adnan.h@almadapaper.net
بعد عشر سنوات من الآن من المحتمل جداً أن تتحوّل بغداد برمّتها إلى مدينة عشوائيات، مادامت أي جهة في هذه الدولة لا تريد أن تتحرّك أو تفعل شيئاً متوجّباً لوقف هذه السلسلة غير المنقطعة من التجاوزات والتعديات الجارية على الأرض في عاصمة البلاد.
أمس نشرت هذه الصحيفة تقريراً أفاد بأن عدد سكان العشوائيات في بغداد يتجاوز حالياً المليونين و600 ألف نسمة. الأرجح أن العدد أكبر بكثير، فالرقم الوارد هنا تقديري وليس ناجماً عن إحصاء دقيق. وإذا افترضنا أن العدد في حدود ثلاثة ملايين نسمة فإنه عقب عشر سنوات يمكن أن يُضاف إلى هؤلاء نحو مليون نسمة من المواليد الجدد للعشوائيين الحاليين (المعدل السنوي للنمو السكاني في العراق يبلغ 3 بالمئة، وهو من أعلى المعدلات في العالم). وليس من المستبعد أيضاً أن "يغتني" العدد بمليون آخر من العشوائيين الجُدد القادمين من المحافظات الأخرى، فليس ثمة ما يحول دون التجاوز حتى في قلب العاصمة.
بطبيعة الحال لا يمكن عقد الآمال على أمانة بغداد أو محافظة بغداد أو حتى قيادة عمليات بغداد والأجهزة الأمنية الأخرى لكي تعمل، منفردة أو مجتمعة، على مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة حتى من الناحية الأمنية، ففي العشوائيات عادة ما تنشأ البيئة المناسبة للإرهاب والجريمة المنظمة. ومن اللازم الإشارة الى حقيقة أن ّالكثير من العشوائيات والتجاوزات، إنْ في بغداد أو في المدن الأخرى، يحظى بحماية من جماعات سياسية نافذة في السلطة وأخرى مسلحة، ما يجعل من الصعب على الأجهزة المختصة الحؤول دون تكاثر العشوائيات التي لا يقتصر تجاوزها على الأراضي المُشيّدة عليها وإنما يمتد إلى الخدمات العامة، وبخاصة الكهرباء والماء والصرف الصحي.
صحيح أنّ أزمة السكن الحادّة في البلاد يُمكن اعتبارها السبب الرئيس لتفشّي ظاهرة العشوائيات والتجاوز على الاراضي والاملاك العامة والخاصة، لكن على نفس الدرجة من الاهمية يأتي غياب الدولة ... والدولة هي القانون وأجهزة تطبيق القانون. القانون يُسجّل غياباً لافتا في دولتنا. في الشارع على سبيل المثال لا ترى تطبيقاً للقوانين والأنظمة الخاصة بالسير والمرور أو بالشارع والرصيف، والشارع هو المدخل لاختبار هيبة الدولة، فالسائق الذي يعتاد على عدم الالتزام بنظام المرور، وصاحب الدكان الذي لا يهاب شيئاً وهو يحتلّ الرصيف أمام دكانه لعرض بضاعته، لن يتردّد أيٌّ منهما عن التجاوز على سائر القوانين والانظمة وعن عدم الاكتراث لهيبة الدولة.
في تقرير الأمس يعلن أحد أعضاء مجلس محافظة بغداد "أنّ هناك تنسيقاً مع الحكومة لإجراء حملة وطنية للقضاء على المناطق العشوائية وإخراج المتجاوزين منها من خلال تعويضهم من قبل الحكومة الاتحادية وبناء وحدات سكنية له" .. هذه حملة سنبقى نسمع بها من الآن إلى عشر سنوات من دون تحقيق نتيجة، وسنجد أننا نحتاج في الواقع إلى حملة وطنية لحمل الحكومة على فرض هيبة الدولة وسلطة القانون.