تآخت أعمال الفنّان التشكيلي (مطيع الجميلي) في مثمنات ذلك العرض الذي أقامته له (رئاسة جامعة الفلوجة) في أروقة قاعتها الكبرى مقتبل نيسان/ 2017 لتفتح أفقاً مُكمّلاً لمجمل خواص تجربته المتعانقة مع مُتمماتها اللاحقة في سوانح معرضه الشخصي الثالث عشر،
تآخت أعمال الفنّان التشكيلي (مطيع الجميلي) في مثمنات ذلك العرض الذي أقامته له (رئاسة جامعة الفلوجة) في أروقة قاعتها الكبرى مقتبل نيسان/ 2017 لتفتح أفقاً مُكمّلاً لمجمل خواص تجربته المتعانقة مع مُتمماتها اللاحقة في سوانح معرضه الشخصي الثالث عشر، عبر محصلات (ألبوم) تلك الانهماكات الحريصة على سَكّ مسكوكات بصريّة شاخصة في معمار التشكيل العراقي، بعد أن أضحت ملامح هذه التجربة راسخة واثقة وبعيدة- إلى حدٍ ما- عن عالم اليوم، حيث من المؤمل إقامة معرض جديد في (أبو ظبي) بعد أن تمّ تحديد الأول من شهر أيلول المقبل موعداً له ستشهده قاعة (اليونسكو)هناك.
جملة من دفقات حنين ونوازعَ فرحٍ اتخذ شكل المحنة ومسببّات كل سُبل العذابات التي عانتها مدينته (الفلوجة) وما تركت في نفوس أهليها وسدنتها وعشاقها الأزليون وخواطر محبيها، ولم تزل تقف بوهج كبرياء عنيد يوازِ قيمة المدينة في حفولها البطولي والتأريخي معاً.
أعمال تلتزم بزخ كُل نواحي الجَمال حين يحاذي رهافة الحرف، ويتغلغل في نسيج نسق الأسطورة وبراعة الوصف بسمات ملاحم مُجسّدة، موقعة بمهارات حزنٍ تعويضي رخيم، عزف(مطيع) على أوتاره هذا الأناشيد اللوّنية بتشاغف ولع احترافي في تمرير مثل هذه الخطابات المُوجعة ورهيف رفرفات أحلام تتهجّى أجمل رياح الشوق للنبع والرحم، وتزدري من ضيم وقهر عالم الأمس الذي تمرّت في مراياه مدينة الحبّ والمساجد (فلوجة) الهوى والبوح، صدى كل هذا الحضور الأثير في لوحات ومصبّات أنهار(مطيع) في خلجان هيام روحي وقدسي صدح يتناغم ليحيي جذوة ماضٍ عريق برع يتحلّى بإرث حاضر المدينة ليستشرف اندلاع أضواء مستقبلها باتجاه غدٍ سعيد.
حيويّة الدهشة وتوتراتها
يرى الروائي العالمي (ميلان كونديرا) في الدهشة على إنّها (توّتر حيوي)، ونرى فيها ضرورات تحفيزيّة لمسك وهجِ لحظاتٍ تفاعليّة لا يمكن لها أن تتكررّ بنفس نسق ذلك الصدق الذي تقادحت فيه أولى شراراتها وبرق ومض لمعانها، مع فائض قيمة التفكير في ضخ كمية الوعي ومحتوى المُخيلة التي ينتهل ُمنها الفنّان أو أي مبدع كان في مجال استنهاض دواخل عمق طاقته التعبيريّة وخواص فهمه للهدف الذي يرمي ويصبو من خلال جملة تقيّمات وتحديدات، سيجري تعديلها بالإضافة تارةً أو الحذف تارةً أخرى وصولاً لبهاء جوهر الموضوع وتبعات مجموعة المواقف التي تقف وراء هذا المسعى أو ذلك الغرض الإبداعي، وفق مقدرات ما ذهبت إليه عبارة المتصوّف (محيي الدين أبن عربي) القائلة؛(ما بين النيّة والقصد يُكمن الفعل).
ما من مسافة تفصل كل هذه اللحظات الحيويّة التي تقترحها مرتسمات (مطيع الجميلي) في لوازم ومكملات تجربته الممتدة إلى بدايات ثمانينيات القرن الفائت وحتى تعانقات أعمال معرضه الشخصي هذا في تجلّيات تجربة حريصة وواعية لمدركات الربط ما بين الماضي وما بين الحاضر عبر حوافل سَكّه وتطويعه لمسكوكات بصريّة شاخصة بأبعادها وملامحها أكثر من كونها مجرد لوحات لهيئات أعمال تتابعية مهرت تجربة (الجميلي) بهذه الفيوضات الروحيّة والقُدسيّة التي يُوسم بها أسمه شاخصاً ... بارزاً في تخوم خارطة التشكيل العراقي، حتى أضحى راسخاً، واثق الحضور ومُتفهماً لمديات الطموح الذي يبغيه في عالم الرسم الذي ينشد لأبعد من مألوفية ما هو سائد ومتداول ومحدود ، مع مواكبة الحفاظ على روح مقوّمات وواجبات الامتثال لهويّته المحليّة التي تتحلى بها جميع أعماله و مدارك تطلعاته.
