TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العراقي تطرده بلاده

العراقي تطرده بلاده

نشر في: 13 يونيو, 2017: 09:01 م

    تحملنا السماوات فنذهب، وتفتح المطارات أذرعها لنا فنهبط، تقترب الفنادق وتصيح بنا الاسرة.. فننام.. أهنَّ النساء؟ أهي الكؤوس؟  من يغرينا بمن ؟ السفر في العراق اليوم  حكاية عراقية بامتياز، والحقائب صغيرة والله، إذ ماذا ينقل العراقي من بلاده الخاوية الى العالم ؟ ماذا سيحمل من رثاثتها وغبارها وأطيانها ؟ لكنه يعود محملاً. البلدان التي يزورها كلها غنية، باذخة، فيها من الثروات ما لا تستوعبه أكفُّهُ وحقائبه، لكنْ هل يعود العراقي المسافر بالمال من هناك؟ وما غنيمته أبداً، فقد ظل يرضى مكرها بإيابه  من الغنيمة. وماذا يريد أكثر من أن يغمر جسده بالنساء ويطيل ساعاته بالليل ويعاقب بلاهته بالسهر. كل بلاد الله تريده وتدعوه وتفتح أذرعها له إلا بلاده، فهي الوحيدة
التي تطرده.
  النساء والبحر والسهر والنبيذ والليل في بيروت، وفي بيروت جبيل ومتحف الشمع وغابة الباروك وصيدا وبيبلوس وملهى الاوتار. وفي إسطنبول البحر والنساء والليل وشارع استكلال والسمك المقلي والسحبُ الماطرة ورداً وأغنيات، وفي طهران، عاصمة خصومه المتدينين، هناك النساء والجلو كباب والترياق والجبل المغطى بالزهر وبالالوان، وفيها جالوس والساحل الأجمل على بحر قزوين وقصر الشاهنشاه، حيث يتجول. ويجد مثل ذلك وأكثر، في أوكرانيا وجورجيا وآذربايجان وماليزيا وتايوان وبيلوروسيا، مثل ذلك في غرب وشرق كرة  الله الواسعة.. لكنه سيظل يدور ويبحث في الخرائط عن أجملها نساءً وألذِّها أشربة وطعوما وألطفها بحارا وسحائب. لذا سيطوي العراقي الكرة بعد الكرة ، ولن يهدأ، لن يخلد الى حجارة ترضيه! أريضيكم هذا؟
  لم يعد الرغيف في العراق حلماً مثلما كان في السنوات الأخيرة، من حكم صدام حسين، لكنه صار يداف بالدم والقهر والنذالة، ولم يعد بناء بيت في العراق مطلبا عاماً، فالناس تبني من السمنت وعلى الارصفة وفي الخرائب وعلى جثث النخل المحترقة في البصرة وبغداد وكربلاء بيوتاً، هي مهاجع، حسب، وليست نهائية فللعراقي عين على الخارج وأخرى تترصد وتتحين، حيث لا هناءة ولا طعم في المساكن مهما علت وتطرمحت وزُينت، صار يركب السيارات الفارهة، وما كان منها فارها ووثيرا وحلما ذات يوم، أصبحت رطبة لينة تحت عجيزة ابن القرية والهور وعامل البناء وبائع الجواميس، كل شيء في العراق بات يسيراً، ساكناً إلا الطمأنينة فهي الوحيدة التي لم تتخذ
مسكناً.
  يدخر العراقي أيام إجازاته في الوظيفة دنانير، يبيع ما يمكنه استعادته ثانية ويستدين، يترك العاشوراء عند أهله ويقطّع الرمضانات أسفاراً، ويهرب من صيفه الى شتاء الآخرين، هذا دأب غير القادرين منهم على البقاء أسارى الضجر والقهر والذل، شيمة الذين لم يجدوا بين جوانحهم مأوىً لطلائع أجسادهم، لم يجدوا لقلوبهم فرصة لرفقة امرأة شقراء، الذين سدت اليافطات السود زرقة سماء أرواحهم، الذين هزلت أقدامهم تبحث عن قطعة عشب تسحقها، الذين ظلوا يمسكون بكسف السماء اللاهبة وهي تسقط تباعاً على رؤوسهم، الذين ما عادت ابنة الجيران تظهر في أحلامهم فقد اختفت خلف سياج بيت أبيها، هذا الذي ظل يراكم الطابوق عليه حتى لم يعد بيتاً. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram