بعد حكم السلطات الإيرانية على المخرج محمد رسولوف بالسجن بنفس تهمة المخرج جعفر بناهي في عام 2010، هاهو يعود ليواجه عشاق السينما في (كان) بفوز فيلمه (رجل النزاهة ) بالجائزة الكبرى في مسابقة (نظرة ما) هو دراما مثيرة عن رجلٍ يرفض استخدام الرُشى كطريق للخروج من المشكلات. وبهذا الفيلم يعود رسولوف لممارسة النقد اللاذع للمجتمع الإيراني المعاصر، كما في افلامه السابقة.
ينتمي رسولوف إلى الجيل الأخير من السينمائيين الإيرانيين الذين يواصلون إدامة هذه النهضة الاستثنائية للسينما الإيرانية التي بدأت قبل ما يقرب من ثلاثة عقود على أيدي أسماء استطاعت أن تؤكد لهذه السينما حضوراً استثنائياً في المهرجانات السينمائية العالمية.وعلى عادة مخرجي الموجة الجديدة لهذه السينما ينشغل المخرج رسولوف على موضوع الفيلم، فكرته، وشحنها بالرموز التي تنهض به اعتماداً على لغة سينمائية متماسكة، لا تحتمل الزوائد والمشاهد غير المسوغة .. لغة تستنهض كل عناصر الصنعة الفيلمية بما يمنح الفيلم قيمته . رسولوف في السهول البيضاء يتمثل مقولة احد عباقرة السينما المخرج ورسن ويلز القائلة:”لا يكون الفيلم جيداً إلا حين تكون الكاميرا عيناً في رأس الشاعر ".. فهو يقدم بامتياز قصيدة بصرية أخاذة .. يتماهى من خلالها المشاهد مع غرابة الموضوع وتفرده .. وأيضاً مع التكوينات البصرية للمشاهد المصنوعة بحس فني عالٍ .. لا يفسد تعاقبها السريع على وفق ما يستدعيه إيقاع الفيلم، متعة التأمل التي تمنحها بالعادة اللوحة الفنية .. فضلاً عن حشد المجازات التي يزخر بها الفيلم والتي منحته جزءاً كبيراً من نجاحه. يستهل المخرج فيلمه بلقطة مقربة ليد تضع قارورة ولوازم أخرى في حقيبة صغيرة ثم يندفع بقارب باتجاه البحر لينفتح المشهد على جزيرة بيضاء ورجال ونساء متشحين بالسواد(اللونان الغالبان في الفيلم).. بحيرة ورومية المالحة، وجزرها الصغيرة التي يغطيها الملح، هي مقصد(رحمة) يؤدي دوره الممثل حسن شيرازي في رحلته اليوليسيسية، لجمع الدموع في قارورته الصغيرة ... كاشفاً عن أساطير وطقوس كابوسية تزخر بها الجزر التي تشملها رحلته، توحي وكأنها موضوعة الفيلم، لولا حيرة المشاهد من أمر مهمة (رحمة)، في جمع الدموع .. والتي مثل صورة صادمة في قصيدة ... تفاجئنا النتيجة في المشهد الأخير من فيلمه.ومنذ محطته الأولى في إحدى الجزر، حيث جثة امرأة مغطاة بالملح وفرصة النهل من دموع من يحيطون بها .. يبرز سؤال الدمع .. الفضول في كشف وجه الجثة التي يصطحبها في قاربه المتهرئ، ليفاجأ بوجه صبي يلجأ لمكيدة استبدال الجثة ليستقل القارب بحثاً عن مصير والده، ومن ثم رغبته في كشف سر هذه الدموع التي يحملها رحمة قارورته .. وبين الرحلة في جزر هذه البحيرة والأساطير والخرافات التي تمارس بها، نرحل مع عالم مملوء بالأسرار الحكايا .. حكايا ثيمتها الدموع .. دموع فنان يرى أن البحر ابيض اللون لا ازرق فيعاقب بدفنه في الملح حتى رأسه .. ودموع فتاة جميلة تزف إلى البحر في طقس تغلفه الحيرة.. ودموع من يحمل أماني وآهات ونذورا معه، إلى بئر عميقة لا يعرف قرارها .. ونحيب شيخ شبه عار يعيش ويقرأ الشعر على قمة صخرة صماء وسط لبحيرة .. وقبور للمارقين شواهدها قطع خشبية طافية على وجه الماء. إسقاطات واضحة ورموز، بمساحة قراءة واسعة يضمنها رسولوف في فيلمه هذا، مراهناً على وعي مشاهد ربما لا يجد صعوبة في فك طلاسمها.في المشهد الأخير من الفيلم يتصالح المخرج مع متابع موضوعة فيلمه .. مشهد تعمد رسولوف أن يكون مختلفاً في أجوائه، حيث تطغى فيه الألوان هذه المرة، لكنها ألوان باهتة لا توحي بالخلاص ، بقدر كشفها عن سر الدموع، حيث يفتح قارورته التي عبأها بدموع (ضحاياه) الحزانى واليائسين والباحثين عن الخلاص ليسكبها على قدمي شيخ مقعد .. وليفجر بها من جديد أسئلة من نوع آخر، أسئلة تتعلق بمصائر البشر.
رسولوف يظفر بـ(نظرة ما)
[post-views]
نشر في: 7 يونيو, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...