بعد توقف دام قرابة ثلاث سنوات، تعود الحياة لجامعة الموصل رويداً رويداً، حيث أخذ عدد من الطلبة والتدريسيين على عاتقهم حملة تنظيف في كليات الجامعة المترامية على مساحة ٢٥١ هكتاراً المتميزة بتنوع اختصاصاتها التي كانت تجذب نحو 34 ألف طالب، إلا أن عدداً من
بعد توقف دام قرابة ثلاث سنوات، تعود الحياة لجامعة الموصل رويداً رويداً، حيث أخذ عدد من الطلبة والتدريسيين على عاتقهم حملة تنظيف في كليات الجامعة المترامية على مساحة ٢٥١ هكتاراً المتميزة بتنوع اختصاصاتها التي كانت تجذب نحو 34 ألف طالب، إلا أن عدداً من الأبنية ما زالت خارج الخدمة بانتظار إطلاق مشروع إعادة إعمار الجامعة حكومياً أو دولياً مثلما أعلنت اكثـر من دولة استعدادها المساهمة بإعمار الجامعة مثل فرنسا وبريطانيا والكويت فضلاً عن عدّة منظمات مجتمع مدني تطوعية ومجالس المحافظات.
تحدي وإصرار الطلبة
يعود الطلبة الى جامعتهم وهم في حالة من الفرح والنشوة لتحرير المدينة وغصة على حال جامعتهم التي تعد من اوئل الجامعات في البلاد، لكن عودتهم هذه المرة مليئة بالإصرار والتحدي وتعويض السنين التي ضاعت من عمرهم الدراسي.
بيداء سليم احدى الطالبات اللواتي عدن من اول ايام تحرير الجامعة بيّنت لـ(المدى) بعد ايام قليلة من تحرير الجامعة عدت مع مجموعة من الطلبة لاستئناف الدوام. مضيفة: وبالرغم من كل الدمار الذي تشاهدوه لكني اشعر بالراحة، فكل بناء يمكن اعادته لكن فقدان الحرية صعب جداً. متابعةً، فمجرد تنشق الهواء يعني اننا انتصرنا وسنعمل على أن تعود الموصل الى طبيعتها وجامعتها الى العلم والمعرفة .
فيما لوّح غيث احمد طالب مرحلة ثالثة كلية التربية لـ(المدى): بالعلم يمكننا هزيمة كل افكار داعش التي زرعها في نفوس البعض الضعيفة. منوهاً: الى انه ومجموعة من الطلبة اخذوا على عاتقهم تأهيل ما يمكن وتنظيف بعض الابنية من ركام الحرب والخراب الذي خلفه الدواعش بتفجيرهم ابنية عدة من الجامعة. داعياً: وزارة التعليم العالي ومجلس محافظة نينوى الى تبنى ستراتيجية اعادة تأهيل الجامعة بأسرع وقت كي تكون احد اسلحة المقاومة ضد الافكار المتطرفة والمتشددة.
وقد أطلق اتحاد طلبة جامعة الموصل حملة (#جامعتنا_ ونعمرها) الثانية لتأهيل وتنظيف بنايات الجامعة، والتي سبقتها حملة اولى تكفلت برفع الانقاض وصبغ بعض الجدران وتأهيل بعض قاعات الدراسة وغرف التدريسيين الذين قدموا الدعم والمساندة للطلبة في حملتهم الاعمارية التي تمهد لاستئناف دوام كلية التربية للعلوم الانسانية فيما لا تزال الكليات العلمية التي تضم العدد الأكبر من طلاب الجامعة مقفلة بقرار بحجة عدم جاهزية المختبرات بعد.
إعادة الإعمار يحتاج لسنين
رئيس جامعة الموصل أوبي سعيد الديوجي، اعلن عن تضرر 30% من مباني الجامعة نتيجة العمليات العسكرية و"الإرهابية"، مشيراً إلى أن وزير التعليم العالي والبحث العلمي عبد الرزاق العيسى، يتابع عمليات إعادة الإعمار في الجامعة. موضحاً في بيان صحافي: إن 70% من مباني جامعة الموصل لم يصلها الخراب، فيما طال الضرر 30% منها، مبيناً أن هناك مبانٍ عدّة دُمرّت بشكل كامل، مثل كلية الطب وبناية المكتبة المركزية ورئاسة الجامعة".
وأضاف الديوجي: أن هناك مبانٍ لم تتضرر كثيراً ويتم إعادتها للحياة بجهود أساتذة الجامعة والمنظمات الانسانية"، متابعاً أن وزير التعليم العالي يتابع عمليات إعادة الإعمار، ونسعى لتأهيل عدد من الكليات الإنسانية لغرض انتظام دوام الطلبة بعد موافقة وزارة التعليم العالي على فتح قبول الطلبة في الدراسات العليا في الكليات الإنسانية.
واستطرد رئيس جامعة الموصل: تعرضت الكثير من مباني الجامعة لدمار كامل، ولكن نحن الآن نعمل على ترميم وإعادة المباني التي لم تلحقها أضرار كبيرة، كما أن هناك عدداً من المختبرات لم تدمر أيضاً وبإمكاننا العمل على إعادتها”. وأضاف أن نحو 10آلاف طالب يباشرون العمل بجامعة النور – الموقع البديل لجامعة الموصل، إضافةً إلى 15 ألف طالب في مقار الجامعة البديلة بمحافظتي دهوك وكركوك.
وأشار إلى أنه سيتم فتح أبواب الجامعة للعام الدراسي الجديد واستخدام المباني التي لم تتعرض لنسب تدمير كبيرة، مبيناً أن جامعة الموصل فيها مبانٍ كبيرة وكثيرة وبإمكانهم استخدام الكثير منها، مؤكداً أن إعادة إعمار المباني المدمرة يحتاج إلى سنوات؛ لكون المباني المدمرة كبيرة جدّاً وتحتاج لأموال طائلة.
جرد الأضرار ونسب الدمار
ولحق الدمار الكامل بـ ١٢ مبنى بينها مقر رئاسة الجامعة، فيما تتراوح نسبة الدمار بين خمسة و٢٠ في المئة. فيما بلغت نسبته في بعض مرافق الجامعة نسبة (100%) مثل مبنى رئاسة الجامعة الجديد ومبنى عمادة كلية الطب البيطري والمطبعة ومخازن الجامعة ومختبرات الحاسبات في كلية التربية ومشروع الـ(1000) شقة سكنية المخصص لإسكان التدريسيين مع قيام الدواعش ببيع مواده الأولية للمهربين واللصوص وأشباه المقاولين زيادة عن تدمير المكتبة المركزية مع كامل محتوياتها.
ويقول المهندس أسامة احمد مدير قسم الإعمار والمشاريع في الجامعة لـ(المدى): بعد طرد (الدواعش) بادرنا بإجراء تقييم أولي للأضرار التي لحقت بأبنية جامعتنا، وبعد تأمين الموقع من قبل الجهد الهندسي في الفرقتين 11 و 16 تمكنّا من دخول الحرم الجامعي وأجرينا كشفاً ميدانياً ورفعنا تقاريرَ مفصلةً إلى وزارة التعليم العالي التي رفعتها بدورها إلى رئاسة الوزراء وصندوق الإعمار في المجلس المذكور لغرض تأمين المبالغ المطلوبة لإعادة إعمار الجامعة من خلال دعم مجلس الوزراء والتبرعات الخارجية. متابعاً: لقد بدأنا عملنا بالمُتاح لحين وصول الدعم الحكومي من المركز، فمثلاً وصلتنا آليات محدودة من قبل الحكومة المحلية نقوم باستخدامها حالياً في رفع الأنقاض وإزالة آثار التدمير: مشيراً: الى دور وزارة الكهرباء من خلال مديرياتها في محافظة نينوى، حيث تواصل الكوادر في هذا القطاع عملها في إعادة تأهيل شبكة الطاقة الكهربائية ومد أسلاك جديدة وتأهيل المحطة الثانوية الموجودة داخل الحرم الجامعي وبكلفة تصل إلى (7) مليارات ستتحملها مشكورة وزارة الكهرباء تأكيداً على دعمها لقطاع التعليم.
