سيناريو وإخراج الفرنسي: فرانسواز اوزون بطولة: باولا مير بدور " آنا " وبيير نيني بدور "أدريان"أثار فيلم المخرج "فرانسواز اوزون" " فرانتـــز" الذي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا لهذا العام الكثير من الأسئلة، أسئلة إنسانية عالية ا
سيناريو وإخراج الفرنسي: فرانسواز اوزون
بطولة: باولا مير بدور " آنا " وبيير نيني بدور "أدريان"
أثار فيلم المخرج "فرانسواز اوزون" " فرانتـــز" الذي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا لهذا العام الكثير من الأسئلة، أسئلة إنسانية عالية المضمون والتي تدور ثيمتها عن الحرب وما يمكن أن تفعله الحرب بالبشرية بوصفها الخطيئة الكبيرة التي ترتكبها الإنسانية بحق بعضها البعض.
عبر هذه الشمولية الفلسفية المحاطة بأجراس أسئلة الحياة والحرب: من نحن سوى مجموعة من الأقدارالمشاركة في أشرس واقسى فعل إنساني.. الحرب التي لاتنتهي بمجرد أن نقتل العدو أو يقتلنا، الحرب الحقيقية هي تلك التي تبدأ بمجرد أن تقرع الكنائس اجراسها وهي تعلن نهايتها. وهنا تبدأ المحاكمة الحقيقية .. يأتي دور الضحية والجلاد في تصفية التفاصيل التي نكرهها كما كرهنا الحرب من قبل !
هل يمكن أن نغفر للقاتل..؟ واذا حاولنا أن نفعل ذلك! فأين نضع انفعالاتنا الإنسانية إزاء فقداننا من نحبهم وعلى يد قتلة يقفون امامنا؟! هل يمكن للموسيقى والجمال والفنون الإنسانية التي يقدمها القاتل كوسائل للاعتذار عما فعله ذات يوم؟. هل يمكن أن نقبل التبرير الذي يقدمه القاتل المتمثل بالجندي الآخر؟. الجندي الذي كان يقاتل أبناءنا في الجبهة.. هل نطيق سماع مبررات القاتل ؟ .. الشرح المؤطر بالحقائق التي نعجز عن تقبلها أو التفكير بها أو الاستعداد لسماعها؟.
هل يحتاج الجندي إلى قلب غليظ وقاسٍ حتى يدافع عن نفسه، وكم سيبقى دخان الحروب محلقاً حول ضحاياها كي يستطيع احدهم أن ينسى؟
كانت فرنسا في محور وألمانيا في محور آخر، قتل الفرنسيون الكثير من الالمان وكذلك فعل الالمان. أثار الحرب واضحة على مدينة المانية صغيرة.. هذا ماقدمه المخرج "فرانسواز اوزون " في فيلمه "فرانتز" وهو يصور لنا عبر مشاهد عالية الدقة.. الصورة بالاسود والأبيض.. عدا لقطات الفلاش باك التي قدمها الينا بالألوان، الزمن يعود الى السنة الأولى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، فنرى خطوات " آنا " خطيبة "فرانتز" الجندي الألماني الذي قتل في الحرب وهي تتجه الى قبر حبيبها لتضع كما اعتادت الزهور على القبر، فتفاجئ بزهور جديدة موضوعة على القبر، تفهم من الحارس، أن هناك شاباً فرنسياً هو من وضع الزهور.. الشاب كما يصفه الحارس، يبدو عليه الشرود والحزن وكان يبكي "عرفت أنه فرنسي لأنه اعطاني نقوداً فرنسية" يريها النقود وهو يبصق عليها.. تفكر بأنه قد يكون صديقاً لفرانتس في زمن ماقبل الحرب تسير وسط شوارع مدينة " كودلنبغ " المدينة الألمانية التي يخترقها جوق موسيقي لازال يردد أناشيد الحرب الممتزج مع اجراس الكنائس التي تقرع والمتناغمة مع خطوات ـ آنا ـ بعد أن تعود الى بيت والد "فرانتز" تخمن الأم أنه ربما يكون صديقاً لفرانتس، نفهم ظروف بقاء ـ آنا ـ في بيت خطيبها انها بقيت معهم لتواسيهم على الفقدان وتحولت الى تعويض عن خسارتهما ابنهما في الحرب، فضلاً عن انها علقت دراستها لعدم رغبتها في اكمالها بعد وفاة خطيبها.. في اليوم التالي ترى الشاب وهو واقف على القبر بحزن وخشوع .. وحينما يزور والد "فرانتز" الطبيب الذي يسأله ماذا يريد؟ لكنه يطرده حالما يعرف انه فرنسي وهو يصرخ "كل فرنسي هو قاتل فرانتز" وحينما تسمع ـ آنا ـ تخبر الأب بأنه كان يضع الزهورعلى قبر"فرانتز" بعد أن يتم استقباله في البيت، تسأله الأم " كيف تعرفت عليه ؟ هل كان سعيداً ومبتهجاً" يجيبهم " نعم" وهو يلفق صوراً هائلة تدور في مخيلته عن تعارفهما في متحف اللوفر ــ رأيته يقف متسمرا أمام لوحات مائية وعن لوحة معينة منها بالذات تمثل "رجل شاحب ورأسه الى الخلف" لوحة الانتحار للفنان العالمي مانيه التي كان متعلقا بها ــ
