| الحلقة 13 |
في كتابه الذي صدر مؤخرا بعنوان (معضلات لينين )يتساءل المفكر طارق علي حول امكانية حدوث الثورة الروسية بدون وجود لينين وهو يقدم نظرة ثاقبة لشواغل لينين العميقة ويؤكد وضوح ونشاط صيغه ا
| الحلقة 13 |
في كتابه الذي صدر مؤخرا بعنوان (معضلات لينين )يتساءل المفكر طارق علي حول امكانية حدوث الثورة الروسية بدون وجود لينين وهو يقدم نظرة ثاقبة لشواغل لينين العميقة ويؤكد وضوح ونشاط صيغه النظرية والسياسية. وفي هذا المقتطف من مقدمة الكتاب الذي نشره موقع فيرسو يشرح الكاتب كيف أنه لولا وجود لينين لما كانت هناك ثورة اشتراكية في روسيا في عام 1917:. لماذا اتحدث عن لينين؟ أولا، لأن هذه السنة تصادف الذكرى المئوية للثورة العظيمة الأخيرة في أوروبا. وعلى عكس سابقاتها، فان ثورة أكتوبر 1917 غيرت مبادئ السياسة العالمية، وفي مجرى هذه العملية،اعادت صياغة تاريخ القرن العشرين بشنها هجوما على الرأسمالية وامبراطورياتها، وسرعت من عملية التخلص من الانظمة الاستعمارية.
ثانيا، إن أيديولوجية اليوم المهيمنة وهياكل السلطة التي يدافع عنها هي معادية للغاية للنضالات الاجتماعية والتحريرية التي شهدها القرن الماضي، وانعاش الذاكرة التاريخية والسياسية بقدر الإمكان يصبح عملا من أعمال المقاومة لهذه الهيمنة . في هذه الأوقات السيئة، فان الافكار والاعمال المناهضة للرأسمالية اصبحت محدودة النطاق .. والهدف من الكفاح المعاصر ينبغي ألا يتمثل في تكرار الماضي أو تقليده، بل استيعاب الدروس السلبية والإيجابية التي يقدمها. ومن المستحيل تحقيق ذلك مع تجاهل موضوع هذه الدراسة.وحدث و لفترة طويلة خلال القرن الماضي، ان أولئك الذين كانوا يبجلون لينين كانوا يجهلونه إلى حد كبير. كانوا يقدسونه ، ولكنهم نادرا ما قرأوا مؤلفاته . في كثير من الأحيان، وفي كل قارة من قارات العالم ، كان يساء تفسير لينين وكان يستخدم لأغراض نفعية : من قبل الأحزاب والحركات الكبيرة والصغيرة التي ادعت ولائها له.
عبادة لينين، التي كان يكرهها حتى في أقل صورها ، كانت كارثة على فكره. كانت نصوصه، التي لم يقصد بها أن تكون نصوصا مقدسة غير خاضعة للنقاش ، مما جعل من الصعب فهم نظريته السياسية. وهذه الظاهرة يجب ان توضع في سياق تفاعل عمليتين تاريخيتين. كان لينين نتاجا للتاريخ الروسي والحركة العمالية الأوروبية. وقد طرح كلاهما أسئلة عن الطبقة والحزب، وصيغ العمل وادواته وهكذا يمكن تحديد التوليف الذي وضعه لينين من خلال تداخل اثنين من التيارات المختلفة للغاية التي يمكن وصفها، على نطاق واسع، بأنها الفوضوية والماركسية.وقد لعب دورا حاسما في انتصار الماركسية .
وهذا هو السبب في أنه قبل الانتقال إلى مناقشة بعض المشاكل المحددة التي واجهها لينين والبلاشفة، سأشرح بإسهاب تاريخ عصر ما قبل ذلك التيارين . وبدون ذلك ، لن يكون من السهل فهم المعضلات التي واجهت لينين.
