لينين يخوض المعركة وحيداً ويُصر على توطيد النظام الجديد وقيام الثورة العالمية
| الحلقة 10 |
نشر موقع جاكوبين مقتطفات من كتاب (اكتوبر ..قصة الثورة الروسية ) للكاتب تشاينا ميلفيل والذي صد
لينين يخوض المعركة وحيداً ويُصر على توطيد النظام الجديد وقيام الثورة العالمية
| الحلقة 10 |
نشر موقع جاكوبين مقتطفات من كتاب (اكتوبر ..قصة الثورة الروسية ) للكاتب تشاينا ميلفيل والذي صدر بمناسبة مرور مئة عام على قيام الثورة عام 1917 وفي هذا الجزء يتحدث الكاتب عن السنوات التي اعقبت انتصار الثورة:
في وقت متأخر من مساء يوم 26 تشرين الاول 1917. كان لينين يقف أمام مندوبي مؤتمر مجالس السوفيتات الثاني.. كان جمهوره ينتظر – وكانت الساعة تقارب التاسعة مساء – وهو نفسه كان ينتظر ، صامتا، انتهاء تصفيق الحاضرين . في النهاية انحنى إلى الأمام، وبصوت أجش، قال أولى كلماته الشهيرة إلى المجتمعين.
"سنبدأ الآن في بناء النظام الاشتراكي". وأثارت كلماته هذه فرحة جديدة. وتعالت الاصوات الحماسية.
اقترح لينين إلغاء الملكية الخاصة للأراضي. وفيما يتعلق بالحرب، أصدر المؤتمر "إعلانا لشعوب وحكومات جميع الدول المتحاربة"، للتفاوض الفوري من أجل السلام الديمقراطي.وتمت الموافقة عليه بالإجماع.
وبدأت الهتافات تتصاعد "لقد انتهت الحرب!" "لقد انتهت الحرب!"
وأنشد الجميع اغنية حزينة ، تكريما لأولئك الذين ماتوا في النضال من أجل هذه اللحظة.
ولكن الحرب لم تنته بعد، والنظام الذي بدأ بناؤه لم يكن اشتراكيا بعد.
وبدلاً من ذلك، فإن الأشهر والسنوات التي تلت ذلك التاريخ ستشهد حصارا للثورة ، وهجوما عليها ، وعزلها، وتحطيمها، وستحدث: عمليات تطهير، ومعسكرات اعتقال، وحالات المجاعة، والقتل الجماعي. وما يزال شهر تشرين الأول / أكتوبر هو نقطة البداية لكل نقاش يتعلق بالتغيير الاجتماعي الجذري الأساسي. لم يكن احد ليعرف كيف سيبدأ التدهور، ولم يكن ذلك مرصودا في أي من نجوم السماء.
لقد رويت من قبل قصة الآمال، والنضالات، والمتاعب، والهزائم التي تبعت عام 1917 وسوف تروى مرة أخرى. وهذه القصة، وقبل كل شيء، الأسئلة الناشئة عنها - حتميات التغيير، وامكانية التغيير، والأخطار التي سترافق التغيير - تمتد إلى حد كبير خارج حدود ادراك الكثيرين. هذه الصفحات يمكن أن تقدم فقط لمحة عابرة عنها. عد انتصار الثورة مباشرة ، يلتقي كيرنسكي (رئيس الحكومة المؤقتة التي اطاحت بها الثورة )مع الجنرال اليميني المتشدد كراسنوف ويبدآن بالتخطيط للثورة المضادة .و تحت قيادته، يتحرك آلاف من الجنود القوزاق نحو العاصمة. وداخل بتروغراد نفسها، تتجمع فصائل مختلفة من المناشفة و الجماعات اليمينية في برلمان المدينة لتشكيل ما يعرف، بلجنة الخلاص، في مواجهة مجلس السوفييت الجديد. وكانت دوافعهم مختلفة تمتد من الكراهية العميقة نحو الديمقراطية إلى شعورهم بالانزعاج في ما يرونه بمثابة تعهد مرغمين عليه..
ولكن اللجنة الثورية العسكرية للبلاشفة تأخذ علما بهذه الخطط. ويشهد 29 تشرين الاول / اكتوبر نشوب "عصيان" في العاصمة عندما يحاول الطلاب العسكريون السيطرة عليها. ومرة أخرى، تطلق القذائف باتجاه المدينة وتسحق المقاومة.
وفي اليوم التالي، في مرتفعات بولكوفو، على بعد اثني عشر ميلا من بتروغراد، تواجه قوات كراسنوف (زعيم التمرد ضد الثورة) جيشا من العمال والبحارة والجنود، غير مدربين وغير منضبطين، لكنه يتفوق عدديا عليهم بنسبة عشرة إلى واحد. كانت المعركة شرسة ودموية. تعود قوات كراسنوف إلى مدينة غاتشينا، حيث يوجد مقر كيرنسكي. وبعد يومين، وفي مقابل المرور الآمن لهم، يوافقون على تسليمه.
وكان ينوي الهروب . ونجح في ذلك،فقد تنكر في زي بحار ونظارات غير مألوفة. وتنتهي أيام حياته في المنفى،.
وتطالب اللجنة التنفيذية لعموم روسيا التابعة لاتحاد عمال السكك الحديدية المؤيدة للتحالف بقيام حكومة تضم جميع كتل الحزب الاشتراكي الثوري(الذي كان يضم المناشفة والبلاشفة). و يغيب عن المؤتمر لينين و تروتسكي، وكلاهما كانا متشددان في هذه القضية ،: اما البلاشفة الذين حضروا - كامينيف، زينوفييف، وميليوتين – فكانوا يعتقدون أن قيام ائتلاف يضم جميع كتل الحزب الاشتراكي الثوري هو أفضل فرصة للبقاء على قيد الحياة. ولكن في تلك اللحظة، عندما يكون بقاء النظام الجديد تحت خطر التهديد الأكبر من نهج كراسنوف، فإن العديد من اللاجئين والمناشفة يهتمون بالمقاومة العسكرية للحكومة اكثر من اهتمامهم بالمفاوضات. وبعد هزيمة كراسنوف، يتحولون إلى الدخول الى التحالف .
ولم يكن هذا النهج يفتقر الى المعارضين. في 3 تشرين الثاني، استقال خمسة من المعارضين، بما في ذلك زينوفييف وكامينيف(من قادة الحزب )، من اللجنة المركزية . لكنهم سوف يتراجعون عن معارضتهم في كانون الأول ، وتحدث زوبعة عندما ينضم الجناح اليساري إلى الحكومة، ، و ينشأ تحالف للحظة وجيزة،.
إن ترسيخ الثورة لايجري في جميع أنحاء البلاد بشكل متساو. في موسكو، هناك قتال شرس طويل. معارضو النظام الجديد، مشوشون ومنقسمون، والبلاشفة يوسعون من سيطرتهم. وفي مطلع كانون الثاني 1918، تطلب الحكومة من الجمعية التأسيسية الملتئمة حديثا أن تعترف بسيادة مجالس السوفييت. وعندما يرفض ممثلو المجلس التشريعي، يعلن البلاشفة والفصائل اليسارية انه عمل غير ديموقراطي وغير شرعي: ويعيدون التذكير، ان اعضاء الجمعية (التي يهيمن عليها اليمين) قد تم اختيارهم قبل أكتوبر – تشرين الاول. ويدير الراديكاليون ظهرهم لها، ويتركون الجمعية لتتداعى ببطء. ثم يتم الغائها.
وما هو أسوأ يحصل بعد فترة وجيزة. في 3 آذار 1918، بعد أسابيع من المفاوضات المتوترة والغريبة ، فإن معاهدة بريست-ليتوفسك بين الحكومة السوفيتية وألمانيا وحلفائها تنهي دور روسيا في الحرب - ولكن تحت شروط عقابية صادمة.
لقد خاض لينين المعركة وحيدا واصر على أن تقبل المطالب الغادرة، لأن الأولوية بالنسبة له - برغم كل الثمن الذي سيدفع - هي إنهاء الحرب، وتوطيد النظام الجديد، وانتظار قيام الثورة العالمية. وكان كثير من المعترضين من الجناح اليساري في الحزب ، متأكدين من أن القوى المتنفذة تحمل جنين الثورة و أن الحرب يجب أن تستمر حتى تنتصر الثورة. ولكن في مواجهة التقدم الألماني المدمر، هدد لينين، مرة أخرى بالاستقالة، وينتصر أخيرا وينجح في اقناع الجميع.
وتكسب روسيا السلام ولكنها تفقد مساحات واسعة من الأراضي والسكان، وبعض من أكثر مناطقها خصوبة، وموارد صناعية ومالية ضخمة. وفي هذه المناطق التي تم إخلاؤها، تقوم القوى المتنفذة بانشاء أنظمة كاريكاتورية مضادة للثورة.
واحتجاجا على المعاهدة، يستقيل اليساريون من الحكومة. وتتصاعد التوترات في الوقت الذي يرد فيه البلاشفة على تفاقم المجاعة بالقيام بتدابير قاسية لشراء المواد الغذائية، لاقت بعض الاحتجاجات من الفلاحين،.
في حزيران ، يقوم ناشطون من اليسار المتطرف باغتيال سفير ألمانيا، أملا في ان يحث ذلك الحادث على العودة إلى الحرب "الثورية". وفي تموز ، يقومون بانتفاضة ضد البلاشفة – ويتم قمعها. ومع مقاومة الفلاحين للطلبات الصعبة، واغتيال الناشطين البلاشفة - فولودارسكي، أوريتسكي - ترد الحكومة باتخاذ تدابير قمعية، وغالبا ما تأخذ طابعا دمويا. وهكذا تبدأ دولة الحزب الواحد في الترسخ.
وتتخلل تلك الأيام لحظات سياسية غير معهودة. وفي تشرين الأول / أكتوبر 1918، يعترف المناشفة، بأن ثورة تشرين الأول / أكتوبر التي كانوا يعارضونها في اغلب الاحيان "ضرورية تاريخيا"؛ وفي نفس العام، حيث تشرف الحكومة بشدة على الاقتصاد الذي ينهار، فإن البلشفي اليساري شليابنيكوف يعرب عن استيائه الغريب كما هو حال الكثيرين في الحزب بأن "الطبقة الرأسمالية تخلت عن الدور التنظيمي في الإنتاج المخصص لها".
لفترة من الوقت، ما يزال لينين متفائلا بشأن آفاق الثورة العالمية، التي يفترض أنها السياق الوحيد الذي يمكن أن تستمر من خلاله الثورة الروسية. وحتى مع تعافي لينين من محاولة اغتيال فاشلة في أب 1918، و بعد القتل المروع للماركسيين روزا لوكسمبورج وكارل ليبكنشت في ألمانيا وانهيار انتفاضة سبارتاكوس، فإن التفاؤل البلشفي لم يضعف في البداية. وفي أعقاب الحرب، تدخل ألمانيا في خضم الاستقطاب الاجتماعي الدرامي، الذي سوف يعاود الظهور مرارا وتكرارا بين اعوام 1918 و 1923. وتنشأ حكومة السوفييت في المجر.و ينشب الصراع الطبقي في النمسا في عامي 1918 و 1919؛ وتشهد إيطاليا اضطرابات "العامين الأحمرين" في عامي 1919 و 1920. وحتى إنكلترا تتعرض للإضرابات. ولكن طوال عام 1919 وما بعده، يتم إخماد هذه الموجة من الانتفاضات،. ويصحو البلاشفة ليجدوا انفسهم معزولين ومحاصرين كما يصبح الوضع على الحدود اكثر صعوبة في أيار 1918، ينتفض خمسون ألف جندي في ثورة الفيلق التشيكوسلوفاكي. ويعد هذا، بداية الحرب الأهلية.
وللفترة من عام 1918 إلى 1921، يتوجب على البلاشفة محاربة عدة قوى معادية للثورة ومنها "الجيش الابيض"، ، والذي يتلقى المساعدة، والتسليح من قبل القوى الأجنبية. وبينما يتعدى البيض على أراضي الثورة، ويحركهم الحنين الجارف لزمن ما قبل الثورة، فإن ثورات الفلاحين "الخضراء" – وكانت الأكثر شهرة بينها ما حملت اسم ماكنو الفوضوي الأسطوري في أوكرانيا - تهاجم النظام البلشفي. وبحلول عام 1919، يتم احتلال الاراضي الروسية من قبل القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية واليابانية والألمانية والصربية والبولندية. وتصبح القوى الاشتراكية، والعصبة الحمراء، أكثر إرهاقا للأميركيين والبريطانيين والفرنسيين من خصومهم في زمن الحرب. وكتب ديفيد فرانسيس السفير الأميركي لدى روسيا عن قلقه من أنه "إذا سمح لهؤلاء البلاشفة المظلومين بالبقاء مسيطرين على البلاد، فلن يضيعوا فقط شعبهم المخلص ، ولكن الحكم البلشفي سيقوض جميع الحكومات ويهدد المجتمع نفسه ". كان تشرشل مهووسا بشكل خاص بهذا "الوحش المجهول"، و "المخلوق الكريه الذي يدعى البلشفية"، وبصراحة تامة كان هو أكبر عدو لها. وقال في عام 1919: "من بين كل امثلة الاستبداد في التاريخ، فإن الطغيان البلشفي هو الأسوأ والأكثر تدميرا والأشد إذلالا للبشر بدأ الحلفاء بارسال القوات إلى روسيا، وتشديد الحصار، ومنع امدادات الغذاء من الوصول إلى السكان الجوعى في روسيا السوفياتية. وقاموا بارسال الأموال للبيض، ومهما كان الامر بغيضا - دعم ديكتاتورية ألكسندر كولشاك، اوفيما يتعلق بغريغوري سيمينوف، الذي اطلقت قواته من جنود القوزاق العنان لحكم الرعب في سيبيريا، "كان الامر مبرراً للغاية. "كما قال أحد المراقبين الأميركيين، ""
ومع ذلك، فإن البيض ورغم وحشيتهم وشراستهم ، و كل تمويلهم، وكل دعم الحلفاء لهم ، كانوا غير قادرين على احراز نصر عسكري أو الحصول على دعم شعبي، بسبب معارضتهم لتقديم أي تنازلات للفلاحين الروس أو الأقليات القومية المتمردة. وارتكبت قواتهم مجازر عشوائية، واحرقت القرى وقتلت نحو 150 ألف يهودي في مذابح ممنهجة ، ومارسوا شتى انواع أعمال التعذيب ، مثل الجلد الجماعي، ودفن الناس احياء ، وتشويه اجسادهم، وربط السجناء باقدام الخيول لتجرها على الارض، والإعدامات السريعة. وكثيرا ما كانت تعليماتهم بعدم الاحتفاظ بالاسرى واضحة تماما.
هذا الإرهاب كان يخدم حلمهم في اقامة نظام استبدادي جديد. وكتب تشامبرلين احد شهود العيان يقول لو ان البلشفية انهزمت امام البيض، فان البديل سيكون "ديكتاتورا عسكريا". . . يذهب إلى موسكو ممتطيا حصان أبيض ". وكما قال تروتسكي فيما بعد فان كلمة الفاشية لم يعرفها العالم من اللغة الإيطالية ولكن من الروسية
وفي ظل هذه الضغوط التي لا تعرف هوادة ، كانت تلك شهور وسنوات من الهمجية والمعاناة التي لا توصف، والمجاعة، والموت الجماعي، والانهيار شبه الكامل للصناعة والثقافة، واللصوصية، والمذابح، والتعذيب، وأكل لحوم البشر. وفيها أطلق النظام المحاصر العنان لإرهابه الأحمر.
ولا شك في أن مدى انتشار أعمال الارهاب وعمقها تجاوز نطاق السيطرة؛ فبعض منتسبي التشيكا، وهي الشرطة السياسية، كانت تغريهم السلطة الشخصية، وكان بعضهم ذوي شخصيات سادية، وكان بينهم من يفقد اعصابه للحظة من الزمن ، كما ان بعضهم كان من البلطجية والقتلة غير الملتزمين بالقناعات السياسية وممارسات السلطة الجديدة. و لا يوجد هناك نقص في الشهادات على أعمالهم المروعة
منتسبون آخرون في جهازي الشرطة والأمن كانوا يقومون بعملهم بمشاعر من الحزن والأسى . قد يشعر المرء بالتشكك، بل والاشمئزاز، من فكرة محاولة، القيام ، باعمال إرهاب "أخلاقية تحت ذريعة " الضرورة الماسة ، او إرهاب محدود قدر الإمكان، ولكن شهاداتهم عن أعمال التعذيب كانت تشير الى انهم كانوا يعتقدون أنه ليس لديهم اي خيار سوى القيام بها. ويقول دزرجينسكي في نهاية عام 1918: "لقد سفكت دماء كثيرة ولم يعد لدي أي حق في الحياة "،: "يجب ان اًقتل الآن". وقال الجنرال ويليام غريفز الذي كان يقود القوات الاميركية في سيبيريا، ان اعداء البلاشفة كانوا يقتلون مئة شخص في شرقي سيبيريا، مقابل كل فرد قتله البلاشفة". وكان كثير من قادة النظام السوفياتي يكافحون من أجل كبح جماح النزعات المهينة لإرهابهم، والذي يدركون حجم فظاعته. في عام 1918،بررت الصحيفة الناطقة باسم جهاز الأمن اللجوء الى ممارسة اعمال التعذيب: فطردت اللجنة المركزية المحررين وإغلقت الصحيفة، وجدد مجلس السوفيات إدانته لأي ممارسة من هذا القبيل. ولكن من دون أدنى شك فإن العفن السياسي والأخلاقي بقي موجودا. في مواجهة الانهيارات بالجملة، والمجاعة المستمرة والمدمرة، بدأ النظام في عام 1921 يتراجع عن التدابير الطارئة التي اتخذها والتي عرفت باسم "شيوعية الحرب"، لتحل محلها السياسة الاقتصادية الجديدة، وفي الفترة من 1921 إلى 1927، بدأت الدولة تشجع الى حد ما المبادرات الفردية مما سمح للشركات الصغيرة بتحقيق الارباح. وتم تحرير سياسات الأجور، وسمح بالاستعانة بالخبراء والمستشارين التقنيين الاجانب . وعلى الرغم من أن الحكومة أقامت العديد من المزارع الجماعية الكبيرة، فإن الكثير من الأراضي تم تسليمها إلى الفلاحين الأثرياء. و "إزدهر عمل التجار وبدأوا باعمال المضاربة وبدأت الأسواق السوداء تزدهر. "وكان البلد يعمل وسط آثار كارثية، بين الاطلال المحطمة للصناعة والزراعة والطبقة العاملة نفسها. كانت الحاجة ماسة لانتهاج سياسة شيوعية الحرب و كانت السياسة الاقتصادية الجديدة تراجع ضروري عنها، مما سمح بحدوث درجة من الاستقرار، ونمو في الاقتصاد.
