TOP

جريدة المدى > تحقيقات > المساحات الخضراء تنحسر لحساب المولات ومرائب السيارات!

المساحات الخضراء تنحسر لحساب المولات ومرائب السيارات!

نشر في: 20 يونيو, 2017: 12:01 ص

تسعى الدول خاصة التي تشكو من ارتفاع معدلات درجات الحرارة الى زيادة غابات التشجير  حول المدن والمساحات الخضر داخلها وتضع في خططها وحساباتها بعدم التجاوز على أية منطقة خضراء، بل يصل الامر الى اعتبارها خطاً احمر لا يمكن اجتيازه،  لما لهذه المس

تسعى الدول خاصة التي تشكو من ارتفاع معدلات درجات الحرارة الى زيادة غابات التشجير  حول المدن والمساحات الخضر داخلها وتضع في خططها وحساباتها بعدم التجاوز على أية منطقة خضراء، بل يصل الامر الى اعتبارها خطاً احمر لا يمكن اجتيازه،  لما لهذه المساحات من دور في جمالية المدن ومساهمتها في التقليل من التلوث البيئي، وحسب منظمة "أصدقاء البيئة" العراقية  التي اجرت استطلاعاً وبالتعاون مع اكاديميين ومختصين توصلوا الى أن ٩٥ ٪‏ من مناطق بغداد تعاني من تراكم النفايات، وفي حينها رفعت المنظمة توصيات الاستطلاع الى أمانة بغداد بخصوص التعامل مع هذه الكارثة، لكن الذي يبدو أن الاخيرة لم تتعامل مع الأمر بجدية حتى وصلت اكوام النفايات الى ما تبقى من مساحات خضراء في العاصمة.

ومازال التجريف قائماً
وزارة الصحة والبيئة اطلقت في وقت سابق تحذيرات متكررة من مخاطر تجريف بساتين النخيل والغابات وتعريض التنوع الاحيائي في العراق للتدمير والمطالبة بتفعيل القوانين الرادعة للحفاظ على هذه الأراضي من الانجراف والذي أدى الى انحسار المساحات الخضراء في محيط العاصمة وداخلها، والعمل على إيقاف ظاهرة تجريف البساتين والأراضي الزراعية في محافظة بغداد وتحديداً في منطقة الدورة قرب مصفى الدورة..
وقال مدير عام دائرة التوعية والإعلام البيئي أمير علي الحسون، في بيان اطلعت عليه (المدى) إن الفرق الفنية التابعة لمديرية بيئة بغداد ولغرض تجريف الأرض بالتنسيق مع شرطة حماية بيئة الكرخ رصدت خلال كشف ميداني على بساتين النخيل (قرب مصفى الدورة) تعرض أشجار النخيل إلى موت قممها النامية نتيجة الإهمال المتعمد لغرض تجريف الأرض واستغلالها لأغراض أخرى مما يعد مخالفاً للقوانين البيئية.
وفي السياق ذاته، أوضح مدير بيئة بغداد مثنى حسن، أن: ظاهرة تجريف البساتين تؤدي الى تناقص الغطاء النباتي الذي يحمي المدن من العواصف الترابية، مؤكداً: أن الوزارة تسعى الى تحسين الواقع البيئي للغابات والبساتين من خلال المطالبة بتفعيل القوانين والتشريعات التي تمنع انجراف البساتين واتباع الطرق العلمية والاهتمام بها وعدم ممارسة قطع الأشجار بصورة عشوائية، مشيراً: الى توعية المواطنين بأهمية المحافظة على المساحات الخضر.
وأشار حسن الى أن: هناك ضرورة لإعداد احصائية لكل قضاء وناحية في كل محافظة فيما يخص تجريف البساتين وظاهرة الزحف العمراني لإعطاء صورة واضحة عن هذه الظاهرة لتسهيل عملية المعالجة وتحديد مواقع هذه البساتين وتفعيل القوانين ذات الصلة.

أمانة بغداد تدعو الجهات الأمنية
حتى وقت قريب كانت العاصمة بغداد تتمتع بمساحات خضراء واسعة انحسرت اجزاء كبيرة منها وذهبت لصالح المولات ومرائب السيارات، مثلما حصل مع متنزه 14 تموز في زيونة والذي حوّل الى مول قيد الانشاء منذ خمس سنوات، فضلاً عن غياب التخطيط الحضري والعمراني الذي يأخذ بنظر الاعتبار المحافظة على المساحات الخضراء وزيادة مساحاتها، الأمر الذي دعا مجلس محافظة بغداد، الاعتراف، بالارتفاع الملحوظ في ظاهرة تجريف الأراضي الزراعية، محذراً من كارثة بيئية تحدث نتيجة فقدان المساحات الخضراء.
عضو المجلس نزار الربيعي، قال في حديث صحفي، إن تجريف الاراضي الزراعية يشكل خطراً من الناحيتين الاقتصادية والبيئية على العاصمة بغداد. مضيفاً: أن نسبة التلوث في المدينة بدأت ترتفع، وهناك تصاعد مضطرب للتلوث في المياه والهواء، نتيجة ضياع المساحات الخضراء، محملاً امانة بغداد مسؤولية ذلك.
 أمانة بغداد بدورها أكدت اتخاذها اجراءات مشدّدة لمنع عمليات تجريف الاراضي الزراعية وتحويلها لمجمعات سكنية عشوائية، مطالبة الوزارات والجهات الأخرى المعنية بالتعاون معها وعدم السماح بالتجاوز على الاراضي التابعة لها .  
وذكرت مديرية العلاقات والإعلام، أن أمانة بغداد حريصة كل الحرص على منع أي حالة تجريف للبساتين والاراضي الزراعية، وقد دخلت في مشكلات قانونية وتحديات مباشرة مع المخالفين. مضيفة: أن ما يجري الان من حالات تجريف يحتاج الى مزيد من التعاون من قبل الوزارات المعنية التي تعود لها بعض البساتين والاراضي الزراعية المعرضة للتجاوز عبر تأمين الحماية لها من خلال التنسيق والتعاون مع القوات الأمنية الماسكة للأرض لمنع أي تجاوز قد يحصل على تلك الأراضي.
كما دعت أمانة بغداد القوات الامنية بأن يكون لها دور حازم وشديد في متابعة الجماعات التي تعمل على تجريف الأراضي الزراعية والاراضي التابعة للدولة ومساندة الملاكات الخدمية في جهودها الرامية إلى تعزيز الواقع الخدمي والحفاظ على التصميم والنسيج العمراني للعاصمة بغداد والحد من عمليات التجاوز على الشوارع والساحات والفضاءات الخالية.

المساحات الخضر المفقودة
ما زال متنزه (14) تموز في الكاظمية متجاوزاً عليه من قبل احدى الدوائر الامنية عبر اتخاذ مساحات واسعة منها مرائب للسيارات، فيما تحولت ارض مطار المثنى الى مجمع سكني فخم للمسؤولين كان بالإمكان تحويله الى منتجع سياحي متكامل، خاصة انه في منطقة تجارية ولم يكتف بكل ذلك، بل تم اقتلاع مساحة واسعة من متنزه الزوراء وتحويلها الى مشروع استثماري بعنوان (بوابة بغداد) يشتمل على مجمع سكني مع مركزين تجاريين كبيرين ومستشفى عام وفندق خمس نجوم ومركز للشرطة وآخر للدفاع المدني ومحطة توليد طاقة كهربائية.
المهندس الزراعي قتيبة حميد، بيّن لـ(المدى) ليس من الصعب أبداً المحافظة على المساحات الخضراء التي كانت احدى سمات العاصمة بغداد، بل اغلب مدن البلاد. موضحاً: أنه بالإمكان تأطير هذه المساحات بقانون خاص يعاقب كل متجاوز عليه كما يضعها في منزلة المحرمات التي لا يجب المساس بها لأيّ داعٍ كان. مشدداً: أن ازمة السكن باتت ذريعة لبعض الجهات الحكومية للانقضاض على ما تبقى من مساحات خضراء وتحويلها الى مرافق حكومية أو استثمارية اغلبها مولات.
ولفت حميد: الى ما يحدث من تجريف لمساحات واسعة من بساتين محيط العاصمة وتحويلها الى ساحات تبادل تجاري أو محطات وقود. مشيراً الى بساتين الدورة التي تحرق بين آونة وأخرى في سبيل اتمام أحد المشاريع التجارية، بعد أن اقتطعت مساحة غير قليلة منها وتحولت الى محطتي وقود على جانبي الشارع. مؤكداً: على ضرورة ايقاف هذا الهدر المتعمد بالمساحات الخضراء التي يمكن أن تسهم بالحد من التلوث البيئي اولاً وتكون اماكن لهو وترفيه للعوائل الفقيرة التي لاتقوى على دخول المشاريع الترفيهية الاستثمارية.

