تتلخص تجربة رائد التجريديين العراقي الراحل عبد الرحيم الوكيل، من خلال ممارسته الفنية وتأثره بمدارس الفنون الحديثة، التي تركت بصماتها الواضحة عليه وشق طريقه الناجح في عالم النحت الحديث، فاستخدم أسلوباً خاصاً به يتميز بالحرفية والجمال والسهولة مما يسمح
تتلخص تجربة رائد التجريديين العراقي الراحل عبد الرحيم الوكيل، من خلال ممارسته الفنية وتأثره بمدارس الفنون الحديثة، التي تركت بصماتها الواضحة عليه وشق طريقه الناجح في عالم النحت الحديث، فاستخدم أسلوباً خاصاً به يتميز بالحرفية والجمال والسهولة مما يسمح لأيّ متلقٍ أن يميّز أعماله ويتعرف عليها، تعامل مع التجريد بمعايير متزنة وبدون إفراط في إبراز الشكل المنحوت، فاتخذ أسلوباً وسطياً في المحاكاة بين النحت الكلاسيكي والتجريد ومداعباً بأدواته النحتية إلى المدارس الحديثة، أي التفنن في تكتيك الشكل بما ينوّع في التعبير عن الفكرة، منحوتاته تأتي بين القالب السريالي والتجريد غير المبالغ فيه.
كما يتجه الوكيل إلى أسلوب مخاطبة عين المتلقي وقلبه وعقله، هذا الطرح حقّق له نجاحاً لأن المشاهد لأعماله لا يجد أيّ صعوبة في الانسجام مع الشكل المنحوت، فقد ركّز على إعطاء الشكل قيمة جمالية من حيث التنسيق المتقن في الأبعاد للكتلة، فقدم طرحاً فلسفياً في الفن، وهو ما استجد في تجريده إضافة إلى كون أعماله تقدم مضامين فلسفية شديدة الرقي والوضوح وسهلة الاستيعاب، تعتمد أعماله على الأداء للأشكال المجردة التي تنأى عن مشابهة المشخصات والمرئيات في صورتها الطبيعية والواقعية، والتي تتميز بقدرة الفنان على رسم الشكل الذي يتخيله سواء من الواقع أو الخيال عبر شكل جديد تماماً، قد يشابه أو لا يشابه مع الأصلي وخاصة من خلال التركيز على الأبعاد الهندسية، الذي يعد رائد التجريديين فهو خير من جسد هذا المفهوم في الفن، فاعتمدت رؤية الفنان إلى الأشكال الطبيعة من زاوية هندسية بحتة، حيث تتحول المناظر إلى مجرد مثلثات ومربعات ودوائر، أي مجرد قطع إيقاعية مترابطة ليست لها دلائل بصرية مباشرة، وإن كانت تحمل في طياتها شيئاً من خلاصة التجربة التشكيلية التي مر بها الفنان. فالوكيل بحث عن المذهب التجريدي في النحت وسعى إلى تقديم جوهر الأشياء والتعبير عنها عبر أشكال موجزة تحمل في داخلها خبرته الفنية وما يحمله وجدانه التجريدي، وقدم من خلال أعماله الفنية الجسم الكروي بعدد كبير من الأشكال وأعمال أخرى تعتمد على ذهن وخبرة الفنان وبما توحي رؤيته لهذه الأشكال ،فالشكل الواحد عند الوكيل قد يوحي بمعانٍ متعددة، حيث لم يهتم عبد الرحيم بالتجريدية ذات الأشكال الساكنة فقط، بل الأشكال المتحركة خاصة ما تحدثه بتأثير الضوء، كما في ظلال أوراق الأشجار التي يبعثها ضوء الشمس الموجّه عليها، حيث أظهر من خلال أعماله الظلال بمساحات متكررة تحصر فراغات ضوئية فاتحة، ولا تبدو الأوراق بشكلها الطبيعي عندما تكون ظلالاً، بل بشكل تجريدي، وقد نجح الفنان في بث الروح في مربعاته ومستطيلاته ودوائره وخطوطه المستقيمة أو المنحنية لدرجة التي تظن أنها فعلاً تتحرك، فعبر تكتيك فني متقن باستخدام المساحات القصيرة والطويلة وبإعطائها ألواناً معينة وترتيبها وفق أطر معينة.مفهوم التجريد لديه عرض أشكاله الطبيعة في شكل جديد بهدف الحصول على نتائج فنية عن طريق الشكل والخط واللون، وسواء كان تقديمه للتجريد هندسياً شاملاً أو جزئياً بتبسيط الأقواس والمنحنيات، أو تجريداً كاملاً أو نصف تجريد، فإنه يعطى الإيحاء بمضمون (الفكرة) التي يقوم عليها العمل الفني بدون إغفال القيمة.
أن أعمال عبد الرحيم غيّرت في الكثير من جوانب مفهوم النحت، فتمكن من خلق أبعاد جديدة، فتحت الدرب للكثير من طلابه الجدد وثقتهم بإنتاج أعمال جريئة متنوعة لم يكن بالإمكان نحتها في السابق بسبب صرامة قواعد النحت الكلاسيكي التي كانت متعارف عليها وهو من ساهم في نجاح أسلوبه وفنه وأدى إلى تطور فن النحت التجريدي ومواكبته لمسيرته نحو التجديد والإبداع، فكان يدرس الأبعاد الهندسية للمكان وزوايا الرؤية من جميع الاتجاهات قبل أن يصمّم نحته محدداً المكان الذي سينصب نحته، فأكد من خلال ذلك أن النحت القائم في الأماكن المفتوحة تتطلب الدراسة بشكل دقيق، ومن هنا فإنه يستخدم الفجوات والفتحات ليؤكد صفة (الأبعاد الثلاثة) فيها، وهذه الفتحات تخلق احساساً بالكتلة أو الحجم، فبذا ربط بين الفتحات والتحدب والأقواس التي تضفي سحراً وجمالاً لها.
الوكيل أمسك بين الأشكال الهندسية البكر ونصوصه وقدم العلاقة التي ستبقى حوارية بين الجسد وفن النحت، كما سمح للمكان أن يكون أكثر من علاقة فقد شارك النحات الوجود بذاته.
وجاءت أعمال عبد الرحيم الوكيل الأخيرة بأشكال أكثر تجريداً يتخللها فراغات مباشرة عبر الجسد، مما يعني أنه كان يستخدم الأشكال المقعرة والمحدبة في صميم العمل ذاته، وقد استخدم طريقة النحت المباشر في أعماله الأولى، وعمل بتقنية صب البرونز مع النماذج المصنوعة من الطمي والجبس، وكما مال بآخر حياته الى التكبير في أحجام منحوتاته.
تبرع المرحوم الفنان عبد الرحيم الوكيل بأعماله الفنية ومقتنياته الشخصية للعراق، إذ إن عددها يزيد عن مئة تمثال منفذ بمواد المرمر، الحجر، البرونز، الخشب، واغلب هذه الأعمال لم تعرض في المعارض الوطنية داخل العراق، وبعضها يفوق طولها المتر، وهي تعد ثروة كبيرة لا تقدر بثمن. وهذه الأعمال والمقتنيات محفوظة في محترفه الفني في منطقة البلديات في بغداد
ولوحات أخرى للفنانين، سعد الطائي، علي الشعلان، علاء بشير وجواد سليم وغيرهم، وتم الاتفاق في استقرار أعماله بمسقط رأسه، فأودعت المتحف الفني المعاصر في بابل، ويغطي تاريخ تنفيذها مرحلة تمتد إلى نحو أربعة عقود من القرن الماضي، وفضلاً عن منحوتاته الشخصية، تبرع الوكيل أيضاً، ببعض مقتنياته الشخصية من أعمال فنانين عراقيين مثل جواد سليم، محمد علي شاكر، علاء حسين بشير وغيرهم.