كان البلاشفة يعانون من المجموعات الانشقاقية ، الرسمية وغير الرسمية. واسس كولونتاي وشليابنيكوف مجموعة "المعارضة العمالية"، وكانوا يتوقون لتسليم السلطة إلى الطبقة العاملة التي كانت بالكاد موجودة. وعارض المثقفون البلشفيون القدامى من جماعة "الوسطاء الديمقراطيون" السياسات المركزية. وحظر المؤتمر العاشر للحزب الذي عقد في عام 1921 قيام التكتلات . وكان مناصرو هذه الخطوة، بمن فيهم لينين، يقدمونها كضرورة مؤقتة لتوحيد الحزب. تلك التكتلات – مثل المعارضة اليسارية، والمعارضة المتحدة ستكون حتما في وقت لاحق غيرشرعية .
بدأت صحة لينين تتدهور . وبدأ يعاني من السكتات الدماغية في عامي 1922 و 1923، ويكافح في ما اطلق عليها "معركته النهائية"، ضد الميول البيروقراطية، والتحجر والفساد الذي كان يراه يزداد. وبدأت شكوكه تنمو بشخصية ستالين المشبوهة ومكانه داخل الجهاز الحزبي . وفي كتاباته الأخيرة، كان يصر على إقالة ستالين من منصبه كأمين عام للحزب.
لم يتم اتباع نصيحته. ويموت لينين في كانون الثاني 1924.
في مؤتمر الحزب الرابع عشر، في عام 1924، وفي وجه الاحتجاجات من تروتسكي وآخرون، يقوم الحزب بتغيير مفاجئ .
و يقبل رسميا اطروحة ستالين بأنه "بشكل عام فإن انتصار الاشتراكية (ليس بالمعنى النهائي للانتصار) ممكن من دون قيد أو شرط في بلد واحد".
وعلى الرغم من التحذير بين قوسين، فإن القبول بمبدأ اقامة "الاشتراكية في بلد واحد" هو تراجع دراماتيكي عن المبادئ الاساسية للبلاشفة
وولد هذا التحول شعورا باليأس، حيث تنحسر أي آفاق للثورة العالمية. ولكن إذا كان من الطوباوية أن نأمل أن الدعم الدولي كان قاب قوسين أو أدنى، فما هو أكثر من ذلك هو الرهان على المستحيل - الاشتراكية المستبدة ؟ إن التشاؤم الصعب، بغض النظر عن مدى صعوبة عملية تحقيقه، سيكون أقل ضررا من هذا الأمل السيئ.
وكانت آثار الموقف الجديد مدمرة. ". بدأ ستالين، " الذي اصبح في قلب الجهاز الحزبي والحكومي، ينشئ قاعدته للسلطة، ووضعا خاصا له.
بين 1924 و 1928 بدأ المناخ السياسي في روسيا يصبح مسموما أكثر وأكثر ، الاقتتال الداخلي في الحزب اصبح أكثر شراسة، وتحوّل الولاءات وقيام التكتلات بات أكثر جدية وخطورة. ومن كان معارضا اصبح حليفا ومن كان حليفا يعود معارضا مرة أخرى. بعض قادة البلاشفة بدأوا يتعايشون بسلام مع النظام. ولكن تروتسكي لم يكن من بينهم : فتقلص دوره في اللجنة المركزية والحزب.
عن موقع جاكوبين