adnan.h@almadapaper.net
بعد ساعات من بثّها خبراً يستند إلى شريط فيديو جرى تصويره بتلفون محمول، اضطرّت قناة " NRT عربية" إلى نشر خبر ينسف الأساس الذي استند إليه الخبر الاول.
لا أعرف إن كانت قنوات أخرى قد بثّت الخبر نفسه من قبل أو من بعد، لكنّ قناة " NRT عربية" التي تبث برامجها من مدينة السليمانية سجّلت لنفسها ببث الخبر الثاني فضل النفي غير المباشر للخبر الاول الملفّق الذي كان يتعيّن عليها التحقّق من صحته قبل بثّه، بيد أن هذا النفي غير المباشر لايخفّف من وطأة المعضلة الحقيقية المتمثلة في أنّ الكثير من وسائل الإعلام العراقية ومواقع وصفحات التواصل الاجتماعي تتداول أخباراً كاذبة تقف وراءها جهات لها غايات غير شريفة وتتسابق في إعادة بثها، ثم لا تعتذر مباشرة أو مداورة عمّا تنشره، أو في الأقل أن تنوّه الى عدم صحة المعلومات المنشورة.
خبر NRT" عربية" المُصوّر الاول أفاد بأنّ طائرات هليكوبتر تابعة لقوات التحالف الدولي حطّت في مناطق يسيطر عليها تنظيم داعش جنوب كركوك وبقيت هناك مدة ساعة، ما فُهِم منه أن الطائرات كانت تقوم بمهمة لوجستية لصالح التنظيم الإرهابي.(سابقاً جرى تداول أخبار ملفّقة من هذا القبيل في مناسبات عدة، وجمح الخيال بمفبركي بعضها إلى حدّ القول بأن طائرات التحالف الدولي كانت تُسقط الأسلحة والذخائر والمعدات في مناطق مختلفة تحت سيطرة داعش، وأنها تتعمد قصف القوات العراقية لعرقلة تقدمها نحو مناطق سيطرة داعش).
لاحقاً تبيّن، كما أفاد موقع" PUKmedia" الأخباري التابع للاتحاد الوطني الكردستاني، أن طائرات الهيليكوبتر لم تهبط في مناطق سيطرة داعش، "بل إنها كانت في مهمة خاصة، حيث قامت تلك الطائرات يومي( 27 و28 حزيران) بعمليات إنزال جوي ضمن المناطق قرب قرية السعيدي وقرية زلت السبع ومنطقة الصخول وقرية الاصفر وقرية الحمل بالقرب من نهر زغيتون بالقرب من قرية الرفيع"، وأن "تلك الطائرات قامت بعملية إنزال جوي تمّ خلالها اعتقال مسؤولين بارزين لتنظيم داعش في تلك المنطقة". وأكّد الموقع الاخباري أن شريط الفيديو "تم تسجيله من قبل قوات البيشمركة، إلا أنّ بعضاً من وسائل الإعلام وقعت في الخطأ عندما نقلت ذلك التسجيل المصوّر على انه لطائرات تنقل المساعدات لداعش"، وأضاف "ان الفيديو تم تسجيله من قريتين قريبتين من المنطقة التي هبطت فيها طائرات الهيليكوبتر، وأنّ القريتين هما تحت سيطرة قوات البيشمركة، وتبعدان عن مناطق هبوط الطائرات (20-25 كم)، موضحاً أن الطائرات تعرضت إلى إطلاق النار من قبل عناصر داعش في قرية "غيدة" التي تقع على بعد 15 كيلومتراً من غربي قضاء داقوق".
ما كان أسهل على إدارة "NRT عربية" من التحقق من صحة المعلومات، فمقر قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني يقع على مرمى حجر من مكاتب القناة، وأرقام تلفونات المسؤولين في محافظة كركوك، بمن فيهم المحافظ، ومسؤولو قوات البيشمركة متوفرة لدى كادر القناة، وانتظار نصف ساعة كان على الأرجح كافياً ليحول دون أن تقع القناة في خطأ مهني كهذا، وهو من الأخطاء غير الهيّنة في الواقع، نسبة إلى توقيته حيث تشتدّ الحرب على داعش في جبهة الموصل، والتي يلعب التحالف الدولي دوراً حيوياً فيها.
على أية حال، هذا الخطأ المهني فيه مصلحة. إنه رسالة قوية لنا نحن الإعلاميين لأن نتمسّك بقواعد مهنتنا وأخلاقياتها، خصوصاً في زمن الحرب، فالسبق الصحفي الذي يحقّق المجد المهني هو السبق في تقديم المعلومة الصحيحة.