فعالية الناشطين المدنيين في ثالث أيام العيد بمدينة الموصل بحسب منظميها ومن شارك فيها كانت تهدف الى تعزيز وحدة الشعب العراقي ، والتخفيف من معاناة مريرة عاشها الأهالي في ظل سيطرة تنظيم داعش . حقق الناشطون بالاغنية والقصيدة والفيلم السينمائي ما عجز عنه السياسيون .
منتصف تسعينيات القرن الماضي غادر الشاب ستار جبار حسن العراق متوجها الى هولندا ، درس الموسيقى متخصصا بالايقاعات الشرقية القديمة ، دعمها ببحوث ودراسات ، مستعينا بمكتبة جامعة امستردام الضخمة بما تضم من مصادر عن موسيقى بابل واشور وغيرهما من المدن العراقية القديمة ، موسيقى الزمن القديم نشأت في المعابد ، كانت تؤدي وظيفة دينية ، فأصبحت جزءا من الطقوس المقدسة للتقرب الى الآلهة ، لها مواعيد ثابتة لأقامتها عادة ما تكون مع بداية حلول فصل الربيع .
الموسيقي العراقي المقيم حاليا في هولندا اصبح مدرسا في احدى كلياتها الفنية لمادة الايقاعات الشرقية القديمة ، لم يقتصر جهده على هذا النشاط ،بل تعداه الى تدريب فرقة الكورال لاداء الاغاني العراقية القديمة باصوات شابات هولنديات . سخر فرقته وبمشاركة بعض زملائه لتنظيم فعاليات فنية في عواصم اجنبية لدعم النازحين ، من خلال الفن استطاع ان يوفر مساعدات سلمها الى منظمات دولية لتقوم بتأمين وصولها الى مخيمات.
الفن العراقي القديم وصل الى بقاع واسعة الى العالم ، لفت انتباه الجمهور ، فأثار اعجابهم ولاسيما ان تاريخه يعود الى آلاف السنين قبل الميلاد ، يعكس مظاهر حضارية اندثرت ، ومن حسن حظ البشرية ورد بعض تفاصيلها في الرقم الطينية ، ولعل ما يلفت النظر في بعض ما ورد في الرقم الطينية ان رجال السلطة في مدن العراق القديمة ورجال الدين والكهنة ، كلفوا احد الاشخاص بمهمة حراسة "الطبل المقدس" لقاء أجر ، فضلا عن تمتعه بمكانة اجتماعية واعتبارية ، لا تقل مكانةً عن ضارب الطبل نفسه المسؤول عن ضبط ايقاع الاحتفال الديني.
قبل الاف السنين كانت الموسيقى في العراق القديم تصل الى مرتبة التقديس ، ولارتباطها بنشاط ديني ، بوصفها اداة لتطهير النفوس ، كما الدراما الاغريقية والرومانية الغاية منها تطهير ادران بني البشر . الاطراف المشاركة في الحكومة لم تضع في برامجها السياسية فقرة تؤكد اهتمامها بالفنون والاداب ، بل بعضها اتخذ موقفا متشددا ضد الجمال ، فشمله بدائرة التحريم ، فانعكس ذلك على انحسار النشاطات الفنية في مدن عراقية عرفت حارس الطبل المقدس ومنحته امتيازا يليق بمكانته في ضبط العلاقة بين عامة الناس والالهة .
غياب "حارس الطبل المقدس " خلّف لعنة في بلاد تعرضت الى حروب وكوارث ، ونكبات ، بلد لا يحترم الموسيقى ويعدها رجسا من الشيطان ، لا يجيد اختيار الزاوية المفضلة للنظر الى مستقبله وهنا تكمن ام الكوارث ، انطلاقا من الفهم الخاطئ للفنون هناك من قلل من أهمية فعالية الناشطين المدنيين ، لانهم من وجهة نظره يرغبون في نصب الجالغي الموصلي في اطلال المدينة ، متجاهلا حقيقة ان الشباب قادرون على مواجهة الخراب وتجاوز السياسيين بمبادرات وفعاليات تحبط أصحاب مشاريع العزف على الوتر الطائفي .
الجالغي الموصلي
[post-views]
نشر في: 3 يوليو, 2017: 09:01 م