قبل أيام ، أعلنت الامانة العامة لمجلس الوحدة الاعلامية العربية عن اختيار بغداد عاصمة للصحافة العربية لعام 2017 ..وجاء هذا الاختيار تقديرا للجهود التي تقوم بها جمهورية العراق في دعم هذا القطاع الهام ومساهمته الكبيرة في نقل الخبر والمعلومة ، وجاء في البيان ايضا ان اختيار بغداد عاصمة للصحافة العربية يعد شيئا بسيطا امام حجم التضحيات التي قدمها أبناء هذه المهنة من أجل اعلاء كلمة الحق ولأن العراق يستحق الوقوف الى جانبه ..وسيتم تسليم الراية رسميا من قبل الأمير حاكم الشارقة التي حظيت باختيارها عاصمة للصحافة العربية في العام الماضي الى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء العراقيين ...
لابد أن مثل هذا القراريأتي بمثابة جرعة إنعاش لأبناء صاحبة الجلالة في العراق فلاشيء يسعد الصحفي أكثر من تقدير مايقدمه من تضحيات ومايمر به من متاعب ليقدم المعلومة للناس لكن اختيار بغداد عاصمة للصحافة العربية لايوازي فعلا حجم تلك التضحيات والمتاعب فالصحفي العراقي يحتاج الى الدعم الداخلي أكثر من دعم الخارج ويهمه تعبيد الطريق امامه لانجاز مهامه بيسر أكثر مما يثيره امتداح الاخرين لجهوده الجبارة ..الصحفي العراقي بحاجة الى الأمان داخل بلده والى جرعة من حرية التعبير عن الرأي ليقول المخبوء من الكلمات في صدره وينقل الحقيقة كما هي بلا تزويق او تنميق لكي لايخلق له أعداءً بين المسؤولين الكبار او الحيتان الكبار او التجار الكبار ..المهم أن يجيد اللعب مع الكبار دون أن يفقد حياته أو عمله ثمناً لذلك ، فهل يمكن لمن سيتسلم راية الصحافة العربية توفير كل ذلك للصحفي العراقي ؟!...هل سيتمكن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء حماية الصحفيين من التعرض للاغتيال والاختطاف والضرب والمنع من دخول بعض الأماكن او تصوير الأحداث الساخنة ، وهل سيوفرا لهم منافذ للعمل في حال اغلاق أماكن عملهم بسبب التقشف أو انتهاء اجندات بعض المطبوعات والقنوات بعد كل انتخابات ..هل سيضمنا لهم حياتهم في حال تعرضهم للخطر بتخصيص رواتب او اعانات شهرية او سنوية لمن لايعمل منهم في مؤسسة اعلامية حكومية ؟ من سيمكنه التحكم بعملية تفريخ الصحفيين التي منحت صفة صحفي وهوية نقابة الصحفيين لعشرات بل مئات ممن لايستحقونها من دخلاء الصحافة فسلبوا بالتالي حق الصحفيين الحقيقيين في الحصول على اراضٍ ومنحة مالية سنوية ، واحتل بعضهم الصدارة في التكريمات في المناسبات الصحفية بسبب العلاقات الشخصية والمصالح المتبادلة بينما انسحبت للظل أسماء كانت لامعة في عالم الصحافة ولم تجد لها في هذا الزمن ولياً ولانصيرا ....
في جبهات القتال ، قدم ويقدم صحفيو العراق الكلمة مغمسة بدمائهم فلم ينالوا سوى تعازي الكبار ..فهل ستكتفي عوائل هؤلاء الشهداء بتلك التعازي أم سيفرحها اختيار بغداد عاصمة للصحافة العربية ..انهم بحاجة الى ضمان معيشتهم كما يحتاج الصحفيون الباقون على قيد الحياة ضمانا لحياتهم ، وحين سيتمكن الكبار من رعاية عوائل الأموات وحماية الاحياء ، ستعود للصحافة العراقية هيبتها وسيفخر الصحفيون العراقيون بمهنتهم وبانجازاتهم التي استحقوا عنها اختيار بغدادهم عاصمة للصحافة العربية ..