مثل أي فلاح انتظر ثمره حتى ينضج ... ولكن في لحظة واحدة لم تكن متوقعة تبخر الحلم ... فضاع كل شيء ... كل شيء كان يؤكد له ان ولديه سيعوضانه عن سنوات التعب والشقاء ... اهتمامهما بالدراسة والتفوق وحرصهما ان يساعدا والدهما... وكان ذلك اليوم الذي جلسا
مثل أي فلاح انتظر ثمره حتى ينضج ... ولكن في لحظة واحدة لم تكن متوقعة تبخر الحلم ... فضاع كل شيء ... كل شيء كان يؤكد له ان ولديه سيعوضانه عن سنوات التعب والشقاء ... اهتمامهما بالدراسة والتفوق وحرصهما ان يساعدا والدهما... وكان ذلك اليوم الذي جلسا فيه بجانبه يطلبان منه ان يسمح لهما بمساعدته في البستان الذي يملكه.. لم يطلب منهما يوما ان يفعلا ذلك ... ولكنهما لم يتحملا ان يشاهدا والدهما يكافح وحده في ارضه وبستانه من اجل لقمة العيش فقررا مساعدته ... وبكل فخر بدأ يتحدث مع اصدقائه في المقهى الصغير الكائن في بعقوبة... عن أخلاق ولديه واصرارهما على مساعدته رغم دراستهما ... حتى في العطلة الصيفية لم يفكرا في أخذ راحة واللعب مع اصدقائهم كرة القدم المنتشرة في القرية والقرى المجاورة كما يفعل كل الصبيان في سنهما ... استمرا بالعمل في البستان بكل همة ونشاط ... وبدلاً من الاستمتاع بايام العطلة .. طلبوا من والدهما ان يترك لهما العمل في البستان حيث يقوما بتنظيف النخيل والسواقي من الادغال والحشائش الطويلة ... وبالفعل بدأ الاب يعتمد عليهما في كل شيء .. وبمرور كل لحظة كان الاحساس بالفخر لانه انجب رجلين بمعنى الكلمة رغم ان عمرهما لم يتجاوز الـ 12 و 13 عاما ... كان هناك دائما بريق غريب في عينيه كما لو كانت مواقفهما وتصرفاتهما تنير عينيه .. لتؤكد لهما انه يقدر كل تصرفاتهما ... ولكن فجأة فقد الاب كل شيء ...فقد بريق عينيه الى الابد ... داخل السواقي المظللة بالحشائش والدغل عندما توجه الاب اليهم ليطمئن على سير العمل ... بدأ ينادي عليهما إلا ان احدا لم يرد عليه ... بدأ يشعر بالقلق ، فقد كان متأكدا انهما لم يتركا البستان مهما كان السبب لذلك بحث عنهما حتى عثر عليهما ... وما ان وجدهما امامه حتى سقط على الارض فاقدا الوعي ... وجد الاب ابناءه جثتين هامدتين .. لم يعرف كيف ماتا او ماذا حدث ، فهو لم يحتمل المفاجأة وسقط مغشيا عليه حتى عثر عليه احد الفلاحين الذي يعمل في البستان بجانب جثة ولديه ... وقام بافاقته قبل ان يتوجها الى مركز الشرطة ويبلغا بوفاة الصبيين ... انتقلت الشرطة على الفور الى البستان... وعثرت على الجثتين الواحدة بجانب الاخرى ... وفي محاولة منها لكشف غموض الوفاة ... لم تعثر الشرطة على أي اثار لشجار او طعنات او اطلاقات نارية ... ولم يكن هناك أي سبب واضح لموتهما ... مما ضاعف من جنون الاب وحيرته .. وفي اللحظة التي كان الاهالي يساعدون الشرطة في تشخيص شخصية الجاني لم يكن الاب يفكر سوى في شيء واحد ... في نور عينيه الذي فقده ... أحلامه في ولديه والمستقبل الذي كان ينتظرهما ... لم يكن للاب او عشيرته أي عداوة او خلاف مع احد مما ضاعف من حيرة رجال الشرطة عندما لم يكتشفوا القاتل او الوسيلة التي ارتكبت بها الجريمة ... حتى تمكن طبيب الطب العدلي من التعرف على الجاني بعدما شرح الجثتين .. فالقاتل لم يكن سوى ثعبان سام كان يعيش منذ فترة في الادغال... يبدو انه تسلل دون ان يشعر به الصبيان ولدغهما ليموتا في الحال دون ان يتمكنا من الاستغاثة او طلب المساعدة من أحد ... قام الطبيب بعد تشريح الجثة باعداد تقرير بما اكتشفه اطلع عليه الاب وضابط التحقيق الذي امر بعدها قاضي التحقيق بدفن الجثتين بعدما تأكد من عدم وجود شبهة جنائية او فاعل هارب ... ولكن بقي الاب طيلة ايام العزاء لم يصدق ما حدث ... وكيف لدغ الثعبان طفليه معا !.