ما يهمّنا كعراقيين في الأزمة الناشبة في الخليج، التأكيد على والتذكير بالدور السلبي والمخرب الذي لعبته أطراف هذه الازمة في العراق بعد 2003. فالعراقييون اليوم يخوضون حرباً لحماية ذاكرتهم من التلاعب والمسخ الذي تقف وراءه أطراف داخلية وخارجية.
غير أنّ الإعلام السعودي والاماراتي لم يأت بجديد وهو يواصل، منذ أُسبوع، كشف الملفات المخفية عن تورط الدوحة في دعم القاعدة وداعش في العراق وسوريا، ودول المنطقة. فهذا أمر واضح بالنسبة للعراقيين الذين لا يبرِّئون، في الوقت ذاته، النظام السعودي من تلطّخه بدمائهم.
فإذا كانت قطر قد دعمت بعض الجماعات الإرهابية بالمال والإعلام، فإن السعودية كانت منطلقاً لفتاوى التكفير، وبؤرة لتفريخ الانتحاريين منذ أيام الجهاد الأفغاني الذي دشّنه برجنسكي بالتعاون مع ملوك آل سعود.
هذه حقائق أشار إليها نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، في كلمة له أمام طلبة هارفرد نهاية 2014، إذ وجّه اتهاما صريحا للسعودية والإمارات وقطر بدعم القاعدة وداعش وتأجيج حرب طائفية لمجرد الرغبة في الإطاحة بنظام الأسد.
وذهب الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما أبعد من ذلك، خلال لقائه الشهير مع صحيفة ذي اتلانتيك العام الماضي، عندما اتهم العائلة الحاكمة في السعودية ومؤسستها الدينية بنشر "مدارس الوهابية" في شرق آسيا خلال العقود الأخيرة.
وعلى مدى عقود، شاهدنا كم وكيف خرّجت هذه المدارس قطعاناً من الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم في شوارعنا ومدننا بحجة محاربة الأميركان، ثم إقامة دولة الخلافة المزعومة.
اليوم ومع انهزام المشروع الإرهابي في العراق وسوريا، تتضح دوافع الأزمة المشتعلة على ضفة الخليج الاخرى، التي تهدف الى "تعويم" الإرهاب، ومحو آثاره وإلقائها على عاتق الطرف الاضعف، وهو الدوحة حالياً.
فمرحلة هزيمة داعش وأخواتها، تفرض على دول الخليج الداعمة للجماعات الارهابية، أولاً توسيع مفهوم الارهاب ليشمل حزب الله وحماس، ولاحقا مجاميع في الحشد الشعبي، بما يتّسق مع الرؤية الأميركية. ثم التنصل من مسؤوليتها عن دعم النصرة وداعش وجيوش السلفية في سوريا والعراق وليبيا واليمن، ثم بعد ذلك تحميل أحد أطرافها المسؤولية كاملة.
ومن بين مشيخات الخليج، وقع الاختيار على إمارة الغاز، لأنها الأكثر مشاغبة، ولعباً على حبال التناقضات العربية والإقليمية وهذا ما يسهل الصاق التهمة بها، خلافاً للكويت وعُمان اللتين تمتلكان هامشاً من الحكمة والاستقلال في القرار.
قبل ذلك، فرض التدخل الروسي في سوريا على السعودية وقطر إعادة التموضع، والتمويه عن سطوة الذراع السوري للقاعدة، عبر محاولة تعويمه ضمن مظلة تشكيلات سلفية حملت اسم "جيش الفتح" بهدف إشراكها في محادثات السلام، وحجر مقعد لها في التسوية السياسية مع نظام الأسد.
انطلاقاً من هذه الحقائق، فلا السعودية بريئة من دمائنا، ولا قطر ضحية. لكن الاولى تريد التضحية بالثانية لتدشين مرحلة جديدة من الهيمنة على دول الخليج تمهّد لحرب مباشرة مع إيران وحلفائها، بعد أن فشلت حروب النيابة في تحقيق أهدافها.
لذلك فإن كل ما كُشف وما يتوقع ان يُكشف عنه من وثائق على هامش هذه الازمة، يجب ان يعزز ذاكراتنا حول من أسهم بكل هذا الخراب والموت، في مقابل من يحاول خلط الاوراق وتوجيه أصابع الاتهام الى جهات أخرى.
كما تفرض حفلة الفضائح هذه، على الحكومة العراقية مراجعة دبلوماسية "الدسكاونت" التي تنتهجها مع الدول الداعمة للإرهاب، وعدم التفريط مجاناً بموتنا المستمر منذ 14 عاماً.
الخليج وتعويم الإرهاب
[post-views]
نشر في: 7 يونيو, 2017: 09:01 م