المتواضع، تجولنا معه في اماكن مدهشة ومهمة، لينتهي بِنَا المطاف في سوهو، حيث أشار الى مطعم إيطالي جميل قضينا فيه الظهيرة، لنختتم اللقاء بالإطلاع على مكتبته النادرة العجيبة، التي تضم عشرات الآلاف من الأفلام والكتب. أما صديقي المقرب عدنان حسين احمد وزوجته الفاضلة ام دانيال، فأصرّا على أن يفتحا لنا بيتهما الجميل العامر بالضيافة والكرم والدفء لنستذكر معاً ايام هولندا، ليقدمني عدنان بعدها بشكل مدهش في أمسيتي التي قدمتها في مكتبة ألِف وسط لندن، ثم يطوقني بكرم كلماته، فيكتب مقالاً عن الأمسية، يضيء فيه جوانب كثيرة من لوحاتي ويشير الى مكامن الجمال فيها، كما فعل وشرفني قبلها بتأليف كتاب حول أعمالي.
لكني وسط ذلك الجمال هل يمكنني أن انسى الصديق عوّاد ناصر الممتع بلقائه وحفاوته وروحه المُحِبة وأحاديثه الطيبة في مقهى جميل، كَلَّلَ ذلك بمقال مدهش وثّق هذا اللقاء وهو يفرش حرير كلماته على سطوح لوحاتي. كذلك زهير الجزائري وكرمه ودفء صداقته وأحاديثه الشيّقة وهو يختار لنا طاولة قصية في البار الانكليزي، ملأها لنا بالإجبان والنبيذ الأحمر، لنختتم ذلك بالحديث عن روايته الجديدة التي سأرسم لها لوحة الغلاف. وغريب اسكندر الهادئ الجميل مثل نسمة، وهو يسحب خطانا ببطء نحو مطعم إيراني يقدم الأكلات الشرقية. وسلام سرحان وحضوره القريب من النفس وهو يتنقل بِنَا ليلاً في سيارته عبر دروب لندن لننهي الليل بأحاديث ملونة بنبيذ احمر. وصادق الصائغ وهو يحاول ان يستعيد ويتذكر لقاءنا الاخير، فأبادره بأن ذلك كان بمدينة لاهاي في هولندا، حين سرق لي الخبز من الفندق الذي كنا نبات فيه سوياً، فضحكنا واستعدنا لقاءات هولندا الجميلة حين يمتزج الشعر مع الرسم. وَعَبَد الكريم كاصد وروحه المحملة بالدفء وسؤاله الدائم وإحاطته الدافئة بِنَا. وفاطمة المحسن وحديثها الممتع عن الثقافة وطرائف الأصدقاء المبدعين. واحلام عرب وحضورها البهي البهيج وهي تعيدني الى ايام بغداد المدهشة. وريم قيس كبة وعفويتها التي لم تفارقها ابداً. وثامر الخفاجي وانعكاس روحه الطيبة على ملامحه كما ينعكس الضوء على أعماله الخزفية الجميلة. ومي الراضي وضيافتها في المقهى المغربي، ومفاجأتها لي وهي تَسحَبُ من حقيبتها مجموعة من الرسومات، كنتُ قد أهديتها لها في بغداد قبل خمسة وعشرين عاماً ومازالت تحتفظ بها وتنقلها معها من بلد لآخر.
ولكي تكتمل الحكاية بنهاية مدهشة، كان اللقاء الأخير في مرسم فناننا الاستثنائي فيصل لعيبي، حيث استضافنا بكرم ومحبة قَلَّ نظيرهما، سعادة فائقة أن نطلع على مرسمه ونشاهد أعماله المكتملة ومشاريعه الجديدة، وشرف كبير أن يحضر لنا فيصل الأكل والشرب بيدهِ، يدهُ ذاتها التي يرسم بها اعظم الأعمال!! انها لحظات خالدة تعطي للصداقة معنى، انه الجمال حين يكون بهيئة بشر.
جولة مع الأصدقاء في لندن
[post-views]
نشر في: 26 مايو, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...