TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > فن التنافس.. فـي صداقات الفنانين

فن التنافس.. فـي صداقات الفنانين

نشر في: 10 يونيو, 2017: 12:01 ص

يمضي الفنان الحقيقي في طريقه في نهاية الأمر لوحده، بصرف النظر عما يبديه المستشارون، والنقاد، والأصدقاء من آراء. وخاصةً أولئك الأصدقاء الذين هم فنانون أنفسهم، إذ أنهم وحتى من دون أن يعرفوا يمكن أن يكونوا منافسين لك أيضاً. وما ذاك أن الدافع التنافسي ال

يمضي الفنان الحقيقي في طريقه في نهاية الأمر لوحده، بصرف النظر عما يبديه المستشارون، والنقاد، والأصدقاء من آراء. وخاصةً أولئك الأصدقاء الذين هم فنانون أنفسهم، إذ أنهم وحتى من دون أن يعرفوا يمكن أن يكونوا منافسين لك أيضاً. وما ذاك أن الدافع التنافسي المرتبط بمشروع فني بهذا القدر هو دافع ضار بالضرورة.

فقد يكون شيئاً يثير ما يصفه سيباستيان سمي في كتابه الجديد، ( فن التنافس The Art of Rivalry)، بأنه " التوق لأن تكون فريداً، أصيلاً، فذّاً ". لكن من الصحيح أيضاً أن تتخذ الوضع الأساس حين يتصادم الطموح لدى الفنان مع واجب الصداقة، كما جاء في عرض أنثوني كوين للكتاب.
ويختار الكتاب أربعة أزواج من الفنانين الذين كانوا أيضاً متصاحبين، ويبحث في تيارات التأثير التي كانت تجري بين كل زوجٍ منها. فنجد لوسيان فرويد وفرانسيس بَيكون، وديغا ومانيه، وبيكاسو وماتيس، وجاكسون بولوك ووليم دي كونينغ، يقادون إلى الحلبة مثل ملاكمي التكسب، كلٌ عينه على الآخر في مباراة إنجاز تقام بعد رحيلهم عن الدنيا. وكون الفن في الغالب صناعةً غير قابلة للتنبؤ بها أو فك رموزها، فإن من غير الواضح أية استنتاجات يؤدي الكتاب إليها. فما يفعله المؤلف أساساً هو إعادة صياغة المادة المعروفة لنا ــ سيرة الحياة، تاريخ الفن، القيل والقال ــ عن طريق رؤيتها من خلال موشور الصداقة الحميمة. وربما كان الأكثر إمتاعاً من بين تلك الاقترانات هما بَيكون وفرويد، لأن التكافؤ بينهما يبدو متيناً وعميقاً جداً. وكان أول ملتقى لصداقتهما هو صورة عام 1952 التي رسمها فرويد لبيكون على صفيحة نحاس في سلسلة من الجلسات التي تقارب فيها الفنان وموضوعه حدَّ تلامس الرُّكَب. وقد تغلغلت الصورة الساحرة، التي لا تنسى، والحديثة كلياً، إلى لب طبيعة بيكون المتغيرة ذاتها، مانحةً وجهه بطريقةٍ ما " الشدّة الصامتة للقنبلة اليدوية في لحظة ما قبل تفجيرها "، على حد تعبير روبرت هيوز. وللأسف، سُرقت الصورة من جدار متحف ألماني عام  1988 ولم تُسترد لغاية الآن.
إن ما يجذب فنان إلى آخر في هذا السياق أكثر مما هو مسألة إعجاب مهني. إنها القوة المغناطيسية للشخصية. وقد قال فرويد مرةً عن بَيكون، " لقد أثّر عمله بي، لكن شخصيته أثارت مشاعري ". وقبل قرنٍ من ذلك، في باريس، كان حس مانيه بالاقتناع العاطفي سيلهم ديغا تنمية جرأة مماثلة في وجهة النظر. وفي الأيام المبكرة لصداقة بيكاسو وماتيس، كان بيكاسو، المغترب المرتاب، مندهشاً لرباطة جأش ماتيس واطمئنانه. أما دي كونينغ، الذي كان يدعو صديقه بولوك بـ " كاوبوي الرسم "، فإنه كان متأثراً بغرابة الرجل الأصغر سناً منه، وبحسه بالحرية، و" مرحه الشديد ".
