في امسية صيفية هادئة، وبينما كان رب الاسرة جالساً بين عائلته الصغيرة في حديقة المنزل كعادته، طرأت في خاطره فكرة أراد منها اختبار نسبة الخوف لدى اولاده ـ الذكور منهم طبعا ـ ومحاولةً منه لزيادة جرعة الشجاعة لديهم ولمدهم بالصلابة والقوة، فقد قرر تنفيذ الفكرة في الحال..
كان المنزل كبيراً جداً تحيط به حديقة من جميع جهاته تشبه بستاناً متكاملاً لكثرة اشجارها وتشابكها ولم تكن الحديقة مزدانة بالمصابيح فيما عدا واجهة المنزل، فقد كان ظلامها يبعث قشعريرة في النفوس الغضة كنفوس الاطفال مثلاً...
طلب الأب من ولديه الأكبرين القيام بدورة كاملة حول المنزل الكبير وسط الظلام مقابل منحهم ديناراً كاملاً ـ يوم كان الدينار الازرق يعني الكثير لحامله.
شعر الابن الأكبر بالخوف الشديد ـ قبل خوض التجربة ـ لأنه كان مسالماً يتجنب خوض أي تجربة لاختبار القوة أو الشجاعة بين أقرانه، ولأن قلب الأم لا يحتمل حصول أي اذى للأبناء فقد تسللت دون علم الزوج ما ان بدأ ابنها الاكبر دورته المرعبة وحاولت ان تشعل له نور الحمام الداخلي ليضيء له خلفية المنزل دون أن يلحظ الأب ذلك لكن المؤامرة انكشفت وقام الاب بتوبيخ الابن والأم معا ونعت ابنه بصفة "التخاذل" التي ستظل لصيقة به لفترة حتى يثبت عكس ذلك في امتحان آخر.. الابن الاصغر كان "شيطاناً" بين رفاقه وكان يتحلى بالجرأة والشجاعة وبرغم ان الاختبار لم يكن بالغ السهولة بالنسبة له الا انه لم يتراجع لحظة واحدة عن خوضه ليحصل على الثناء والدينار معاً، وبالفعل فقد سحب نفساً عميقاً وبدأ دورته وعاد منها بعد قليل شاحب الوجه منقطع الانفاس لكنه كان سعيداً مبتهجا لأنه خاض التجربة حتى آخرها. والغريب انه لم يكن اكثر سعادة بالحصول على الدينار! فسعادته الحقيقية كانت في نجاحه في خوض التجربة وقدرته على التحدي وكسر شوكة الخوف في نفسه... من يومها، لم يعد الابن الاصغر يخشى شيئاً وصار اقدامه على خوض التجارب القاسية والخطرة اكبر من ذي قبل فقد امتلك سلاحاً داخلياً لمجابهة الخوف والقضاء عليه... والاجمل من ذلك كله هو انه لم يشعر بالشماتة تجاه سلوك اخيه بل مد له يده ودار به من جديد حول المنزل ليقول له ان الخوف يسكن النفس فقط أما الطريق فخالٍ من مسببات الخوف...
كان هذا قبل ان يصبح طريق العراقيين مدججا بالخوف والقلق والغضب ايضا وهو ماجعل العراق يتصدر 142 دولة عربية ضمن قائمة الشعوب الاكثر غضبا وفق استطلاع أجرته مؤسسة غالوب الدولية اذ تبين ان العراقيين يعانون من المشاعر السلبية أكثر من غيرهم واهمها الخوف والقلق والغضب والآلام الجسدية ...ولكي يكسروا كل هذه الحواجز ويعيشوا حياتهم بصورة ايجابية لابد ان تزول اسباب تلك المشاعر السلبية ، ولأنها دائمة بدوام مسببيها ومستمرة باستمرار الاوضاع الخاطئة في البلد ، يظل الخوف يسكن النفوس والقلق يمحو أي أمل بالمستقبل ويختطف كل لحظة فرح ويملأ النفوس بحزن أبدي ، وكل ماسبق يورث غضبا سيجعل العراقيين يتصدرون كل الدول في مايمتلكونه من خزين المشاعر السلبية ، ولن ينجحوا –كما نجح الطفل الجريء – في كسر حاجز الخوف لأنه يسكن نفوسهم وليس طرقاتهم فقط !!
مشاعر سلبية
[post-views]
نشر في: 3 يوليو, 2017: 09:01 م