TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لا لإلغاء الطقس المسرحي

لا لإلغاء الطقس المسرحي

نشر في: 5 يونيو, 2017: 09:01 م

علمنا أساتذتنا أن المسرح مكان مقدس وأن العرض المسرحي طقس له مهابته ومن يدخل إلى المسرح ويشاهد العرض يجب أن يخضع لتلك القدسية وأن يساهم في طقسيته وأن يفهم أن متعة المشاهدة تعتمد بالدرجة الأولى على الدخول في أجوائه، وان يبقى صامتأً ينتظر موعد بدء العرض الذي لا يتحقق سحره إلا بالمحافظة على المهابة وحسن التلقّي، أما ان تدخل بناية المسرح وتأخذ مقعداً في صالة المتفرجين في جو صاخب لأغانٍ معروفة تأتي من سماعات على جدران الصالة وبأعلى درجة من قوة الصوت وتدوخ من ضجيج المشاهدين الذين جاءوا قبلك، فإنك حتماً ستتعرض للضجر وتتمنى أن يبدأ العرض المسرحي عسى أن تتوقف الاغاني التي لا علاقة لها بالعرض، ويتوقف ضجيج المشاهدين الذين ملأوا الصالة، ولكن ماذا تفعل حينما يبدأ العرض وتسمع الموسيقى الصادرة من تلك السماعات والتصنيف الصادر من معظم المشاهدين الذين يجهلون قيمة الصمت قبل العرض واثنائه والذين يصفقون بحرارة لكل مشهد يشاهدوه مهما كانت قيمته الفنية، ليس لديك إلا الرغبة في مغادرة المسرح ولعن مشاهدي العرض، وماذا سيكون موقفك عندما تشاهد أن هذا العرض لا يختلف عن عروض شاهدتها من قبل وكأنه نسخة عنها، وإن هذا العرض يعتمد على وسيلة واحدة للتعبير هي الجسد، وليت هذا التعبير له دلالة أو معنى بل هو مجرد حركات مكررة تفتقر إلى المرونة والى الجاذبية، ليس أمامك إلا أن ترفض مثل هذه العروض الباهتة التي تفتقر إلى الفن والحرفية العالية، ثم تأتيك الطاقة الكبرى في أن تتخلل مشاهد العرض فترات صمت لا معنى لها ولا ضرورة، وأن أغلب المشاهد تؤدى فيما يشبه الظلمة أو بإضاءة ملونة خافتة، فلا ترى لا وجوه الممثلين ولا بعض اعضاء اجسادهم في حركتها وجمودها بين مشهد وآخر يتعالى تصنيف البعض من الجمهور ولا تدري لماذا؟ إذ لا ترى أية براعة فيها ولا أية دلالة تعززها ولا حتى لمسة من جمال في أدائها، وبالتالي لا نتائج تستخلصها إلا الغاء الطقس المسرحي أو تشويهه. وتأسف لأن ذلك يحدث في معهد لتعليم الفن المسرحي. ونأسف أيضاً لأن مثل هذه العروض المستنسخة إذا استمرت وإذا عمّت في الساحة المسرحية، ستبعد الجمهور عن الفن المسرحي وتخرب ذائقته.
لأغراض تعليم الفن المسرحي للمبتدئين لا ينبغي حرق المراحل والبدء من حيث وصل إليه الآخرون قبلنا والذين لديهم تراث مسرحي عريق، بل علينا ولأغراض التعليم أن نبدأ من البداية وأن نبين للطلبة كيف كان العرض المسرحي وكيف كان اداء الممثلين وكيف تطور عبر السنين وكيف تغيرت الاساليب حتى وصلت إلى الواقعية، ثم تم تجاوزها إلى المدارس الأخرى – الرمزية والتعبيرية وفروعها وما الفرق بين التوجه الأرسطي والتوجه البريختي، ولأغراض التعليم أيضاً، لا بد أن يتمرن الطلبة على القواعد والأصول قبل أن يقفزوا إلى كسرها والبحث عن اللا مألوف. على الكادر التدريسي في المعاهد والكليات الفنية أن يعلموا ويدرّبوا طلبتهم على الإلقاء الصحيح لكلمات النص المسرحي، قبل أن يشاركوا في مسرحية منطوقة بجوارها البليغ أو ذات التركيب الكلامي المعقد. عليهم أن يدربوهم على الحصول على جسد مرن مطواع، قبل أن يعرضوا مسرحية حركية تعتمد على التمثيل الصامت والرقص الدرامي، فإن لم يفعلوا ذلك، فإن حركاتهم سوف تفتقر الى الرشاقة والى التعبير الجسدي المؤثر.في الآونة الاخيرة لاحظت أن العديد من طلبة المسرح راحوا يقدمون عروضاً كوريو غرائية – الرقص الدرامي، ويبتعدون عن عروض المسرح الناطق، لاعتقادي أن هذه فيها صعوبة وتأخذ التمارين عليها زمناً طويلاً، حتى أن تلك أسهل في نظرهم ولا تأخذ تمارينها سوى بضعة أسابيع أو أيام، إضافة الى هذا وذاك، لا بد أن يتمرن الطلبة على تقاليد الفن المسرحي، وأن يحترموا جمهور المسرح واصحاب العرض المسرحي ، ويبتعدوا عن اثارة الفوضى والضجيج قبل العرض واثنائه، وأن لا يصفقوا للممثلين إلا بعد انتهاء العرض.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram