إن إحدى السمات المميزة لأفلام ريبيكا ميللر حتى الآن أنها مازحة، وأحياناً تخرق بشكل مقصود أعراف رواية القصة. بطلاتها يمررن عبر تجارب مألوفة، مثل بلوغ سن المراهقة، والوقوع في الحب، والانفصال، وملاحقة الطموحات الإبداعية بطرق غريبة، غير مباليات بقوانين ا
إن إحدى السمات المميزة لأفلام ريبيكا ميللر حتى الآن أنها مازحة، وأحياناً تخرق بشكل مقصود أعراف رواية القصة. بطلاتها يمررن عبر تجارب مألوفة، مثل بلوغ سن المراهقة، والوقوع في الحب، والانفصال، وملاحقة الطموحات الإبداعية بطرق غريبة، غير مباليات بقوانين الصنف بشكل عام.
في البدء يبدو فيلم "خطة ماجي"، الفيلم الخامس للسيدة ميللر، وكأنه يكسر هذا الطراز ويتلاعب ببعض هذه القوانين، وبالأخص تلك التي تحكم الكوميديا الرومانسية. تشبه ماجي نوعاً قابلاً للتمييز من الشخصية الهزلية الحديثة من نيويورك في عصر الألفية بطموحات غامضة، وعمل على هامش الحياة الثقافية والفكرية للمدينة. إنها شديدة الحساسية على نحو ساحر، أو إذا وضعناها بطريقة أخرى: إنها تؤدي الدور من قبل غريتا غرويغ.
أفضل أصدقائها زوجان مسليان يؤدي دورهما عضوان في فيلم سابق "ليلة السبت الحية" ( بيل هاردر ومايا رودلف). هي نفسها عزباء وخطتها أن تحصل على طفل ما أن تجد متبرعاً مناسباً يمنحها المني. وتستقر على "غاي" (ترافيس فيمل)، صديق ملتحٍ ذو عينين زرقاوين ثاقبتين يصنع المخللات في بروكلن.
بينما تتقدم ماجي نحو الأمومة – قبل أن تكون حاملة فعلاً. يحتال عمل ما على تقديمها إلى جون (إيثان هاوك)، وهو بروفسور بوقت جزئي يطلب من ماجي أن تقرأ الفصل الأول من روايته. يجب أن يكون ذلك تحذيراً- ألا يوجد في السيتي هول مكتب يوزع النشرات التحذيرية من الرجال أصحاب الروايات التي يجب افتراضاً قراءتها؟- لكن ماجي تقع في حبه رغم ذلك. وهو متزوج أيضاً.
يلاحظ جون بأن في كل علاقة فإن أحداً سيكون البستاني والآخر يكون الوردة. حياته العائلية، في الأقل حسب ما يخبر ماجي، مكرسة للميل نحو نزوات وعصابية زوجته جورجيت (جوليان مور)، وهي بروفسورة في جامعة كولومبيا تمتلك مهنة تحجب مهنته. وحالاً تتشكل حبكة ربما رأيتها في مكان سابق. مثقف متوسط العمر يتخلى عن امرأة عنيدة بارعة بعمره من أجل امرأة شابة مرنة وأقل تهديداً لذاته. مع ماجي، لدى جون الفرصة لكي يكون الوردة وهي سعيدة بقضاء وقتها في الحرث والإعجاب وأخيراً تعتني بابنة تدعى ليلي.
هل السيدة ميللر – وهي كاتبة نسوية بشكل صارم ومخرجة فيلمي "سرعة شخصية" و"الحيوات الشخصية لبيبا لي" – تصنع فيلماً لوودي آلن في آخر فترة؟ حسن. كلا. ما فعلته يدمّر بخلسة نموذجاً كلي الوجود. فهي تقلب فنتازيا الذَكَر القياسي رأساً على عقب . الفيلم رغم ذلك، لا يدور عن قيمة جون الذاتية، إنه عن خطة ماجي أي كوميديا جهودها للسيطرة واستباق المنطق الجامح لرغباتها ورغبات الآخرين .
ترتدي ماجي أحذية رخيصة وتنورات طويلة وأحياناً ترتاد تجمعات طائفة الكويكرز (الهزازين) وتستعمل كلمة "قادرة" لكي تصف نفسها. الناس الآخرون يقولون "مسيطر". حين تشكو إلى جون حول الطلبات المتزايدة لزمنها وصبرها يشير بأنها تعيش فقط مع عواقب اختياراتها الخاصة. في منتصف الفيلم تعتني بجون وليلي، وتتخذ واجب زوجة الأب مع جون وأطفال غريتا (مينا سندوول وجاكسون فريزر).
إن اختيارات السيدة ميللر من الصعب مناقشتها، فهي تدير الدفة برقة من خلال حبكة متعرجة بطيئة من أجل امتدادات هادئة متأملة ، وتتوقف من أجل نكات ليس لها علاقة لكنها لا يمكن مقاومتها. إنها تعقد توازناً دقيقاً بين الفارص (المحاكاة الساخرة) والساتير (الهجاء) والإخلاص العاطفي، وهي طريقة لمعاملة الناس كسخفاء دون رفض تقمصهم العاطفي. إنهم معيبون وعنيدون ومن السهل الضحك عليهم، لكن الهزء خال من السخط وينشأ من الحقيقة البسيطة بأنهم كلهم – جون وجورجيت بالأخص- يأخذون أنفسهم بشكل جدي .
تخصص جون في الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) إذ يشتركا في زمن مبكر بندوة في "أكيوباي وول ستريت" نظمها "والاس شاون" ويمكن أن يكون وثائقيا أيضاً. فيما بعد يخططان لحضور مؤتمر في كيوبك يغريهما الوعد بأن المفكر "تشيتشيك" سوف يحضرها.
إن تلك الإشارة؟؟ إلى النجم الأكاديمي السلوفيني سلافيو تشيتشيك، الذي ظهر عدّة مرات في عدّة أفلام لكنه (وهذا إنذار سالب) لم يظهر في هذا الفيلم. مع ذلك فإن اسمه لم يسقط بلا فائدة. مثلاً في كتابته عن أفلام هيتشكوك وروايات جين أوستن أثبت تشيتشيك بأنه محلل ذكي عن الطرق التي تصل بها الحبكات إلى أهدافها من خلال سوء التمييز والخطأ. الناس يحصلون على ما يفكرون بما يرغبون كي يكتشفوا ماذا يريدون حقاً. السيطرة وهمية. الرغبة منحرفة. العواقب لا يمكن التنبؤ بها إلى أن تحين اللحظة المحتومة.
أحياناً تبدو خطط السيدة ميللر مُعدّة باعتناء شديد. تستطيع أن تخمن المخطط بما وراء الكواليس، وتسمع أيضاً خربشة قلمها تحت أصوات الممثلين. على أنّ صوت السيدة مور يبرهن على سلاح الفيلم السرّي. جورجيت التي هي دنماركية تبدو طفلة ربتها غريتا غاربو وألمر فود الذي استمرّ على كسب درجة متقدمة من جامعة ألمانية. إنها زوبعة من الغضب والمعرفة الواسعة وهي تجعل كل فرد يبدو جباناً ومبتذلاً.