أفراح ماضٍ.. أوجاع حاضر
جملة من دفقات حنين ونوازعَ فرحٍ تتخذ شكل المحنة ومسببّات كل سُبل العذابات التي عانت منها مدينته (الفلوجة)-غرب العراق من أهوال وتركات وما تركت الحرب على الإرهاب في نفوس محبيها وسدنتها وعشاقها الأزليون وخواطر محبيها، ولم تزل تقف بوهج كبرياء عنيد يوازِ قيمة المدينة ومآثرها البطوليّة ومواقفها التأريخيّة، التي حاول (مطيع) تطويع مهاراته وخوالد ميوله لمهابة الحرف العربي كعنصر دلالي وجمالي محكوم بعناصر الشدّ وتقنيات الحفر على سطوح لوحاته بالقدر الذي يجعل من أوجاع حاضره وسيول عذاباته جوانب تعويضيّة لها خصوصيات وعيه وطبيعة منهجه في نسج ما يشبه الأسطورة في سياقها التفصيلي حيث اللوحة الواحدة تكون قادرة على بث الرموز والمعاني والتحوّلات الجماليّة والفكريّة على حدٍ متكامل، فضلاً عن استيعاباتها المتدفقة للأشكال التي يتركها غائرة أو هكذا تائهة محلقة في سماء وسقوف لوحاته لتشكل منظومة أو سلسلة متحدّة من تنويعات بلاغيّة وتحليات من معزوفات لوّنية ذات ملامس لينة وأخرى منفذة بصلاحيّة بمعاجين تتقابل وتتفاعل عبر تقنيات تزيد من ملكات وآثار الحدث أو الصراع الدرامي الذي يحرص على خلقه الفنّان، من خلال دربة ونواحي تمّكن وثوابت ثقة واحتراز واعٍ لقيمة الفعل ومراميه التعبيريّة، وجوانبه الرمزيّة وتقريباته البيئية من حيث شواهق القباب وجمال الآهلة والأجواء القُدسيّة والصوفيّة ، وصولاً بها لذلك النفس الأسطوري الغابر الذي يثق بالماضي أكثر من وثوقه بالحاضر عبر مُتممات ما تطبعه فينا لوحات (الجميلي مطيع).
متواليات الحلم والحزن
تلتزم أعمال هذا المعرض بتحديات الرِهان على توريد حياة-الحلم (أن صحت التسميّة) كمعادل موضوعي لحياة-الحزن التي تتلّبس هيئات ودواخل هذه الانبثاقات الروحيّة وسمو العوالم المنفصلة والمتداخلة في ذات للحظات المتنامي والمتأسس -أصلاً- من حيث توضيحاتها المعنويّة لقيمة الحرف-كما أشرنا- ونواهل الرموز العربيّة والإسلاميّة كدوال وتعميمات غاية بصدقيّة الإنتماء والتوّحد مع الذات، حيث تتماهى موضوعات لوحات (مطيع) مع ضوابط ذلك الوثوب بما يجعل منها وحدة متماسكة مع خواصها، من حيث هي مواد خام (أكريلك/ أحبار/ معاجين/ ومواد مختلفة برعت تحاذي حزن ورهافة الحرف في معبر التوضيح والتوغل التام في نسيج و نسق الأسطورة وبراعة الوصف بسمات ملاحم مُجسّدة، موقعة بمهارات حزنٍ تعويضي رخيم، راح يعزف الفنان على أوتاره الموجعة أناشيده اللوّنية بروح الشغف والمتعة كجوانب تعويض وتفويض محاولات بث وحث وحرث في أراضي أفكاره وتحدياته الاحترافيّة في تثمين جميع خطاباته الجماليّة على منوال حرصه وصراحة تبنيه الدائم للتفاؤل والتلائم والاصطفاف النوعي لجدارة تقديم لوازم الحلم على حسابات دحر مسببّات الحزن و لواحق تداعياته بالشكل الذي يبث فيه الفرح ممزوجاً بعواطر (من عطر) الأمنيات وشحذها مصداتها وآفاقها وتوثيقها بمثابة دفاعات نفسيّة وفكريّة وجماليّة لها من سطو التأثير ومنافذ التحريض ما يجعلها تداني الحلم وتفوق عليه بإرادة الوعي وتفرّدات هواجس التعبير بالفن والأدب والموسيقى من حيث كونها سواند ومُثبّتات لقيمة التفاعل اليومي مع الحياة وفق ما تصبو إليه مقومات و آثار دوافع دور المثقف المجتمعي في ترسيم وتعميم ذلك.