وقطع الأشجار قائم أيضاً
تعدّ عملية قطع الاشجار جريمة يعاقب عليها القانون في اغلب الدول والبلدان، إلا في العراق فبإمكان أيّ شخص قطع شجرة أو شجرتين أو مجموعة اشجار لأجل مشروعه التجاري الربحي، الأمر الذي يثير اكثر من سؤال، اين دور الجهات الرقابية إن كانت التابعة لوزارة الصحة والبيئة أو امانة بغداد في متابعة تلك الحالات التي طالت حتى اشجار مبنى القشلة التراثي التي يبلغ عمر البعض منها عشرات السنين. فؤاد راضي عضو نقابة المهندسين الزراعيين بيّن لـ(المدى): تعرضت المساحات الخضراء في العاصمة بغداد، إن كانت الخاصة المتمثلة بالحدائق المنزلية أو العامة متمثلة بالمتنزهات والحدائق الى هجمة شرسة تحت شتى المسميات. مؤكداً: أن ازمة السكن أودت بحياة الحديقة المنزلية وحوّلت الاشجار والازهار الى قطع خرسانية صمّاء عبر تشييد المشتملات الصغيرة. موضحاً: أن ذلك الاغتيال حوّل الازقة التي كانت تتمتع بفضاء اخضر الى علب كونكريتية مصطفة. وبشأن المساحات العامة، بيّن راضي: المشكلة كذلك هي ما تم التجاوز عليه وتحويله الى مسجد كما نشاهد ذلك في أغلب المناطق الشعبية، خاصة المساحات المقررة أن تكون حدائق عامة. مسترسلاً: أما القائم منها فقد تعرض للتجاوز من قبل بعض ضعاف النفوس وتم تشييد عشوائيات سكنية عليه. متابعاً: وما تبقى منها فقد تعرضت نسبة كبيرة منها الى الاهمال من قبل الكوادر البلدية التي يفترض أن تحرص على ديمومة تلك المساحات لدورها المهم إن كان جمالياً أو بيئياً.

بيع الشتلات للمواطنين
أمانة بغداد أعلنت عن تأهيل متنزه الزوراء وتهيئة الساحات والحدائق العامة في عموم مناطق العاصمة بغداد لزراعتها. وذكرت مديرية العلاقات والإعلام، أن ملاكات دائرة المتنزهات والتشجير واصلت أعمال تأهيل أجزاء من متنزه الزوراء وأعمال تشذيب وسقي المزروعات وصيانة ألعاب الأطفال وإدامة المرافق السياحية فيه، إذ استقطب من الزائرين خلال المدة من 14/5/2017 الى 30/5/2017 (81,056) زائراً وبلغت ايرادات دخولهم (81,056,000) دينار.
وأضافت أن الملاكات المسؤولة عن حديقة الحيوان، قامت بتنظيف وصيانة أقفاص الحيوانات وتهيئة الخدمات اللازمة لها من عناية صحية وغذائية لتستقطب مجموعة كبيرة من الزائرين بلغ عددهم في المدة نفسها (24,120) زائراً وبلغت إيرادات دخولهم (24,120,000) ديـنار. مبينة: أن الدائرة قامت أيضاً بتجهيز الدوائر البلدية التابعة للأمانة بـ(66,728) شتلة وبأنواع مختلفة لزراعتها في الحدائق العامة والجزرات الوسطية ضمن قواطعها، فضلاً عن القيام ببيع ما قيمته (1,479,750) ديناراً من الشتلات للمواطنين وبأسعار مدعومة لزيادة المساحات الخضر في عموم العاصمة بغداد، وكذلك تنفيذ حملات لمكافحة الحشرات لمناطق عدّة من العاصمة ولــ(180) مرة وبكلفة اجمالية بلغت (2,700,000) دينار.