يشطح الخيال عند سوء فهم لينين وتروتسكي (هو ماركسي بارز وأحد زعماء ثورة أكتوبر في روسيا عام 1917 إضافة إلى الحركة الشيوعية العالمية في النصف الأول للقرن الماضي ومؤسس المذهب التروتسكي الشيوعي بصفته إحدى فصائل الشيوعية الذي يدعو إلى الثورة العالمية الدائمة ، وتسلم بعدها مفوضية الحرب ، وهو أيضاً مؤسس الجيش الأحمر ، وقوى من خلالها كيان الجيش الأحمر، كما أنه عضو المكتب السياسي في الحزب البلشفي إبان حكم لينين، كان له الأثر الفعال في القضاء على أعداء الثورة، عينه لينين مفوض العلاقات الخارجية عندما أسس حكومته البلشفية الأولى عام 1917، حيث يعتبره أفضل العقول في الحزب الشيوعي، وأقدر من لينين في بعض الأمور ، فعملا جيداً مع بعضهما، وأعتقد أغلب الشعب الروسي أن تروتسكي سوف يخلف لينين في رئاسة الحزب ولكن ستالين كانت له سلطة قوية أيضاً فانتصر في النهاية هازماً تروتسكي.) الى اعتبارهم ليبراليين مختبئين تحت قناع معين. ومهما كان رأي المرء بهما،فان وضوح كتابتهما يترك مساحة صغيرة للتفسير السيئ. وكما ذكرنا بيري أندرسون مؤخرا، فإن مصير غرامشي، وهو المفكر الكبير الثالث ، كان مختلفا بعض الشيء ولأسباب محددة تتعلق بسجنه من قبل الفاشيين الإيطاليين.
اهم الاشياء اولا. انه بدون لينين لم يكن من الممكن ان تكون هناك ثورة اشتراكية في عام 1917. و يمكننا أن نكون متأكدين من هذا الامر. وقد أدت الدراسات الجديدة للأحداث إلى تقوية هذا الرأي تماما. فالفصيل وبعد ذلك الحزب الذي أنشأه بشق الأنفس من عام 1903 فصاعدا لم تكن مهمة مجرد إثارة الثورة خلال الأشهر الحاسمة بين فبراير / شباط وأكتوبر / تشرين الأول 1917، وهي الفترة الأكثر حرية على الإطلاق في التاريخ الروسي. وكانت الغالبية العظمى من قيادته، قبل عودة لينين، مستعدة لتقديم تنازلات بشأن العديد من القضايا الرئيسية. الدرس هنا هو أنه حتى الحزب السياسي – والذي تم تدريبه وتعليمه لهدف واحد على وجه التحديد وهو القيام بثورة - يمكن أن يتعثر، ويفشل ويتردد في اللحظة الحرجة.
ورغم ان البلاشفة كحزب كانوا في المقدمة ستراتيجيا وتكتيكياً قبل نيسان 1917.فانه لا يمكن لأي حزب أن يكون مصيبا طول الوقت. وكذلك الحال مع القائد السياسي، حتى ولو امتلك صفات استثنائية وكان يتمتع بقوة الإرادة. ولكن في هذه الحالة بالذات، أدرك لينين أنه إذا لم يتم انتهاز الفرصة التاريخية ، فإن الانتصار لن يتحقق ابدا. وسارت الأحداث في صالحه وجعل القيادة الحزبية المترددة تقف خلفه من خلال كسب تأييد القاعدة الشعبية للبلاشفة والأهم من ذلك أن الجنود تركوا تماما ساحات القتال . وقد لعبت شعارات المحرضين البلاشفة في الخطوط الأمامية دورا كبيرا في جعلهم يفكرون مع انفسهم ويهمسون لبعضهم البعض في الخنادق أو يتشاركون في عمليات الهروب الجماعية. وسلم التاريخ هدية الى لينين في شكل الحرب العالمية الأولى. فاخذها بكلتا يديه واستثمرها للقيام بالتمرد. إنها الثورات التي تصنع التاريخ. وكان الليبراليون من كل نوع، باستثناءات نادرة، يقفون على الجانب الآخر.
كانت الحرب العالمية الأولى معضلة لينين الأولى. وكان الشخص الذي اعجب به أكثر من غيره وكان يعتبره معلمه هو الاشتراكي الألماني كارل كاوتسكي. وكان استسلام هذا الأخير لحمى الحرب في ألمانيا قد صدم لينين. كان يعتقد أن فهم ماركس كان كافيا لان يمتلك المرء مناعة بوجه معظم الأوبئة الفكرية، وخاصة الحماس للحروب الإمبريالية. حل المشكلة من خلال لقاء غاضب مع الحزب الاشتراكي الألماني، ووافق على تعريف روزا لوكسمبورج بأنها "جثة نتنة". و للأسف، تبين أن ليس الامر كذلك . فتلك "الجثة" كانت تجثم على صدور العمال الألمان حتى ذلك الحين.
