في كتاب (مذكرات كامل الجادرجي وتاريخ الحزب الوطني الديمقراطي) الذي حرره وأعده للنشر الاستاذ نصير الجادرجي، حديث شيق لزعيم الحزب الوطني مع الروائي غائب طعمة فرمان عن شتى شؤون الثقافة والفكر السياسي، في نهاية تشرين الثاني 1949.كان كامل الجادرجي&n
في كتاب (مذكرات كامل الجادرجي وتاريخ الحزب الوطني الديمقراطي) الذي حرره وأعده للنشر الاستاذ نصير الجادرجي، حديث شيق لزعيم الحزب الوطني مع الروائي غائب طعمة فرمان عن شتى شؤون الثقافة والفكر السياسي، في نهاية تشرين الثاني 1949.
كان كامل الجادرجي قبل اسبوع من موعد هذا الحوار، أي في الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني49 قد وقف امام محكمة جزاء بغداد (ومعه العشرات من محامي الدفاع) ليصدر الحكم بحقه كمدير مسؤول لجريدة (الاهالي) التي نشرت مقالاً يوم 25 مايس49 تحت عنوان (المعارضة في المجلس النيابي) اعتبرته الحكومة ضاراً بالمجتمع وبالسياسة العامة للبلد.
محكمة الجزاء اعادت الحكم على الجادرجي بعد نقض الحكم السابق من قبل المحكمة الكبرى ليحكم برهان الدين الكيلاني، حاكم الجزاء على الجادرجي بالحبس البسيط لمدة اربعة اشهر مع وقف تنفيذ العقوبة، وقد كان هذا الحكم كفيلاً بتعطيل الجريدة التي أصدر الحزب الوطني الدمقراطي بديلاً لها تحت تسمية (صدى الاهالي) برئاسة تحرير الاستاذ عبد المجيد الونداوي.
ظل الجادرجي مشرفاً بشكل كامل على الجريدة الجديدة يعاونه الونداوي (وهو أديب معروف ايضاً) والسياسي قاسم حسن وأركان الحزب الآخرين.
في (مذكرات الجادرجي) التي اصدرتها دار الطليعة ببيروت بتحرير نصير الجادرجي عام 1970 ، ورد في الصفحة371-372 من المذكرات وبلسان الجادرجي في مذكراته عن يوم 24 تشرين الثاني 1949 أنه قابل (غائب طعمة فرمان) في مركز الحزب، وكانت هذه المقابلة تتعلق بسفر فرمان غداً الى القاهرة
ماذا كتب الجادرجي ؟
كتب كامل الجادرجي عما تم في هذه المقابلة قائلاً :
(قابلني اليوم في مركز الحزب غائب طعمة فرمان بمناسبة سفره غداً الى القاهرة وهو تلميذ في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول في القاهرة (جامعة القاهرة بعد ذلك-المحرر) وهو في الوقت نفسه مراسل جريدة النداء المصرية، وقد رأت إدارة الجريدة (صوت الأهالي) أن تجعله مراسلها في القاهرة فوافقت على ذلك وزوّدته بوثيقة تخوله حق المراسلة معنا ، لقد كتب هذا الشاب مقالاً في العدد الأدبي الماضي من الجريدة عن الشخصيات الأدبية في مصر، وقد أعجبت بالأسلوب والأراء وغير أني ناقشته فيما كتبه بشأن الكاتب المصري المعروف سلامة موسى، فقلت له أني ايضاً من المعجبين كل الاعجاب بهذا الكاتب لتقدميته ولتحرره).
وهنا يناقش الجادرجي امام غائب رفض سلامة موسى لكل الشرق وفلسفاته وبل هو يرتعب منه ويرى الجادرجي سبب انصراف موسى عن الشرق بسبب الاضطهاد الذي تتعرض لها الطائفة القبطية الذي هو منها.ويرى الجادرجي أن المثقف ينبغي عليه ألا يفصل الماضي عن الحاضر (فالماضي والحاضر والمستقبل يكون وحدة متماسكة (وأننا اذا اردنا أن نبني مستقبلاً قوياً يجب أن نلتفت الى الماضي دائماً وألا نهمل الحاضر).
وقال الجادرجي لفرمان إنه يرى الا نبالغ في تقديس سلامة موسى، وأن نعطيه حقه كمثقف، وانه سيوجه ادارة الجريدة ألا تفرط بالاقتباس من آراء موسى، واضاف:
أن تقديس سلامة موسى متأتٍ من عدم الإطلاع بصورة واسعة على المدرسة الفابية التي نشات في انكلترا.
ووافق غائب فرمان على آراء الجادرجي بشأن موسى والمدرسة الفابية والتي اشار اليها الجادرجي في هذا اللقاء، وهما يتذكران محللين آراء أساتذتها الذين يتجسدون في اج .جي .ويلز وبرناردشو وسدني ويب .
وطلب الجادرجي في ذلك اللقاء أن يقوم غائب بمقابلة الأدباء المجددين في مصر (الذين لا نعرف الكثير عن أساليبهم ومسالكهم في الأدب المصري ) ورجاه أن يقابل طه حسين ويأخذ منه بعض الأحاديث الأدبية الشيّقة.
قال الجادرجي لغائب في ختام اللقاء 🙁 اني أعتبر طه حسين أديباً فذاً ليس له نظير في جميع البلاد العربية فوافق على ذلك كل الموافقة).
الفابية وفرمان والجادرجي
ومما يذكر هنا أن طموح الجادرجي هو استمرار الحزب الوطني الديمقراطي اتباع منهج الاشتراكية الفابية التي اعتمدت التغيير التدريجي للبناء الاشتراكي دون هزات اجتماعية شديدة، وأن قيام (الفابية) في انكلترا منذ عام 1889 واصدار سدني ويب وشو كتاب (الفابية) وما تلاه، ادى الى استمرار الحركة كعنصر سياسي واجتماعي ضاغط ولد من رحمه حزب العمال البريطاني والذي انتزع السلطة بالانتخابات الدستورية السلمية عام 1945 من حزبي المحافظين والاحرار.
لم يكن فرمان مؤيداً لكل افكار الجادرجي حتى بعد عودته الى بغداد، وقد تخرج في جامعة فؤاد الاول بالقاهرة وعمل محرراً في صحيفة (الاهالي) مع عبد المجيد الونداوي وحسين مردان، وهما من أبطال روايته (خمسة أصوات) بل كان مثقفاً يسارياً منحازاً الى الاشتراكية العلمية كما سيتضح من ايام حياته التالية .
ولاشك أن رأي الاستاذ الجادرجي في المساحة الفكرية لسلامة موسى التي بناها على قبطيته فقط تستحق النقاش فقد كان الرجل مثقفاً عصرياً لايقترب من العقيدة الدينية بل من الثقافة كتجربة حياة على الانسان أن يخوض غمارها بتجرد.
أما عن أعجاب الجادرجي بطه حسين، فهو امر يشاركه كثيرون من رجال عصره ،فلطه حسين تجربته الثقافية الكبيرة التي اثرت في أجيال الأدب والثقافة في مصر وسواها.