ويقرأ الى "آنا" عن ظهر قلب قصيدة فرلين.. كيف عرفت انه يحب فرلين .. يكذب أيضاً.. تحدثنا كثيراً عن فرلين (التنهدات الطويلة / لكمانات الخريف / يخرج قلبي بكسل فأبكي وأبدأ رحلتي في مهب الريح التي تدفعني ). ثم يدخل الى غرفته، كتبه ملابسه كمانه وسط حوارات الاب الذي يستذكر ابنه، يقدم له الكمان الذي يسميه "قلب أبني" يفهم من الأب ان فرانتز من دعاة السلام .. ثم تنتقل الكاميرا الى وسط المدينة، حيث الأباء الذين فقدوا ابناءهم يجلسون في الحانة ويقرون انهم من ارسل الاولاد الى الجبهة.. لنجد انفسنا امام ادريان وآنا وهما بمواجهة بعضهما البعض امام القبر قبل السفر بيوم واحد ليعترف لها بأنه قاتل فرانتز بعد أن وجد نفسه بمواجهة فرانتز: جنديان من معسكرين متحاربين وسط خندق وكل منهما يحمل بندقية موجهة نحو الآخر.. لكنه اطلق النار قبل فرانتز ويرديه صريعاً بطلقة واحدة .. يقرأ لها مقاطع من آخر رسالة التي عثر عليها في جيب فرانتز وأرسلها على العنوان الذي من خلاله وصل اليهم ليعتذر ويطهرنفسه بحثاً عن الخلاص .. تصرخ به لماذا جئت...؟ يجيبها " لاقدم اعتذاري ولأحرر نفسي" لاكتشف من هو فرانتز.. اما متحف اللوفر والرسوم المائية..احسست نفسي جباناً، لم استطع أن أبوح لهما فاخترعت ماكنت افعله أنا بمواجهة اللوحة المائية للرجل الشاحب ورأسه الى الخلف والتي كانت تشبه الوضعية التي بقيت راسخة في مخيلتي لفرانتز وهو ميت في الخندق، يسافر دون أن يلتقي بالأب والأم لكنها كانت موجودة في المحطة وكانت تراقب عربات القطار التي تنظر اليها وهي تحمل قاتل خطيبها لكنها تحتمل العبء وحدها ، عبء السر الذي تعرفه عن الزائر الغريب ويتواصل العبء في الرسائل التي كانت تصلها من ادريان والتي تغيرها وتقرأ لأبويه رسائل أخرى، تختلف عن مشاعر الندم التي كانت تصلها، وبعد انقطاع الرسائل .يتفقان على أن تسافر الى باريس لمعرفة اخباره .. وحينما تعثر عليه، تشاهد اباء الجنود القتلى من الفرنسيين وهم يتحدثون عن قتلة المان.. "لاسبيل الى الغفران" الحرب لاتحتمل أن يغفر الضحية للجلاد.. الا في الاستثناء، والاسثناء هنا "آنا "وهو تغرم" بادريان "الذي ادخل مصحة للعلاج النفسي لأنه لم يعد يحتمل منظر" فرانتز " حينما قلب بندقيته التي لم يجدها ملقمة، وهذا يعني أن الرجل لم يكن ينوي أن يقتله.. ولكن كيف أعرف؟ يحدثها انه في يوم اعلان انتهاء الحرب كان هو يتعالج في مصحة نفسية وحينما خرج رأى الناس يرقصون في الشوارع ، فشبه رقصهم كمن يرقص فوق الجثث التي دفنت في الأرض الحرام . يذهبان الى متحف اللوفر ويقفان امام لوحة "مانيه" التي حدثهم عنها وهي لرجل شاحب ورأسه الى الخلف "الوضعية التي كان عليها فرانتز حينما دفنه في الخندق، فتحس أن اللوحة بألوانها المائية تمنحها الحياة بشكل آخر، الحياة التي يجب أن تستمر.
استخدم المخرج "فرانسواز اوزون" تقنية الأسود والأبيض وكذلك اللقطات البعيدة التي تستوعب المشاهد العامة للكثير من تفاصيل المشاهد ونجح في استخدام الألوان في مشاهد الفلاش باك.. الفيلم ناطق بالألمانية والفرنسية ويعد من أهم اعمال "أوزون" ليس كونه المخرج بل لأنه كاتب السيناريو والذي انجزه بصنعة اخراجية عالية لأنها تقوم على المؤثرات النفسية التي يعيشها الأبطال وكانت هناك عناية دقيقة بالصورة والموسيقى والازياء فكان رسم المشاهد وتوظيف الموسيقى مؤثراً جداً.