TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لماذا قتلوا كرّار نوشي؟

لماذا قتلوا كرّار نوشي؟

نشر في: 5 يوليو, 2017: 05:51 م

adnan.h@almadapaper.net

أظنُّ أنه سيكون من السذاجة بمكان إحالة أمر اغتيال الفنان المسرحي العراقي الشاب كرّار نوشي إلى مظهره أو إلى الشكّ في أنه من ذوي الميول المثلية.
حتى في الحارات الشعبية المُغلقة في بغداد وسواها من مدن العراق ترى الآن الكثير من الشباب والصبيان الذين يحرصون على أن يكونوا في مظهر مشابه أو مقارب لمظهر الشاب المغدور بطريقة همجية، فلم يعد هذا المظهر شاذّاً أو استثنائياً في زمن وصلت فيه مظاهر العولمة وآثارها حتى إلى القرى الصغيرة. كما إن أصدقاء كرّار ومعارفه جميعاً برّأوه من "تهمة" المثلية، وعائلته أكدت من جانبها أنه لم تكن له عداوة مع أحد.
الطريقة الشنيعة التي قُتل بها كرّار نوشي تؤكد أنّ اغتيال الفنان الشاب يتجاوز كثيراً في أهدافه مسألة المظهر أو الميل المثلي المزعوم للشاب الوسيم الذي كان ساعياً بجدّ واجتهاد لتطوير موهبته الفنية في مجال المسرح الجاد.
الاغتيال فيه رسالة سياسية مباشرة إلى جيل الشباب بأكمله .. رسالة من قوى في السلطة باتت تشعر بأنها تواجه مأزقاً حقيقياً. الشباب الذين نجحت أحزاب السلطة، بخاصة الإسلامية، وميليشياتها في استمالتهم إليها في السنوات الأولى بعد إطاحة نظام صدام في 2003، تُدرك الآن أنّ أعداداً غير قليلة من الشباب بدأت تنفضّ عنها.  هذه الاحزاب لم تفِ بوعودها لهم في توفير فرص العمل والحياة الكريمة. هذه الاحزاب انصرفت عن الشباب وسواهم ووعودها لهم وانشغلت بسرقة المال العام والخاص وتكوين البطانات المستأثرة بمصادر الثروة والقوة. هذه الاحزاب ما عادت تتردّد في ممارسة المحرّمات والموبقات في وضح النهار. هذه الاحزاب وميليشياتها تنتهك القانون والنظام والأعراف علناً .. كلّ هذا كان دائماً يجري أمام انظار المجتمع بأسره، والشباب أكثر فئات المجتمع حساسية. ليس ثمة تجنٍّ في هذا الكلام، فالعديد من قيادات الاحزاب الإسلامية أقرّ بهذا صراحة أو على استحياء.
ما كانت عواقب هذا؟
كانت العواقب أنّ قطاعات من الشباب قد أدارت ظهورها للاحزاب الإسلامية، كافرةً بها وبمبادئها التي لم تثبت نفسها على أرض الواقع على مدى أربع عشرة سنة...  بعضهم اتّجه الى الإلحاد كما يشيع نشطاء الإسلام السياسي، وبعضهم مال نحو التيار المدني الذي نشط على نحو لافت في السنتين الماضيتين، وهذا بالذات ما يُثير حنق الأحزاب الدينية وميليشياتها.. إنها تخشى الآن أن يتزايد انصراف الشباب عنها وتتصاعد أعداد المُقبلين على التيار المدني.
الحملة التي شنّها بعض أقطاب الإسلام السياسي على المدنيين في الأشهر الأخيرة، هي في هذا السياق بالذات، وعمليات الاختطاف، والآن عمليات القتل، تندرج في هذا السياق أيضاً. قتلة كرّار نوشي يريدون إرهاب الشباب حتى لا ينخرطوا في التيار المدني وحتى لا يعطوا أصواتهم إلى مرشحيه في انتخابات العام المقبل.
هذه في الواقع سياسة خطيرة للغاية، فالسحر يُمكن أن ينقلب على الساحر .. الشباب المستهدفون بحملات المتطرفين الإسلاميين حدّ القتل يمكن أن يحملوا هم أيضاً السلاح دفاعاً عن النفس.. والسلاح موجود الآن في كل بيت عراقي .. بل في كل غرفة.
فكّروا في هذا، قبل أن تفكّروا بمَنْ يكون ضحيّتكم التالية !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. بغداد

    استاذ عباس حسين الظلم في العراق اصبح فوق طاقة التحمل اصبح فوق التصور والخيال حتى في اشرس أفلام الرعب لا يوجد فلم مرعب مثلما يحدث في العراق يمعودين يا نخبة رجال العراق من إعلاميون وبقية الكوادر من اساتذة جامعات وكتاب ومحامين وقضاة يمتلكون حس وطني وأخلاقي ا

  2. د عادل على

    وجعلنا تك شىء سببا- لفهم ما يحدث الان فى عراق الانقلابات العربيه النسنيه وخاصة البعثية وحتى ثورة 14 تموز التى بدات معها الاعمال الشنيعة ضد العائلة المالكه ونورى السعيد من عوامل نشؤ الشناعه هم الجهل والعيش فى مناطق صحراويه او قريبه من الصحراء---الصحر

  3. منى سعيد

    نعم إنه إفلاس الأحزاب المتأسلمة التي لم تتونى عن تكشير انيابها والإمعان بجرائم القتل بعد أن افلست الدولة ونهبت ثرواتها وكشفت اداعاءاتها الباطلة من قبل الشباب قبل غيرهم. هذه رسالة شنيعة لانبرأ الجهات الأمنية من الايغال بدم الشاب الفنان ، وسكوتها وعدم اتخاذ

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram