يحمل كلُّ عراقي زار باكو، في البوم تذكّره للمدينة صورةً أو أكثر لمركز حيدر علييف، الصرح المعماري الأبرز في العاصمة الآذربايجانية، الذي صممته المهندسة زها حديد، لا أريد أنْ أؤكد عراقيتها، فهي بعلم الجميع، ومع أن المدينة تحفل بعشرات المعالم المعمارية الأستثنائية، فيطرز بناؤها الشرقي الاسلامي والشرقي الآسيوي وبين نمط العمارة الروسية والاوروبية الشرقية، بشكل خاص، فضلاً عن التحديث الواضح، والذي يقترب كثيرا من نمط العمارة الأميركية(ناطحات السحاب) إلا أنَّ المركز سيظل أوضح المعالم وأكثرها شهرة هنا، في باكو.
يزعم بعض المعاينين للمبنى الجميل، ممن لديهم الخبرة الهندسية، بأنَّ زها حديد اشتقت التصميم من حركة الموج، لِمَ لا، فباكو محاطة ببحر الخزر من أي مكان نظرت، ومن أول معاينة لك ستتضح لك حركة الموجة البيضاء. لكنك لن تجد واجهة واحدة، لتقف على مدخل المبنى، إذ كل واجهة مدخل بحري لجوف الموجة هذه، ولن يجد المعاين حدوداً معلومة من تلك التي يجدها في الاشكال الهندسية(المربع والمثلث والمستطيل..) أبداً، ستظل الموجة تندفع، تصعد وتصعد ثم تنحدر وتنحدر وتنحدر ولن تفاجأ بحركة السلالم، فهي أيضا صممت على شكل موج يتتابع، يبدأ من الحائط وينتهي أسفل قدمك، لذا ستجد الصعوبة بالغة في انتزاع خطاك.
لن ياتِ الاحساس بالوطن من خلال مناسبة وطنية أو دينية، ولا حتى من مناسبات أعياد الاستقلال التقليدية، ولن يكون بتعليق صور الجنرالات ورجال السياسة والدين ومَقاتل المغامرين، أبداً. لن يأت بنخلة في جزرة وسطية أو من بئر نفط مخترق ولا حتى من الاتربة التي يثيرها القوّالون في مجالس الشيوخ ورجال المال السحت. أبداً، الاحساس بالوطن يأتي من خلال شعور المواطن بمواطنته الصدق والتفاخر بها، من خلال احساسه بانه المواطن رقم واحد، ولا أحد قبله، في الانتماء والحقوق. كلما دخلت سوقاً صحبة السائق بباكو، وسألته ما إذا كانت السلعة التي أنوي شراءها جيدة ام لا، يجيبني: أجل، نعم، هذه صناعة آذرية، وهي الاجود في السوق، وما مددت يدي الى أخرى إلّا وأثنى عليها وحببني لشرائها. وهي بالفعل، لم اشتر حاجة من طعام او شراب او ملبس إلا كانت بحق الأجمل والأصلح.
أقول ذلك، وأنا أعاين العراقيين السائحين، الذين يزورون باكو وهم يقتعدون الأرض بانتظار فتح أبواب مركز حيدر علييف- كنت انتظر معهم- ثم، فتحت الابواب ودخل الناس، وجدت السائح العراقي غير معني بمقتنيات المركز. وبالفعل، هي تقليدية جداً، إذ كل ما عرض فيه عبارة عن تفاصيل دقيقة، ومملة أحيانا، عن حياة وشخص الزعيم علييف وأسرته، وهناك تفاصيل ومقتنيات عن حياة الناس وتاريخ الشعب الآذري. لقى وملابس وأدوات وغير ذلك، مما نجده في معظم المتاحف العالمية. بصراحة يمكنني القول بان المبنى، التحفة الفنية والمعمارية الذي انجزته العظيمة زها حديد كان أكبر وأكثر أهمية من كل معروضاته، وكان قبلة السائحين العراقيين. لنا أن نفخر بحق.
زها حديد أكبر من مقتنيات علييف
[post-views]
نشر في: 1 يوليو, 2017: 09:01 م