أما المعضلة التالية التي كان عليه أن يواجهها، فهي تتعلق بالسبيل إلى الثورة. فبعد شباط - فبراير 1917 لم يكن هذا سؤالا مجردا. اختار لينين القيام بثورة اشتراكية، مما خلق الفوضى داخل حزبه. وفي وقت ما، وصف البلاشفة القدماء بأنهم "محافظون" وغارقون في مستنقع المركزية والجمود الفكري ولم يعيدهم إلا بعد أن أدركوا أن عمال بتروغراد يتقدمون سياسيا.
لقد جرت مناقشات طويلة حول دور الأفراد في التاريخ. وقد واجهت الرؤية التي سادت في القرن الثامن عشر من أن التاريخ يرسمه الأفراد الواعون تحديا قويا في القرن الذي تلاه، ومن العديد من المؤرخين البارزين قبل الماركسيين الذين كانوا يؤمنون بانه لا يمكن تفسير الاحداث التاريخية دون تحليل الظروف الاجتماعية والاقتصادية. وحازت على قبول الكثيرين الفكرة التي صاغها ماركس وإنجلز والقائلة أن القوى الاجتماعية والمادية تهيئ الظروف التي يتحول فيها الأفراد ويتصرفون بطريقة يمكن أن تكون مستحيلة في ظروف مختلفة وعلى مدى معظم سنوات القرن العشرين. وهذا ينطبق على الأفراد من جميع الأنواع: نابليون وبسمارك وكذلك لينين وماو تسي تونغ وهوشي مينه وفيديل كاسترو.
لو تأخرت الثورة الإنجليزية، لما كان أوليفر كرومويل وعائلته قد عبروا المحيط الأطلسي واستقروا في معقلهم في نيو إنغلاند. ولو لم تحدث الثورة الفرنسية، لما كان بونابرت قد غادر فرنسا كما كان يخطط للقيام به وسعى للحصول على عمل في الجيش الإمبراطوري الروسي. وكما كتب كروبوتكين في تاريخه الكلاسيكي للثورة الفرنسية، هذا الكتاب الذي أصبح جزءا من التراث المشترك للحركة الثورية الروسية،:
وهذا هو السبب في أن الثورة الفرنسية، مثل الثورة الإنجليزية في القرن السابق، حدثت في الوقت الذي أصبحت فيه الطبقات الوسطى، التي كانت في حالة انتشاء عميقة بمصادر الفلسفة الحالية، واعية بحقوقها، ووضعت مخططا جديدا للتنظيم السياسي. فقد كانوا يشعرون بأنهم قادرون جدا على الاستيلاء على الحكومة من خلال انتزاعها من الأرستقراطية الحاكمة التي كانت، بسبب عجزها، تافهة وفاسدة، تؤدي بالمملكة إلى الانهيار . لكن الطبقات المتوسطة والمتعلمة لم يكن بإمكانها أن تفعل شيئا بمفردها، إذ لم تكن جماهير الفلاحين، نتيجة لسلسلة كاملة من الظروف، قد تحمست أيضا، وبسبب سلسلة من عمليات التمرد المستمرة التي استمرت لمدة أربع سنوات، بسبب عدم الرضا بين الطبقات الوسطى عن الملك ، تمت الاطاحة بالمؤسسات القديمة وتغيير الدستور السياسي للمملكة.
وبدون الحرب العالمية الأولى وثورة شباط / فبراير 1917، كان يمكن ان يموت لينين في المنفى، وهو احد الثوريين الروس الذين كان من الممكن أن لا يشهدوا سقوط الحكم الاستبدادي. وكان يمكن ان يصبح تروتسكي بسهولة روائيا روسيا من النمط الكلاسيكي. ولكن حتى عندما تكون الظروف مؤاتية للاضطرابات الثورية، نادرا ما تكون هناك حركات سياسية قادرة على الاستفادة منها. فالعصيان والانتفاضات والثورات الفاشلة تملأ تاريخ عالمنا. لماذا انهزم سبارتاكوس ؟ لماذا انتصر توسان لوفيرتيور؟ كل إجابة مدمجة في تاريخ العصور التي عاشوا فيها. وكذلك الامر مع، لينين.
