لا أعرف بالضبط من قال : المدن كالنساء. ولا يمكنني تصور المقولة خارج معايير الجمال، مستعيناً بالمقولة المأثورة: كل النساء جميلات. لكنني، وحين تستجد حاجة للتجوال في المدينة، فأني أفضل معاينتها في الليل، فمدننا كريهة في النهار، وفي الصيف خاصة، فالشمس لا ترحم والتراب زميل التجوال والناس مقطبون عابسون، هاربون الى الظلال الشحيحة، أما أصوات الباعة وعبر مكبرات الصوت، فهي الأكثر كراهية، الاقبح في كل شيء، ومن يدخل سوقاً لشراء حاجة ما سيلعن الساعة التي بلغت به المكان هذا. أسأل: أما كان مهندسو المدن عندنا يعون حاجة مدننا الى التشجير والظلال والنافورات وتجنب جهنم الله التي تنفتح علينا ؟
كلنا شاهد ماكنة السقي التي كانت على الكورنيش، في البصرة، التي كانت تسحب الماء من شط العرب وتسقي الحدائق والجزرات الوسطية، في شارعي الجاحظ و14 تموزوشاهد كيف يدخل ماؤها بيوت العشار والضواحي القريبة منه، وكلنا يتذكر حديقة الأمة وحجم المساحات الخضر داخل وخارج المدينة، كلنا يتذكر حدائق النوادي الاجتماعية وحدائق البيوت وحدائق الدوائر والمدارس، بما يمكننا القول إن مركز وضواحي داخل البصرة كلها كانت خضراء بحق، ولا نريد أن نقول بانَّ المدينة كانت مسوّرة بغابة نخل لا حدود لها ومن جهاتها الثلاث، إلا ما انتفح منها على صحراء الزبير. يا ترى، ما الذي يحدث؟ ولماذا لا تزرع البلدية الاشجارَ التي تعلو وترتفع لتغطي ولو بنسبة ما شوارع المدينة الملتهبة؟
لا نريد أن نذكركم بشارع ولي عصر في طهران وشوارع مشهد والمدن الايرانية الأخرى، مع اننا يقينا بانكم الغادون والرائحون الى هناك، إلا اننا نحيلكم الى شوارع وطرقات وأزقة القرى والنواحي التابعة لمدينة الاهواز، فهي الأقرب جغرافيا الينا، لماذا لا تتوئمون البصرة معها،أنتم يامن توأمتمونها مع هيوستن وشنغهاي وهامبورغ!!! ببساطة جداً، مدننا كريهة في النهار، ذلك لأنكم فاشلون في التخطيط، ومعدمو الضمائر، منذ خمسة عشر عاما وأنتم تسرقون، وانتم تقطعون النخل وتردمون الأنهار والمدينة تتكشف وتخلع أثوابها عارية امام بوابات جهنم التي تنفتح علينا ثمانية أشهر في السنة. نقول لكم: هناك، أشجار اسمها اليوكالبتوس واخرى اسمها الحور والعفص ومثلها التي كانت يوما على كورنيش شط العرب، هي اشجار تعمر وترتفع حتى تطول السماء وهي دائمة الخضرة. أنقذونا بها.
علينا تصور مدينة ترتفع درجات الحرارة فيها لتصل الـ 60مئوية، وهي محاطة بالمئات من آبار النفط، التي تستعر ليل نهار، وقد جفت المساحات المائية التي كانت تحيط بها، ثم جرّفت ملايين النخيل التي كانت تسوّرها. المدينة التي يقارب عدد السيارات فيها تعداد نفوسها، أليس من سبيل الى معالجة شوارعها وتقليل حرارة الشمس فيها. فالإماراتيون يتحدثون ويدافعون عن جدوى نقل جبل الجليد من القطب الى بحرها، والحكومات في اوروبا شرعت منذ سنوات بالبناء الاخضر، وهو تشجير العمارت وناطحات السحاب، مع غزارة ما يسقط هناك من مطر، مع الخناثة التي تبديها الشمس عندهم، شمسنا ثور هائج، وهي فحل نار لا يرحم. أنقذونا مدينتكم يا حكام الصدف ويا زلّات الأزمنة ويا سقط متاع السياسة.
من ينقذ البصرة من الشمس؟
[post-views]
نشر في: 10 يونيو, 2017: 09:01 م
جميع التعليقات 1
أبو أثير
البصرة ياعزيزي البصراوي الكريم ... قد سلبت من أهلها البصاروة النشامى وأخذ من يسير أمورها أشخاص لم يلدوا ولم يعيشوا في هذا الثغر الجميل من العراق ... حيث كانت البصرة تفرح بقدوم المتزوجين الجدد وتستقبلهم في مدنها وحاراتها وفنادقها وأسواقها ... وكان العراقي