 الاستثمار يغتال المساحات الخضر
وفي محافظة النجف، ذكر نقيب المهندسين الزراعيين في المحافظة علي النفاخ، في ندوة عقدتها  النقابة: إن هذه الظاهرة الخطيرة المتمثلة بالتجاوز على المساحات الخضر مستمرة منذ عدّة سنوات تحت أنظار المسؤولين بحجة الاستثمار، في حين أن المتعارف عليه أن تلك المساحات وجدت لعامّة مواطني الأحياء السكنية  كمتنفس لهم.
وأوضح النفاخ: أن السبب الرئيس لهذا التجاوز هو قانون الاستثمار وفقراته التي تسمح لهذا التجاوز، مضيفاً: نحاول اليوم حشد الرأي العام المحلي للحد من الفساد المؤطر قانونياً، الذي يسمح  بالاستيلاء على هذه المساحات بحجة الاستثمار ليستفيد منها أشخاص محددون في صفقات مشبوهة مع مسؤولين متنفذين.
 من جانبه قال رئيس لجنة الخدمات في مجلس النجف حسين الحدراوي: إن المجلس، سبق وأن بادر مع بداية العام 2015 إلى التصويت على قرار بإيقاف إعطاء المناطق الخضراء كمناطق إجازات استثمارية، ولكن بعد مرور أكثر من سنتين، اعترضت هيئة الاستثمار على القرار.
بهذ الشأن دعا المختص البيئي هيثم جمال، الى ضرورة اصدار توجيهات وضوابط تسهم في الحد من تحويل مدينة بغداد وبقية مدن البلاد الى مدن صمّاء تحيط بها المباني دون ترك مساحات خضر مناسبة لكل مرفق. مشيراً: الى اهمية إعادة النظر في المشاريع المنوي اقامتها في المساحات الخضراء التي تم الاستيلاء عليها وحتى تلك التي جاري العمل بها . مؤكداً: يجب عدم الموافقة على إنشاء أي مشروع مهما كانت صفته سواء أكان تنموياً أم استثمارياً على مساحة خضراء داخل حدود العاصمة والمحافظات وكذلك تخصيص الأراضي التي مازالت شاغرة من الشواغل لتحويلها الى متنزهات ومساحات خضر.

السبب سعر المتر
 1500 دولار
قبل أيام تمكنت فرق الدفاع المدني من اخماد حريق اندلع في البساتين الواقعة خلف كلية الفارابي في الدورة جنوبي العاصمة ببغداد،  على اثرها دعت وزارة الزراعة الى تنفيذ اقصى العقوبات من خلال تطبيق القانون بحق من يقوم بحرق البساتين والأراضي الزراعية تمهيداً لتحويل جنسها الى سكنية، وذلك حفاظاً على جمالية المدن ومن اجل حماية الثروة الزراعية، وذكر مصدر في مديرية الدفاع المدني، أن حريقاً اندلع في البساتين الواقعة خلف كلية الفارابي في منطقة الدورة.
مبيناً أن الحريق تسبّب بحالات اختناق عدد من المواطنين. مبيناً: أن أسباب اندلاعه غير معروفة. لكن شهود عيان من المنطقة أكدوا أن البساتين في منطقتهم تتعرض للحرق بين آونة وأخرى، عازين تلك الحرائق الى فعل فاعل من اجل تحويلها الى اراض سكنية. وأوضح ضياء كريم، أحد سكنة المنطقة: أن مالكي البساتين والاراضي الزراعية في منطقة ابو طيارة بالدورة يعمدون الى احراق بساتينهم تمهيداً لبيعها الى الراغبين ببنائها مساكن هناك.  موضحاً أن سعر المتر المربع الواحد بلغ في تلك المنطقة 1500  دولار ما يعني تأمين مبلغ جيد وفوري لصاحب الأرض لاسيما مع اقبال الاهالي على البناء بسبب أزمة السكن.  وتابع كريم: أن اصحاب البساتين عمدوا الى اهمال بساتينهم خلال السنوات الماضية من أجل سرعة احراق اشجارها ومزروعاتها.  موضحاً: أن  الحالة المزرية للبساتين تسهل ترويج معاملة لدى الجهات المعنية لتحويلها الى اراض سكنية، اذا ما رغبوا في ذلك. داعياً: الجهات المعنية الى اتخاذ اجراءات مشددة لمنع تكرار حرق البساتين التي تعد من سمات المنطقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram