في فيلم المخرج "جيم جارموش" الجديد الثالث عشر بعنوان "باترسون" يؤدي الممثل آدم درايفر، دور سائق باص يدعى باترسون ويصادف أنه يعيش ويعمل في مدينة باترسون بولاية نيوجرسي ومثله مثل الشاعر الطبيب وليم كارلوس، وليم الساكن في باترسون أيضاً فهو يكتب الشعر في
في فيلم المخرج "جيم جارموش" الجديد الثالث عشر بعنوان "باترسون" يؤدي الممثل آدم درايفر، دور سائق باص يدعى باترسون ويصادف أنه يعيش ويعمل في مدينة باترسون بولاية نيوجرسي ومثله مثل الشاعر الطبيب وليم كارلوس، وليم الساكن في باترسون أيضاً فهو يكتب الشعر في وقت فراغه. خلال فرصة شرب القهوة وتناول الغذاء وفي لحظات قبل أن يبدأ طريقه يكتب باترسون القصائد التي توحي بها أحداث الحياة اليومية. مثلاً علبة ثقاب ماركة "أوهايو بلو تب" تطلق شرارة التأمل في الحب الخالص الهادئ الذي يشعر به نحو زوجته لورا (تؤدي الدور غولشفته فرحاني) وهي ربة بيت نشطة وساحرة.
جارموش يحب الشعر أيضاً. وهو يهوى قراءة شعر فرانك أوهارا وجون أشبري وهما عضوان فيما يسمى مدرسة نيويورك للشعر. (القصائد في فيلم باترسون في الحقيقة كتبها شاعر مدرسة نيويورك رون باجيت). انجذب جارموش إلى ذلك الحب وأكثر لكي يصنع فيلماً يعرض كيف أن الفن – وربما حتى الفن المصنوع على الهامش- يمكن أن يملأ الحياة اليومية.
هنا يوضح جارموش لمجلة "تايم" الأمريكية كيفية صنع فيلم باترسون ويصف إعجابه بالممثلين العاملين ويقدم قائمة مصغرة للمشاهدين من عشاق الشعر. أفهم أنك قمت في فيلم باترسون بمعالجة أساسية لفترة طويلة، هل قررت صنع فيلم خاص عن الشعر والشعراء؟
ذهبت برحلة نهارية إلى مدينة باترسون قبل 20 أو 25 سنة مضت. وجذبني إلى هناك وليم كارلوس وليم الطبيب والشاعر الذي كان عمله يستهويني. ذهبت إلى الشلالات ومشيت ورأيت الأجزاء الصناعية من المنطقة. إنه مكان ساحر: يشبه رؤية الكسندر هاملتون عن المدينة الصناعية الجديدة التي تحصل على الطاقة من الشلالات وهي نوع من المدينة اليوتوبية المقصودة. وهي مختلفة بشكل لا يصدق بالنسبة لديموغرافيتها وتنوع الناس هناك.
بالمناسبة، قصيدة "باترسون" لوليم كارلوس وليم ليست من قصائدي المفضلة في الحقيقة. إنها تطير من ذهني ولا أفهم الكثير منها. لكن في بدايتها إنسان هو مجاز لمدينة باترسون وبالعكس. واعتقد أنها فكرة جميلة. اعتقد أني أحب أن أكتب معالجة صغيرة عن رجل شاعر من الطبقة العاملة في باترسون الذي هو في الواقع شاعر جيد جداً لكنه غير معروف. لذا كانت لدي تلك المعالجة من صفحة واحدة في الدُرج لسنوات. بقيت أتذكرها لكني لم أصل إليها حقاً إلا الآن.
جعلت من باترسون المدينة تبدو جميلة جداً في الفيلم مثل مكان سقط في الأزمنة الصعبة لكنه ما زال يبدو نابضاً بالحياة الآن. إن باترسون الخاصة بنا هي باعتراف الجميع خيالية. إنها مكان خشن جداً ومكان صعب. هناك العديد من الناس العمال و هناك الكثير من الناس الفقراء. وهي ممتزجة عرقياً بشكل لا يصدق.
لم أقصد من الفيلم أن يكون وثيقة اجتماعية، لكني أردت أيضاً أن أنسج أجزاء من المدينة وأحولها إلى داخل الفيلم وأن أصوره هناك بالطبع. أذهب لكي أعاين المواقع مع مصمم الإنتاج مارك فرايدبرغ الذي عملت معه سابقاً والذي يعجبني حقاً. ويقول مارك:"انظر!". وفي كل مرة نقف وننظر إلى شيء نرى الأمل واليأس في الصورة نفسها. نرى زوجين يتناقشان في أمر ليس إيجابياً جداً وبالجوار هناك شخص يجلب الأزهار أو ترى بناية تنهار وفي الجوار رجل يصبغ بابه الجديد بالأخضر الفاتح. ظل مارك يلتقط الصور لهذه التجاورات. لذا اردنا أن يكون لدينا القليل من ذلك كي نمزج تلك الأشياء ليس بطريقة يدوية ثقيلة بل لكي نجعلها موجودة. لم نرد أن نجعل من التعفن رومانسياً.
إنك بالتأكيد لديك حس مشاهدة باترسون وهو يقود حافلته عبر المدينة. وهو يمر بمخازن "فوتلوكر" ودكاكين السلسلة الرخيصة وهي الأمكنة التي استخدمت بصورة عامة في أفلام معينة لكي تظهر بأن المكان ليس فقط كئيباً اقتصادياً، إنها فترة كئيبة. لم يحصل لي هذا الشعور مع هذا الفيلم.
إن مركز مدينة باترسون نشط جداً في ذلك الطريق. هناك مخازن "فوتلوكر" وثمّة مكان مكسيكي ودكان للملابس العربية ومكان للطعام الصيني الجاهز. هناك دائماً كل أنواع الناس المختلفين الذي يتحركون عبره. أحب ذلك. ووجهة النظر من الحافلة جميلة جداً لأنك فوق الناس الماشين. إنك لا تنتبه حقاً للناس في حافلة حين تكون على الطريق، صحيح؟ لكن في الحافلة إنك ليس بمستوى السيارة. أحب تماماً أن أركب لأسبوع والتقط من الحافلة – مجرد وجهة نظر كي تلقي نظرة بخفة للأسفل على الأرصفة وكل تلك الدكاكين والأشياء. إن الأمر مسرحي بطريقة جميلة.
وكيف وجدت طريقك إلى آدم درايفر الذي هو رائع في الفيلم؟
لم أر آدم في العديد من الأعمال. رأيته في حلقة من "بنات". أنا مشاهد قليل للتلفزيون. رأيته وهو يؤدي شيئاً محبباً صغيراً في فيلم "داخل لوين دافيس". وأدى دوراً في "فرانسس ها". أحببت وجهه وهو يشي بنوع من الهدوء. ثم سمعت بعض المقابلات معه. وحالاً رغبت باللقاء مع هذا الرجل.
العمل معه ممتع لأنه متفاعل جداً.. إن آدم لا يرى الأفلام التي يمثلها. لا يحب أن يرى نفسه لأنه لا يريد أن يكسر ذلك الشيء إذ يريد تماماً أن يكون هناك ويكون رد فعله مثل رد فعل الشخصية. لا يريد أن يفكر "كيف تحركت، كيف ظهرت، كيف التقيت؟" بالنسبة له ذلك أمر لا يسعف. هناك ممثلون آخرون هم كذلك- روبرت ميتشوم لم ير أي شيء مثل فيه. وبعض الممثلين فهذا الأمر ليس جيداً بالنسبة لهم. بعض الممثلين يحبون ذلك ويتعلمون منه. لكن آدم لا. إنه يريد منه أن يكون شيئاً قابلاً للتصديق. يريد أن يتفاعل، لا يريد أن يمثل. أنا أحب ذلك.
بصورة عامة أنت تعرف كيف تولّد الأفضل من ممثليك. كيف جعلت من ذلك ينجح مراراً وتكراراً؟
إنهم مختلفون تماماً وأنا أحب هذا الأمر. إنه أمر معقد أن تكون شخصاً خيالياً .وما هي الوسائل التي توظفها؟ تجربتك الحياتية وعواطفك. ذلك أمر مخادع. فإذا ما أصاب الممثلون السخط أو مثلوا مثل الأطفال أو أمر آخر فإني أتعاطف كلياً معهم. انظر ماذا يفعلون أنت تعلم؟ ممثلو السينما بالأخص. إنهم ينتظرون مشروعاً. إنهم ينتظرون ثم يعثرون عليه. ثم يمكن للمخرج أو المونتير أن يأخذا أي جزء يرغبان به. الممثلون لا سيطرة لديهم. يمنحون شيئاً ثم يعطونه. اتعاطف معهم. إنها مهنة صعبة.
يعطي فيلم باترسون أهمية لفضائل الكتابة أو صنع الفن لنفسك فقط بدلاً من نشره في العالم. كل شخص منشغل جداً بدفع نفسه على شبكة التواصل الاجتماعي. ماذا يعني أن تصنع شيئاً لنفسك فحسب كما يفعل باترسون؟
اعتقد بأنك تستطيع أن تثق بنفسك أو أولئك الذين يتعاونون معك. فما أن تخطو خارجاً من ذلك وتبدأ بالتصور:" كيف سيستقبل العالم هذا؟" حتى تفقد قوتك. إنك تمتلك حدسك فحسب. دائماً أقول من الأفلام الأولى التي صنعتها بأن نحن صنّاع الأفلام نصنعها لأنفسنا. حين كنت شاباً كنت في برنامج تلفزيوني بهولندا مع برناردو برتولوتشي الذي يعجبني جداً، مساهم كبير في تاريخ السينما وجمالها. لكنه أصابني بالجنون. قال:" إنك تصنع الأفلام لنفسك. اعتقد أن ذلك يستحق التوبيخ. إذاً أنت نخبوي ولا تفكر بالعالم الذي يفترض أنك تصنع الفيلم من أجله". فأصبت بالسخط لأن هذا الشخص أحترمه حقاً. لكني تشجعت وقلت "كلا لا أتفق معك. أنا لا أحاول أن أنشر بياناً للعالم. أنا أحاول أن أعبر عن شيء يشعر به أولئك الذين يصنعون الأفلام". ثمّة العديد من الطرق التي تصنع بها الأفلام أو الفن أو الشعر. وأحد أسباب انجذابي إلى مدرسة نيويورك للشعر هي فكرة الكتابة لشخص واحد. لا الوقوف على قمة الجبل والقول:" هذا ما اعتقد به".
مثل فرانك أوهارا صاحب فكرة توجيه القصيدة إلى شخص واحد.
نعم وجاءت من كارلوس وليم كارلوس أيضاً ووالاس ستيفنز. سوف أشعر بالحرج جداً لو أني فكرت بمحاولة إعلان أحاسيسي للعالم. أنا غير مرتاح شخصياً من محاولة الصياح من قمة الجبل. لكني اعتقد بأن هذا نوع من الوضوح لأن أفلامي هي نوع من الهامشي. من الواضح أنها تحاول أن لا تضرب سوقاً كبيرةً. فإذا ما كانت كذلك فإني سأفشل على نحو تعيس.