أشعر بسعادة كبيرة عند مشاهدتي بورتريت رُسِمَ بشكل جميل ومؤثر، اعشق رسم البورتريت بكل أنواعه وابحث دائماً عن أيقونات هذا الفن الجميل، وأحاول ان اكتشف أسرار التقنيات التي وضعها الرسامون هنا وهناك بين ثنايا هذه البورتريهات المنتشرة حول العالم. ورغم أن رؤية بورتريت واحد، ربما يبدو كافياً لخلق هذا الانسجام وهذه المتعة، فها أنا اجد نفسي في مكان يضمّ ألف بورتريت، رُسِمَتْ خلال قرون من الزمن! مكان واحد يضم بين جدرانه هذا العدد من البورتريهات التي رسمت بطرق عظيمة ومدهشة رغم اختلاف الزمن والأساليب والمعالجات.
هكذا كانت زيارتي لمتحف البورتريت في لندن، وبهذا الشكل كان وقعها عليَّ. وهل هناك فرصة اجمل لي كرسام من أن أجوب بين هذه التقنيات، أتَفَحَصُ العيون وأتحسس طيات الملابس؟ وهل هناك أكثر متعة من أن أنشغل بهذه الالتفاتات واستجيب لتلك النظرات؟ وأن أُحَيّي هذه الأنوثة الطاغية في جانب، وأتَسَمَّرُ في جانب آخر امام لون وجه رسم بعناية قلَّ مثيلها؟ لكن السؤال الدائم في مثل هذه الأماكن المدهشة هو: من أين سأبدأ وكيف سيتسع الوقت لرؤية كل هذه الكنوز؟ وهنا كان عليّ أن اعتمد على القاعدة الذهبية في التعامل مع المتاحف العظيمة كهذا المتحف، وهي أن اختار الأقسام واللوحات والفترات التي تقترب من ذائقتي الفنية، لأنني بكل الأحوال سوف لن أستطيع التركيز بشكل جيد على ألف بورتريت خلال بضع ساعات.
يضم المتحف الذي بني سنة ١٨٥٦ بورتريهات للرسم والكرافيك والنحت والمصغرات وحتى الفوتغراف، لشخصيات عاشت في بريطانيا من بداية القرن الرابع عشر الى يومنا الحالي، وقد ضَمَّت الشخصيات المرسومة، شعراء وموسيقيون ورسامون وفلاسفة وسياسيون وغيرهم الكثير. ابدأ ببورتريت الملكة إليزابيث الاولى الذي يعود الى رسّام غير معروف الاسم، رسمه بمناسبة تتويجها سنة ١٥٥٩ بوجهها الأبيض الشاحب (كانت نساء الطبقة الحاكمة يطلين وجوههن بطلاء ابيض دليلاً على الوجاهة والرقي) وبيدها صولجان ذهبي، وقد انسَدَلَتْ على كتفها بزتها الرسمية كملكة، مع قلادة حمراء بأحجار كبيرة، لتظهر بعد ذلك بورتريهات اخرى لها تمثل بعض مراحل حياتها بثياب مختلفة الأشكال والالوان والزخارف. اتابع مجموعة من اللوحات ليظهر بورتريت الكاتب والشاعر وليم شكسبير، وهو البورتريت الوحيد من ضمن المجموعة التي يضمها المتحف الذي رسم لشكسبير اثناء حياته. اتطلع الى مجموعة مدهشة اخرى من البورتريهات ليفاجئني تشارلس داروين بلحيته البيضاء الطويلة ونظراته الساهمة، واقفاً يمسك طرف قبعته المتدلية في بورتريت عظيم رسمه الفنان جون كولير سنة ١٨٨١. اتابع رؤية اللوحات التي تشير الى ملوك وملكات وأباطرة وكتاب ونساء جميلات وصبيان في مقتبل العمر، أسير بقرب كل هذا الجمال واسترجع الزمن الذي عاش فيه هؤلاء، وأفكر بالرسامين الافذاذ الذين جمعوهم لنا على قماشات الرسم، لنطلع على جانب كبير من تاريخ هذه البلاد وثقافتها وتقاليدها وروحها التي عاشت منذ قرون بعيدة. ما اعظم الرسم وهو يقدم لنا حياة كاملة، بهذا الشكل الفريد. أسير بين القاعات ليقابلني بورتريت ياكوب روتشيلد الذي رسمه لوسيان فرويد، وجه حزين زادته كآبة تلك العجائن الملونة التي وضعها فرويد على الوجة ليعطيه التعبير المناسب. حرية في الرسم والمعالجة لواحد من اهمّ فناني بريطانيا على مر العصور.
لا يمكن حصر الكثير من الاعمال هنا والحديث عنها، هذه اللوحات التي مثَّلَت شخصيات كثيرة وشملت قاعات عديدة. لكن قبل أن أودع هذه الشخصيات الجميلة توقفت امام بورتريت أوسكار وايلد للرسامة المعاصرة مارلين دوما ثم استدرت لألقي نظرة على بورتريت مارغريت تاتشر للرسام رودريغو موينيهان، قبل أن احيي بول مكارتني مغني البيتلز الذي رسمه بطريقة البوب، الرسام سام والاش. كانت تجربة ممتعة ومهمة أن أعيش لبضع ساعات وسط هؤلاء، لأخرج بعدها كي أستنشق هواء حدائق لندن، وأضيع في زحمة شوارعها.
ألف بورتريت في مكان واحد
[post-views]
نشر في: 16 يونيو, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...