ثمّة فرقٌ فاضح بين شرف المهنة ودنس المحنة في نواميس العمل الصحفي الذي حوّله بعض المنتمين لسلطته الرابعة الى منتجات رديئة تنافس بضائع الدرجة السابعة كقيمة ونوعية تتناسب وأذواق المتعاطين معها أو مقتنيها من منافذ تسويقها المريبة.
هكذا نوجز بألم وحسرة واقع الصحافة الرياضية العربية التي لم يُطعَن بناموسها المهني طيلة عقودها الماضية الحيّة برموزها ومباركة أولى جيناتها في القرن التاسع عشر المخبوءة في رحم صحيفة (الرياضة المصرية) عام 1888 حتى الآن، مثلما تُنتهك سمعتها وتُجلَد كرامتها بسياط أمر السياسة وطاعة العواطف الشعبية التي تَسحق تحت أقدام الانفعال كل عهود ومواثيق الاحترام بين الزملاء في بعض الدول.
خمسة عشر يوماً مضى على معارك الأقلام الرياضية في الخليج، وهي تخوض في خنادق وساحات ونقاط أبعد من تلال المراقبة لشؤون الرياضة، ورفعت الأقلام أغمادها لتلبس بدلاً عنها خُوَذ الحرب كأدوات بأيادي الصحفيين ليرموا بكل ما في الجِعب من ذخائر باتجاه العربي الآخر، وهكذا هدف هنا، يضرب نزاهة الرجال، وهدف هناك يسعى لاغتيال رمزية المونديال!
هل تعتقدون أن استعراض الصحفي الرياضي فنون مهارته في تخريب العلاقات والتشكيك في الذمم وإهانة المسؤول والتحريض لإشاعة الفتن وتكريس مفردات الحقد وتمترس الخطاب خلف سواتر الوطنية، أنه بمنأى عن الحساب المهني؟ أبداً، لا يمكن أن نسمح بتقاعس قيادات الصحافة الرياضية العربية عن ممارسة دورها الاستثنائي في مرحلة الاختبار الحقيقي لشعارات المصير الواحد والمصلحة المشتركة، لاسيما أن الزملاء في السعودية وقطر هم أكثر وعياً لصِلات الانصهار الاجتماعي وما تفرضه قوانين السماء والأرض من التزامات وجوبية للامتثال إلى نداءات السلام والمحبة والتآخي في ملعب الحياة وتحت أضواء المصارحة الكاشفة من دون الانسلاخ عن روحية الفريق الذي يحظى بتشجيع الجميع.
الصحافة الرياضية رسالة عصرية لجيل صعب المراس يُصعب أن نغفل عنه في ظروف لم تترك وسائل التكنولوجيا فرصة للصحف أن تقاوم غزارة الأخبار والتقارير والصور التي تبثها جيوش المواقع الالكترونية في القارات الست إلا بمقالات مدجّجة بالصدقية تمنع تسلل البذاءة بين السطور، لتكتب بكل تجرّد عن وقائع من دون أن تحض على تحالفات دونية تمارس قلب الحقائق وتشوّه معالم الرياضة ولا تترك خطاً للرجعة أو تأنيب الضمير، وإلّا بأي الوجوه ستتقابل النفوس يوم تتطهّر من غلّها؟
إن المناكفات الفجّة التي تُذاع وتُقرأ وتُرى يومياً بين الزملاء الرياضيين في الخليج وهم يسددون سهام النار لحرق المونديال العربي 2022 هي أكثر عدواناً من حملات الغرب المحمومة لسلب العرب حقاً تأريخياً بتنظيم كأس العالم على أرضهم، تحقق حُلم الملايين الذين يصوّر لهم ترقّبهم للحدث بعد خمس سنوات أنهم أكثر وطنية من القطريين انفسهم لحماية مشروع البطولة، ولو كانت السعودية أو الإمارات أو البحرين أو أيّ بلد عربي آخر ينظّم المونديال ذاته، لن نحيد بمبدئنا للدفاع عنه مثلما نتمسك به اليوم.
جُبل الصحفي الرياضي العراقي أن يكون حُرّاً في الدفاع عن بلده ومُـرّاً إذا ما انتهك الغير حقه، لكنه أبداً لن يسترخص شرف المهنة في بازار العرض والطلب ، وتبقى خطوطه الرياضية حصينة من دهاقنة الترغيب لجرّه في اللعب على حبال السياسة، وهو درس بليغ على العرب الاستفادة منه نتيجة هول ما عشناه من مآسي مطحنة الحروب لخيرة شبابنا وفواجع الموت بأنياب الحصار وجريان نهر الدم في سواقي الطائفية، كل صور الدمار تلك لم تغيّرنا وبقينا نتدثّر بكياستنا وننتخي للتضامن ولا نرضى بالفرقة.
يمكن للرياضة أن تسجّل موقفاً غير مسبوق لتدحر الفتنة السياسية، بدعوة عاجلة الى اللجان الأولمبية العربية بقادتها ولجانها الإعلامية كي تبلور موقفاً عربياً في مؤتمر طارئ يجمع شمل الفرقاء ويُلجم دعاة تصعيد الأزمة، محقّقاً هدف المصالحة في الوقت... قبل القاتل.
معارك الأقلام ومونديال الأحلام
[post-views]
نشر في: 20 يونيو, 2017: 04:11 م