والمؤلف موفق في فهمه هذه الصداقات على أنها سباق حصانين. فحين يبتهج الواحد لاتقلاب أو نوعٍ ما من التطور الخارق للعادة، تحس بالآخر يفكر كثيراً: كيف فعل ذلك؟  وما ذاك عن إعجاب معبَّر عنه من خلال أسنان تصرّ ــ فهناك كما يبدو حافز أصيل لاستيعاب مثال الآخر، ومن ثم تكييفه. فتحت تأثير بَيكون، نجد فرويد يبتعد عن الرسم لسنوات ليستكشف إمكانات الرسم بالطلاء paint. وسوف يمكّنه ذلك، في حينه، من أسلوبه " الناضج " ويقذف به إلى قبة الأساتذة العالميين. وكان ماتيس يعتبر بيكاسو " أخاً أصغر تقريباً "، ويقوم بتشجيعه، وتقديمه للعائلة وللأصدقاء. وحين عُرض على بيكاسو تحديد هدية له من ستوديو ماتيس، طلب صورةً لابنته مارغريت. وكان أمراً غريباً، إذ كان بيكاسو قد أعاد حديثاً ابنته المتبنّاة ذات الثلاثة عشر عاماً إلى دار الأيتام. واحتفظ بالصورة طوال حياته، ولم يمنعه ذلك مع هذا خلال إحدى الليالي ــ في حالة استياء من ماتيس ــ من قذف الصورة بعدد من سهام اللهو.
إن التأثير، كما نعرف، يخلق قلقاً. فبينما يكون هناك سرور لديك في الوقوع تحت تأثير سحر الآخر، يأتي الدافع الموازن لحماية هويتك الخاصة بك. إنه يستثير سلوكاً غريباً: إحدى القصص الشهيرة هنا عن صورة رسمها ديغا عام 1868 ــ 1869 لمانيه وزوجته، سوزان. وكانت، باعتبارها صورة زواج، تُظهر بدلاً من هذا غير ما كان يحب مانيه ــ فالزوجة منصرفة إلى العزف على البيانو، والزوج مستلقٍ على أريكة في حالة من التشاغل الضجِر، حالماً ربما بامرأة أخرى! وقد لاحظ ديغا بعد مدة حين زار ستوديو مانيه إن اللوحة تعرضت للإهانة وقد تمزق وجه سوزان فيها بضربة سكين. واتّضح أن الفاعل هو مانيه نفسه، لأسباب غير معروفة. وقد ظلّا صديقين، لكن ذلك ترك صدعاً في علاقتهما.
وفي الأشهر الأخيرة من حياة جاكسون بولوك، وقع في حب امرأة أصغر سنّاً منه، فنانة تدعى روث كليغمان. وكانت الناجية الوحيدة من حادث تصادم سيارة قُتل فيه بولوك وصديق آخر. وفي غضون عام، بدأ دي كونينغ، صديق الفنان الراحل ومنافسه، علاقة غرامية مع كليغمان، استمرت سبع سنوات ــ ومع هذا فحين كتبت كليغمان مذكراتها لاحقاً، كانت حول وقتها مع بولوك. وصمدت الصلة بين الصديقين: ففي عام 1963، انتقل دي كونينغ إلى بيت مقابل المقبرة التي دُفن فيها بولوك. وكانت حكايةً ملتوية بما فيه الكفاية لتكون فيلماً من أفلام هيتيشكوك.
 عن/ The guardian

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

البرلمان يعقد جلسته برئاسة المشهداني

الأمم المتحدة: غزة تضم أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف في العالم

هيئة الإعلام: إجراءاتنا تواجه فساد المتضررين

الهجرة تعلن بدء عودة العوائل اللبنانية وتقديم الدعم الشامل لها

اللجنة القانونية: القوانين الخلافية تعرقل الأداء التشريعي للبرلمان

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram