لا ينكر أحد ما لدور الفن، وبخاصة السينما في بناء الشخصية وتغذيتها بالافكار والقيم والمشاعر والسلوكيات، ولذلك نجد أن الحكومات وخاصة الغربية منها وامريكا تنفق أموالاً طائلة كل عام في تطوير قطاع السينما وتوفير صالات العرض الحديثة التي تستوعب كل تقنيات ا
لا ينكر أحد ما لدور الفن، وبخاصة السينما في بناء الشخصية وتغذيتها بالافكار والقيم والمشاعر والسلوكيات، ولذلك نجد أن الحكومات وخاصة الغربية منها وامريكا تنفق أموالاً طائلة كل عام في تطوير قطاع السينما وتوفير صالات العرض الحديثة التي تستوعب كل تقنيات السينما الحديثة، كذلك تشجيع شركات القطاع الخاص وتوفير كل سبل العمل والنجاح لها من اجل الارتقاء بمستوى هذا الفن الصوري، بحيث يكون احد دلالات الحياة الجديدة ونموذجاً للحداثة والمدنية والتحضر..
لقد هيمنت السينما الامريكية بمواضيعها وطرق انتاجها الحديثة على ذائقة المشاهد في كل انحاء العالم واصبحت أفلام الاكشن التي ابتكرتها الماكنة السينمائية الامريكية علامة لفن الحاضر والمستقبل، وانتهت على يديها السينما الواقعية والرومانسية والتي كانت تلبي ذائقة المواطن، وتحلق بخياله وتثري عاطفة الحب لديه، لعقود من الزمن..لقد سُئل الفنان الفرنسي الان ديلون، قبل سنين، عن السينما الفرنسية والتي كانت نموذجاً للسينما الرومانسية في العالم، فأجاب والمرارة على وجهه، بأن السينما الفرنسية قد انتهت على يد سينما الاكشن الامريكية وليست السينما فقط، بل أن خصوصية الحياة الفرنسية قد تلاشت وتمت استعارة نموذج الحياة الامريكية كبديل عن الحياة الفرنسية..لقد تسببت سينما الاكشن الامريكية وطابعها العنفي وسرديتها التي تعتمد الصراع بين المؤسسات والشركات وتغليب البطولة الفردية وافتقار معظم الأفلام الى لغة الرحمة والعطف والتسامح الى نمو التوتر النفسي للمشاهدين في كل بقاع الأرض ، لم يعد للحوار والجدل أي دور في حل النزاعات الشخصية والمجتمعية، امتلاكك للمال والسلطة والسلاح هو الحل الوحيد للقضاء على الخصم وقتله بأبشع الصور دون مراعاة للآثار النفسية التي تترسب في اذهان المشاهدين، لم يعد يرى المشاهد في موجة الافلام العالمية ذات الطابع الاكشن الامريكي الا أنهاراً من الدم ومدناً من الخراب ومستقبلاً أسود يتربص بكل المشاركين بهذه الحبكة السردية في داخل الفيلم وخارجه وقد تشمل المشاهد وتجر قدميه في واحدة من الصراعات التي تشتعل في كل بقاع العالم..لقد تعلمت الناس في السابق لغة الحب من الافلام وكانت موضة ملابس الممثلين وتسريحات شعورهم ومفردات كلامهم وبوصلات افكارهم يستعيرها المشاهد الذي يحاول أن يتقمص سلوك أحد الابطال ويقلد حركاته ليضفي على شخصيته بصمة خاصة تميزه عن الآخرين وتضفي عليه ملامح الرقي والتحضر ..اليوم يستعير المواطن من سينما الاكشن طرق القتل الفريدة والتمثيل بالجثث وادهى الحيل للتخلص من الخصوم ..من يرى داعش وطريقة تعاملها مع خصومها سيتبادر الى ذهنه أن مخرج الفيلم الامريكي وفيلم داعش واحد .. افلام الاكشن الامريكية تمجد البطولة الفردية وكلنا يتذكر افلام روكي للممثل سيلفستر ستالون بأجزائها السبعة وكيف احتفت بها الحكومة الامريكية واعتبرت روكي نموذجاً للمواطن الامريكي الصلب والذي لا يرتجف قلبه ولا يعتريه الضعف لأية تحديات تواجهه ويقضي على خصومه كسوبر مان، والآخرون كحشرات يسحقهم بأبشع الطرق اللا إنسانية مقابل أن يقر الجميع بتفوق هذا النوع من البشر العصابي والذي يمثل بنظر منتجي السينما والحكومات الامريكية النموذج الذي يجب أن يكون على شاكلته كل الامريكان وأن يحافظ على امريكا ومستقبلها حتى لو تم القضاء على الجنس البشري كله..منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي وتراجع الفكر الاشتراكي وامريكا تحاول أن تفرض على العالم، تحت يافطة الديمقراطية، شكل الحياة وانماط العيش والسلوك التي يجب أن تسود الأرض، لم تجد سوى ثقافة الصورة والسينما بشكل خاص، باعتبارها اسرع خطاب ممكن أن يرسخ الثقافة الامريكية للشعوب كافة، من يراقب مشهد ارتطام الطائرات ببرجي التجارة العالمية في نيويورك سيجد إن هذا المشهد متقن الصناعة في مدن هوليود السينمائية، لقد تعلم العالم من السينما الامريكية كيف تختطف الطائرات وكيف تفخخ الأمكنة وكيف تتم الاغتيالات وكيف تتعلم فنون القتل وتخرب خارطة العالم من اجل أن تحقق فكرتك حتى لو كانت على خطأ لأن في حسابات الديمقراطية الجديدة ليس هناك من حقيقة أو فكر انساني ممكن أن يجمع الناس تحت خيمته، بل أن الانسان هو مركز الكون وهذا الانسان هو الامريكي المثالي وهو خاتمة التاريخ وعنوان الحقيقة وما يؤمن به يجب أن يتحقق حتى لو كلف ذلك اثماناً باهظة.. داعش صناعة امريكية بامتياز، وهذا ما أكده القادة الامريكان، كما أن كل التيارات الدينية في العالم اسلامية وغير اسلامية سياسية أو فصائل قتالية ارهابية، تعتبر ان النموذج الامثل للعيش هي الحياة الامريكية، وهذا الأمر لم يأت من فراغ بل له جذور دينية وفلسفية واقتصادية، كما انها ثقافة غُرست في عقول الدينيين وأحد مغذياتها الرئيسة هي السينما الامريكية.. الرمز الخارق عنوان سينما الاكشن وسياسة امريكا اليوم ، كم هو الشبه كبير بين ابي بكر البغدادي وابطال السينما كآرنولد شوارزنجر ونجوم السينما الكبار، البغدادي يعد انصاره بأنه سيكتسح العالم ويبني خلافته الاسلامية المزعومة على جماجم الناس وانهار الدم وارنولد بلدوزر بشري للموت في السينما يبشر المشاهدين بأنه سيبني مملكته القوية بفناء اعدائه وسيحكم العالم بإرادته الامريكية، لقد تحقق حلم ارنولد السياسي حين اصبح حاكماً لإحدى المدن الامريكية الكبيرة وأكيد يراوده الحلم يوماً ما أن يحكم امريكا لتكون بطولاته في افلامه حقائق تاريخية حين ينقل الرعب والموت الى كل اصقاع الأرض بحجة تحقيق الحلم الامريكي في التفوق والبقاء الأزلي وتشييد الخلافة الهرقلية والوصاية على الشعوب واذلالها وتركيعها..العالم اليوم متوحش وبربري لا رحمة فيه، الموت مجاني وكل شيء مباح ما دامت الحرية الزائفة مصانة، الحب والشفافية والغزل والشوق والهيام والرحمة والانسانية والأخلاق وووو.. مفردات لغوية سقطت من قاموس الحياة لأنها اصبحت فاسدة ولم تعد السينما تلتفت اليها وحتى اغاني اليوم لم تعد عاطفية، ففيها الموت والملاحقة وكليباتها حافلة بالعنف والقسوة والهمجية.. غياب الانسانية في النظام الرأسمالي انعكس في كل نواحي الحياة الفوقية ومنها السينما، وكلما تزداد ازمة النظام الراسمالي تطفو على السطح اخوات لداعش تفوقها في ابتكار وسائل البطش والجريمة. تبقى داعش وما سيأتي بعدها وجوهاً للسياسة الاستعمارية الاحتكارية ومرآة لفنونها وبخاصة السينما التي اصبحت تمثل حاضر ومستقبل البلدان..