يتصل ( الإعلامي ) بعضو اتحاد الكرة العراقي ليقول له: هل شاهدتني الليلة الماضية ؟ لقد مسحت بك الأرض، ولم أترك سكة في حياتك أو عملك إلا وتطرقت إليها؟!
يرد عليه عضو الاتحاد: حقاً؟ هل فعلت ذلك؟ في الواقع أنا لم أشاهد البرنامج! في إمكانك أن تقول أنت ما تشاء، وأن افعل أنا ما أريد!
يرد (الإعلامي) مختتماً المكالمة: ولكني أرجو من كل قلبي أن تشاهدني في المرة المقبلة وأنا انتقدك أنت واتحادك!!
إلى هذا المنحدر تراجع العمل الإعلامي الرياضي في العراق.. بات من يفترض فيه وفي مهنته التنوير والتبصير، يستجدي (الزميل) مسؤولاً رياضياً أن يشاهده ، علّـه بعد ذلك يحسب حساباً للكلمة التي يقولها، بينما يجهل المسؤول أو يتجاهل أنه شاهد أو تابع بعد أن صار النقد مجانياً، وبعد أن فتحنا كل النوافذ لهواء التلفاز أمام الصديق والقريب والنسيب وعضو الحزب، لنصل بالنتيجة إلى أن لا أحد يشاهدنا!
الأمر يتكرر على نحو أمرّ وأدهى في الصحافة المكتوبة.. القارئ في الشارع أو من وراء مكاتب الرياضة، معذور لأنه لا يستطيع ملاحقة ما تكتبه مائة جريدة أو أكثر تصدر في العراق، فهي تتكاثر بالانشطار والتبرعم لتتخذ أماكنها على مصاطب بورصة الصحف عند بزوغ كل فجر!
كيف يتسنى للناس أن تقرأ كل ما يرد في صحافتنا؟ أصبحت مهموماً بهذا السؤال، بعد أن بلغت قناعة بأن كثيراً مما نكتبه صار يذهب إلى باعة الاقمشة حيث يتدثّر الحرير والبازة بصفحات نتوهم بأننا نعتصر أفكارها من قلوبنا، ونصدرها بحبر دمائنا، ونضعها على الورق كأننا نضع بذلك توائم أرواحنا بين دفتي مطبوع!!
لهذا أقول دوماً إنني وعدد من زملاء المهنة ، محظوظون لأننا عملنا في الصحافة قبل وثبة الصحف التي اغتنمت فضاء الحرية المتاح كي تخوض تجربة لم تتبين معالمها أو جدواها حتى الآن .. كان أحدنا، فيما مضى، يكتب في واحدة من خمس جرائد يومية عامة أو في جريدة متخصصة واحدة .. لم يكن الانترنت مسموحاً وكذلك الموبايل، وكانت ثلاث قنوات تلفازية رسمية تسمح بالحدود الدنيا من المعرفة والاطلاع ، لهذا كان الناس يجدون في صحفنا المعدودة المسيطر عليها ملاذاً وحيداً.. كان ما يكتبه الراحل إبراهيم إسماعيل أو ضياء المنشئ أو أحمد القصاب حديث الساعة واليوم والأسبوع لدى كل قارئ مهتم بالحدث الرياضي.. لهذا كان لدينا نجوم شعبيون في الصحافة، مثلما كان البدري أو شدراك يوسف أو الراحل رعد عبد المهدي أو علي الخفاجي علامات تلفازية فارقة كان الناس يعرفونها وينهلون منها كل التفاصيل!
كان أيّ قارئ يجري وراء الصحف المحدودة في الصباح الباكر، قبل نفادها، كي يقرأ ويسهم في صناعة أسماء إعلامية عرف عنها الكثير، وكان المشاهد ينتظر التاسعة من كل ثلاثاء كي يطلع عليه (مؤيد) كأنه البدر، فيحلل ويستنتج ..
جاء الانفتاح في الإعلام، وجاء معه كثير من الانفلات.. ألا تلاحظون أن إعلامنا لم يعد يصنع نجماً إلا في حدود ضيقة منذ عشر سنوات وحتى الآن؟ أصبح (الإعلامي) يتوسل مشاهديه، ويقبّل رأس المسؤول الرياضي لكي يشاهده في الحلقة المقبلة، يشاهده وهو ينتقده .. وأصبح الصحفي يهلل ولا تسعه الدنيا فرحاً، إذا نبض تلفونه المحمول ليتلقى مكالمة من مسؤول أو قارئ يبشره بأنه قرأ مقالاً له ، بعد أن كان يجهل – لسنوات – في أية جريدة يكتب.
جميع التعليقات 1
أبو أثير
أستاذ علي ... ما تقوله صحيح مئة في المئة فالصحافة وألأعلام بصورة عامة ما بعد 2003 أصبحت لكل من هب ودب فيها ... وأخذنا نسمع عن كتاب وأعلاميين لم نكن نقرأ عنهم في السابق وغير معروفين بالمرة ... ومثلما دخل نفر من المرتزقة عالم الرياضة في عراق ما بعد ألأحتلا