تفخيخ المكتبة الآشورية
وأضاف المهندس احمد بحديثه لـ(المدى): كذلك انجزنا مشروع إعادة تشييد السياج الخارجي للجامعة على نفقة احد أبناء المدينة لمنع دخول السراق إلى داخل الحرم الجامعي، كما بدأنا تنفيذ برنامج متكامل مع قوات حماية المنشآت لغرض منع حالات التسلل إلى الداخل ومراقبة أروقة الجامعة عن طريق الكاميرات واعتماد التسجيل الفيديوي لمنع حصول عمليات نهب. مضيفاً: أن الجهد الهندسي للقوات الأمنية تمكن من رفع أكثر من 640 عبوة حتى الآن، كما أعطت هذه القوات عدداً من الشهداء خلال عمليات التطهير ورفع المخلفات الحربية، علماً أن هناك مبانٍ ما زالت مفخخة ولم ندخلها قبل قيام الجهات المختصة بتطهيرها مثل المكتبة الآشورية.
وبشأن التعاون الدولي والمحلي في اعادة اعمار وتأهيل الجامعة ورفدها بالمصادر العلمية والتاريخية، بيّن مدير قسم الاعمار والمشاريع في جامعة الموصل: ستقوم عدد من الجامعات الأوربية والأميركية بإعادة تجهيزها بالكتب والمصادر البارزة مثل جامعة السوربون، وهناك تعاون محلي بهذا الشأن، حيث أعربت رئاسة جامعة نيتها تقديم مكتبة رقمية هدية منها لجامعة الموصل. مسترسلاً: على الرغم من ذلك التدمير الهائل والذي تراوحت نسبته ما بين 100% و30% هناك مشاريع سلّمت مثل مشروع المستشفى الجامعي سعة 100 سرير والذي كانت إحدى الشركات التركية قد نفذته وجهزته بما يجعله مستشفى متكاملاً يستطيع تقديم خدماته لأبناء نينوى. مبيناً: أن المستشفى يضم أجهزة لغسل الكلى وأخرى لمرضى الأورام وأجهزة أشعة رنين. وأيضاً هناك مشروع يعد الأضخم من نوعه في الجامعات العراقية عامة، وهو مشروع إحياء المكتبة الآشورية حيث لم تطله يد التخريب وبقي على حاله، لكننا لم ندخله كونه مازال مفخخاً.
وفيما يخص الابنية التي يمكن أن تستقبل طلبتها، قال المهندس اسامة احمد: مستشفى الطب البيطري وكلية الهندسة الثانية وكلية التمريض والجناح الثاني من كلية الصيدلية. لافتاً: الى أجزاء كبيرة من ملاعب التربية الرياضية وقسم الموارد المائية في كلية الهندسة، وقسمي الإلكترونيك والميكانيك، وكذلك عمادة كلية الهندسة، معتقداً: أن الجامعة ستكون جاهزة لاستقبال طلبتها في شهر تشرين الأول المقبل، اذا ما استمرت عجلة الإعمار تمشي بهذه الوتيرة.
العثـور على وثائق نفيسة
تمتد جامعة الموصل على مساحة نحو 251 كيلومتراً مربعاً، وتضم 124 مبنى، هناك 12 مبنى مدمراً بالكامل، أما باقي المباني، فنسبة الدمار تتراوح بين خمسة و20 في المئة، غالبيتها جراء الحرق المتعمد. بعض المباني كانت مفخخة وتم تنظيفها بمعية القوى الأمنية على الجدران الخارجية لمباني الكليات، يمكن قراءة عبارة "آمن" أو"غير آمن" مطلية باللون الأحمر، أو عبارة "كانت مفخخة بالكامل". وأمام تلك المباني مقاعد دراسية محطمة فوق جبال من الركام.
أحد المسؤولين الإداريين في الجامعة لفت إلى أن "هناك فرقاً عدّة موزعة على الكليات كافة للقيام بأعمال الجرد والتأهيل. مشدداً: أن العمل مثمر جداً وقد أتى ثماره بوقت قياسي. مؤكداً: عثورهم على وثائق ومستندات وكتب نعتبرها كنوزاً. لكنه عاد وأبدى أسفه كون داعش أحرق مراجع تاريخية كثيرة. وهذا أمر يبعث إلى الحزن.
في حين ركز عدد من الطلبة على ضرورة الإسراع بإعمار الجامعة إن كان محلياً أو عبر الدعم الدولي آملين تعويض السنتين الماضيتين، أما الموظفون في الجامعة، فقد أعلنوا عن استعدادهم للمشاركة في حملات التأهيل والتنظيف مع الطلبة والتدريسيين لأجل إعادة الحياة إلى الجامعة. إلا أن الأمر وفق الطالب وسام شريف في حديثه لـ(المدى) يحتاج الى الكثير من الجهد والإصرار إن كان من قبل الطلبة والتدريسيين أو مجلس المحافظة، وحتى وزارة التعليم العالي. مطالباً بإنشاء صندوق تبرعات دولي يضع تحت وصاية منظمة دولية لأجل إعمار وتأهيل الجامعة بكل مفاصلها. مؤكداً: أن جامعتنا نبض مدينتنا التي سنعمل جاهدين على إعادتهما الى سابق عهدهما وأفضل.
تاريخ حافل بالعلم والمعرفة
تعود اللبنات الأولى لجامعة الموصل إلى العام 1959، وهو العام الذي باشرت فيه كلية الطب عامها الدراسي الأول في الموصل، إلا أن الظهور الفعلي لجامعة الموصل بوصفها مؤسسة علمية تربوية قائمة على أرض الواقع يعود إلى الأول من نيسان من العام 1967، وهو اليوم الذي صدر فيه القرار (14) الخاص بتأسيس جامعة عراقية باسم "جامعة الموصل".
وقد توسعت الجامعة على مدى سنوات عملها؛ فأصبحت تضم عشرين كلية، وسبعة مراكز بحثية، وستة مكاتب استشارية، وخمس عيادات ومستشفيات، وستة متاحف، وعدداً من المديريات والوحدات الفنية والإدارية. وتمنح الجامعة شهادات البكالوريوس والدبلوم العالي والدبلوم المهني والماجستير والدكتوراه في مئة اختصاص علمي موزعين في مجالات التخصصات المختلفة لأقسام الجامعة، وتتابع الجامعة المتخرجين فيها بعد توظيفهم في دوائر الدولة من خلال الدورات المتلاحقة لبرنامج التعليم المستمر الذي يهدف إلى إعادة معلومات المتخرجين وتحديثها من خلال إطلاعهم على أحدث الكشوفات العلمية. أما على صعيد دعم حركة البحث العلمي تفرض الجامعة على أعضاء أسرتها التدريسية نظاماً بحثياً متصلاً يؤهلهم للارتقاء علمياً والوقوف في الصفوف المتقدمة لمشهد تحديث العلوم وبراءات الاختراع وتقديم كل ما هو جديد. وفي ميدان المشاريع الموسوعية، فأصدرت موسوعة الموصل الحضارية في خمسة مجلدات، وموسوعة العراق الحضارية في أكثر من عشرين مجلداً، وللجامعة دَور في نشر التراث الإبداعي العربي حيث تكفلت بتقديم أول طبعة من كتاب "عقود الجمان في شعراء هذا الزمان" لابن الشعار الموصلي، الذي يقع في عشرة أجزاء جمعت مخطوطاتها من مختلف بقاع الأرض. كما تعتبر جامعة الموصل من أكثر جامعات العراق والشرق الأوسط التي تحتوي على مراكز الدراسات والبحوث والتطوير، اذ يبلغ عدد الكليات والمراكز الاستشارية فيها 51 مركزاً استشارياً وكلية، وأكثر من 8000 عدد التدريسيين والأساتذة المساعدين فيها. فيما يبلغ عدد طلاب الدراسات الأولية: 35000 طالب، وعدد طلبة الدراسات العليا: أكثر من 1200 طالب، بحسب الإحصاءات الرسمية من رئاسة الجامعة.