وكان المستشار المتصلب في ألمانيا التي تم إنشاؤها حديثا هو الذي أصر على التقليل من دوره، مجادلا بموقف المحافظين الذكي في خطابه إلى رايخستاج ألمانيا الشمالية في عام 1869:
ايها السادة، لا يمكننا تجاهل تاريخ الماضي ولا صنع المستقبل. أود أن أحذركم من خطأ تسرع البعض معتقدين انهم يسابقون الزمن ،.لقد تمت المبالغة بتأثيري على الأحداث ولا يمكن لأحد أن يطالب بأن أصنع التاريخ. ولن أستطع أن أفعل ذلك حتى بالتعاون معكم، على الرغم اننا، يمكن أن نقاوم العالم كله سوية . ولكن لا يمكننا أن نصنع التاريخ: يجب أن ننتظر لنرى ما يحدث . ولن تجعل الفاكهة تنضج بسرعة أكبر من خلال تسليط الحرارة عليها فإذا قطفنا الفاكهة قبل أن تنضج فإننا لن نفعل سوى منع نموها وافسادها.
كان ذاك هو بسمارك (رجل دولة وسياسي بروسي - ألماني شغل منصب رئيس وزراء مملكة بروسيا بين عامي 1862 و1890، وأشرف على توحيد الولايات الألمانية وتأسيس الإمبراطورية الألمانية أو ما يسمى بـ "الرايخ الألماني الثاني"، وأصبح أول مستشار لها بعد قيامها في عام 1871، حتى عزله فيلهلم الثاني عام 1890، ولدوره الهام خلال مستشاريته للرايخ الألماني أثرت أفكاره على السياسة الداخلية والخارجية لألمانيا في نهاية القرن التاسع عشر، لذا عرف بسمارك بلقب "المستشار الحديدي".
بعد وفاته، اتخذه القوميون الألمان بطلهم القومي، كما أشاد المؤرخون بدوره كرجل دولة ساهم في الوحدة الألمانية، واستخدم سياسة توازن القوى للحفاظ على السلام في أوروبا في سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر.)أما ورثته ، والأكثر دقة، نيران المدفعية الألمانية فقد انضجت الفاكهة في روسيا. قبل الأوان كان لينين واثقا من أنه بمجرد أن يتم تطعيم أشجار الفاكهةفي ألمانيا وروسيا معا، فإن بقية القارة، باستثناء بريطانيا، ستكون مهيئة للثورة. وأيا كان الامر ، فلم يكن خجولا من صنع التاريخ، ومن ضغط تجربة عقد من الزمان في يوم واحد. ولكن الأحداث لم تتكشف تماما عما كان يتوقعه في بقية أوروبا، ولكن لأسباب طارئة بدلا من الظروف الموضوعية.
وهذا هو السياق الذي بدونه لا يمكن فهم تاريخ الثورة الروسية.
فعلى سبيل المثال، انتهت مرحلة الإرهاب في القرن التاسع عشر،و التي ارتكبها جزء كبير من المثقفين الليبراليين، عندما صوتت القيادة التي كانت تمثل إرادة الشعب بالإجماع على البند الوحيد على جدول الأعمال: تنفيذ حكم الاعدام بألكسندر الثاني دون مزيد من تأخير.و تم تنفيذه بنجاح ابان حكم صوفيا بيروفسكايا. وخلال القمع الذي أعقب ذلك،وتم سحق المجموعات الصغيرة التي نجت. ولا ينبغي التقليل من شأن تأثير هذه الأحداث على جميع الأحزاب السياسية الروسية التي نشأت خلال العقد الأول من القرن العشرين.
وقد ساعد التفكير المرغوب فيه من جانب المؤرخين والمعتقدين الليبراليين في الحفاظ على وجهة النظر التي تعتقد ان البلشفية كانت "انحرافا"، فقد تدفق مسار الديمقراطية الروسية بسلاسة وتغذى في أوروبا الغربية. و شكّل هذه الديمقراطية التي تدفقت بسلاسة؟ لم يحدث ذلك في عام 1991 باكثر مما حدث في عام 1917. في الواقع، واستنادا الى علاقة القوى السياسية والحرب المستمرة، فإن السيناريو الأكثرترجيحا كان صعود ديكتاتورية عسكرية قاسية إلى السلطة من خلال مذابح جماعية وانتشار القمع على نطاق واسع، مع دعم موقف إبقاء روسيا في الحرب.
لقد أنتجت ثورة شباط - فبراير حكومة ضعيفة غير قادرة على التعامل مع الأزمة وملتزمة بالحرب. ولم يكن هناك سوى قوتين يمكن أن ينجحا في سد الفراغ: البلاشفة، بعد أن تلقوا دورة إعادة التأهيل النشطة من لينين، والجنرالات كورنيلوف،و دينيكين، وكولتشاك ورانجيل وفوج رانجل، الذي قاد البيض خلال الحرب الأهلية التي أعقبت الثورة .
