adnan.h@almadapaper.net
في واحد من أسوأ مواقف التحالف الوطني العراقي، وليس أغربها لأنه حتى الشيطان نفسه لم يعد غريباً في هذي البلاد بفضل سياسات التحالف الوطني وشركائه في الحكم، كرّس التحالف بيانه الخاص بتفجيري الكرادة والشواكة الأخيرين لمهاجمة الضحايا بدلاً من إعلان التضامن معهم.
ضحايا التفجيرين الحاصلين يوم الثلاثاء الماضي هم الذين استشهدوا أو أصيبوا وعائلاتهم أو تضررت ممتلكاتهم، وكذلك سائر سكان بغداد الذين يتواصل دونما انقطاع مسلسل رعبهم ولا يعرفون متى يأتي الدور عليهم في تفجيرات إرهابية جديدة.
التحالف الوطني الذي هو عملياً حاكم البلاد الفعلي (لديه رئاسة الوزراء ومعظم الوزارات ودوائر الدولة بما فيها الأمنية وإدارات المحافظات والهيئات "المستقلة" والجماعات المسلحة غير القانونية أيضاً...الخ)، أظهر في بيانه الصادر يوم الاربعاء استغرابه من "تكريس النقد والاتّهام بالتقصير إلى الأجهزة الأمنية، في حين أنّ الإرهاب يُمكن أن ينجح لمرة واحدة فيثبت فشل الاجهزة الأمنية، فيما الأجهزة الأمنية عليها أن تنجح كل مرة لإثبات فاعليتها"!
بيان كهذا لا يصحّ أبداً أن يصدر عن جهة سياسية تتحمل المسؤولية عن إدارة الدولة، فهو إعلان بالتنصّل من هذه المسؤولية وبترك الناس لمصيرهم.
ما كان للناس أن يكرّسوا نقدهم واتهامهم للأجهزة الأمنية لو لم يتكرّر فشلها مئات المرات بدل المرة الواحدة والاثنتين والعشرة، وهو في الواقع فشل النظام السياسي في المقام الأول.
الناس أعطوا للتحالف الوطني وشركائه في الحكم كل شيء: السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وموارد النفط وسواه، في مقابل أن يقدّموا لهم الخدمات الأساسية، وأولها الأمن الذي ضمنه الحكّام لأنفسهم في المنطقة الخضراء وخارجها بنسبة مئة بالمئة، وتركوا الإرهاب ينتقم منهم (الناس).
من الطبيعي أن يتوجّه الناس بالنقد والاتّهام إلى الأجهزة الأمنية وقياداتها وإلى السلطة السياسية المسؤولة عنها كلّما حدث خرق أمني، فالأمر يتعلّق بأرواح تُزهق ودماء تُسفك وومتلكات تتدمر.
في اجتماعها الذي عقدته أمس بحضور رئيس الوزراء حيدر العبادي ومسؤولي الأجهزة الأمنية، لم تستطع قيادة التحالف (الهيئة السياسية) أن تمضي في خطى بيان الأربعاء، فهي اعترفت، بحسب البيان الصادر عن الاجتماع، بأن ثمة علاقة بين الوضع الأمني غير المستقر و"التنافس السياسي"، داعيةً الى "دعم الأجهزة الأمنية"، و"الاهتمام بالخدمات والتنمية في حزام بغداد وتطوير مداخل العاصمة بما يسهل عملية المراقبة الأمنية ومرور السيارات"، و"تدوير القيادات الأمنية وتقييمها بشكل دوري" و"التعامل بحزم مع القيادات الأمنية والعسكرية المقصّرة أو المتهاونة، مع التركيز على المهمة الوطنية في حفظ الأمن".
هذا الكلام يُعطي الصدقية والمشروعية لكل الانتقادات والاتهامات التي استنكرها بيان الأربعاء.
والواقع أن بيان أمس، كما سائر البيانات السابقة، ينقصه الاعتراف بالعنصر الأساس لاستمرار الخروق الأمنية الإرهابية .. إنه النظام السياسي القائم على المحاصصة .. فالمحاصصة هي ما جعل الكثير من الوظائف في الأجهزة الأمنية، كما الحال في الأجهزة المدنية، في أيدي عناصر غير كِفْأة غير نزيهة، وهي التي سهّلت ومرّرت عمليات الفساد الإداري والمالي.
هنا العلّة .. من دون إدراكها وعلاجها سيبقى أمن بغداد وسائر المدن مستباحاً من الإرهاب والجريمة المنظّمة.