وعندما لا يكون هناك حزب ثوري أو حزب هزم وقطع رأسه، فإن رد الفعل لن يكون الإصلاح بل الاستبداد. وقد ظل هذا النمط ثابتا من كافيغناك ولويس نابليون إلى غروينر ونوسكي وموسوليني وهتلر ومن سوهارتو إلى بينوشيه وفي عمل كل رئيس أمريكي تقريبا.
لماذا كان يمكن ان تشهد روسيا مساراً مختلفا لو لم تكن هناك ثورة أو ان الجيش الأحمر قد خسر الحرب الأهلية؟ غالبا ما يقلل المؤرخون الليبراليون والمحافظون من أحداث أكتوبر 1917 ويصفوه "انقلاب". ولم يكن هذا هو الحال. صحيح أن البروليتاريا الحضرية التي استندت إليها الثورة نفسها كانت أقلية من السكان، يسيطر عليها فلاحون انتشروا في المناطق الريفية الكبيرة في البلاد، وأيدوا المراسيم البلشفية المتعلقة بملكية الأراضي مباشرة بعد أكتوبر / تشرين الأول. وبدون هذا الدعم المتنامي بين الفلاحين الفقراء، لم يكن بإمكان البلاشفة الانتصار في الحرب الأهلية. إن رأي لينين بأن الأغلبية الستراتيجية اللازمة للنجاح يجب أن تكون لها قوة حاسمة في المكان الحاسم في الوقت الحاسم كان له معنى محدود نسبيا في روسيا.
ولم يتحدد تاريخ للثورة إلا بعد أن فاز البلاشفة بأغلبية في السوفييت. ويمكن أن ينتقد لينين لانه ركز حصرا على العمال، ولكنه كان يتبع هنا تعاليم الرجلين الكبيرين المؤسسين للحركة،وهما ماركس وإنجلز. وكان هذا هو السبب أيضا في حل الجمعية التأسيسية في تشرين الثاني 1917. وهنا قال البلاشفة أن مجالس السوفييت كانت شكلا أعلى من الديمقراطية، وأنهم لن يضيعوا الوقت في مناقشة الثوريين الاشتراكيين في مواضيع عفا عليها الزمن بعد نجاح الثورة. إلا أن التصويت للبلاشفة في هذه الانتخابات،كان يدل على دعم كبير في المدن. ومن أصل ما مجموعه 37.5 مليون صوت مدلى بها، صوّت 16 مليونا (أساسا في المناطق الريفية) لصالح الثوريين الاشتراكيين ، و 10 ملايين شخص (أساسا في المناطق الحضرية) للبلاشفة و 1.3 مليون شخص (منهم 000 570 في القوقاز) لصالح المناشفة.
فالفترات الثورية يرافقها دائما تذبذبا كبيرا في الوعي السياسي لا يمكن تسجيله بدقة في أي استفتاء. وحقيقة أن الحاميات في بتروغراد وموسكو وصلت بسرعة إلى جانب البلاشفة كان أمرا يتعلق بتسارع الكوارث على الجبهة. فلم يكن الفلاحون الذين يرتدون الزي العسكري، والذي جعلتهم الحرب يحملون افكارا سياسية متطرفة ، يرغبون في القتال لفترة أطول من أجل نظام غير مهتم بهم أو أسرهم أو رفاههم أو الظروف التي عاشوا فيها. وكان شعار لينين البسيط الذي يجسد البرنامج البلشفي الانتقالي - "الأرض والسلام والخبز" - رائعا (كما اضطر للاعتراف بذلك العديد من أعدائه). فقد وضع وراء كل كلمة منه مجموعة من الأفكار التي تمثل ستراتيجية البلاشفة.
لا يمكن لأي حزب من الطليعة الثورية أن ينتصر من تلقاء نفسه. وهذا هو السبب في أن المدمنين على كلمة "انقلاب" لديهم فهم ضئيل للثورة. وحتى لو نظرنا الى الامر من زاوية مختلفة (مسألة فإن الثورة البروليتارية التي تصورها ماركس ولينين هي أستنهاض عملاق لملايين المستغلين الذين يؤمنون بقدرتهم على تحرير أنفسهم.
... يتبع
عن موقع فيرسو