طيلة أشهر عديدة التزمت الحكومة الاتحادية وحكومة الأنبار المحلية الصمت والتكتّم إزاء خصخصة الأمن في الطريق الدولي مع الأردن. واكتفت الأطراف جميعها بنشر تفاصيل مقتضبة جداً عن الشركة الأميركية التي تم التعاقد معها لحماية أحد أهم شرايين الاقتصاد العراقي.
رغم ذلك حاولنا طيلة الفترة الماضية في (المدى) متابعة العقد الغامض مع الشركة الغامضة في محاولة لفهم أهدافه الأكثر غموضاً. نجحنا، في ١٥ آذار الماضي، بالكشف عن المشروع مع الشركة الامريكية من دون اسمها، الامر الذي اضطر رئيس الوزراء للاعتراف بالامر بعد يومين خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي. وعلل الأمر بأنه يهدف الى تقليل حوادث المرور في الطرق الخارجية لاسيما الدولية منها!
لاحقنا، وعبر متابعاتنا للمشروع الغامض، توصلنا لاسم الشركة وتفاصيل العقد الذي أبرمته مع الحكومة العراقية بعد عدة أشهر من المفاوضات. قيل وقتها أنه تم اختيار شركة غير معروفة باسم مجموعة الزيتون "أوليف كروب" من بين عدة شركات تنافست على الفوز بالعقد. ونظراً لأجواء التكتم على العقد وطبيعته، فيرجح أن يكون قد أبرم بطريقة الإحالة المباشرة من دون منافسة، خلافاً لقانون التعاقدات الساري في مؤسسات الدولة، وبعيداً عن رقابة البرلمان. وبذلك دشنت الحكومة أولى خطوات خصخصة الأمن.
ثم اكتشفنا لاحقاً أنّ العقد مع الشركة الامريكية يتضمن إعمار البنى التحتية الموجودة على امتداد الطريق البالغ طوله أكثر من ٤٠٠كم، بضمنها عشرات الجسور المهدمة، وإنشاء مطاعم سياحية، وورش صيانة للسيارات والخ. طبعاً كل هذه المعطيات المتناقضة جاءت عبر تسريبات غير رسمية. فلم نفهم علاقة شركة أمنية بإعادة إعمار البنية التحتية، وكيف لبضع مئات من المتعاقدين الأجانب، الذين لايعرفون شيئا عن طريبيل أو الرطبة، ان يؤمٌنوا أخطر الطرق التي عجزت الدولة العراقية عن تأمينه حتى في زمن صدام، وظل طيلة السنوات الأخيرة رهينة بيد عصابات التسليب والإرهاب.، وتحوّل لاحقاً إلى فخّ لاصطياد جنودنا.
واصلنا طيلة الأشهر الماضية مساءلة الحكومة وأعضاء لجنة الأمن البرلمانية واستيضاحهم حول تفاصيل العقد، لكنّ الكلّ كان يختار السكوت المريب.
وللمفارقة فقد جاء الفرج من الدوحة، وليس من بغداد، إذ كشفت أنّ مجموعة الزيتون ما هي إلّا واجهة جديدة لشركة بلاكووتر سيّئة الصيت عراقياً وعالمياً.
فقد دفعت الأزمة الخليجية بأن تكشف قطر بعض فصول تدخلات خصومها في المنطقة، لاسيما في العراق. وكشفت صحيفة مقرّبة من النظام القطري، في تقرير ذي طابع مخابراتي نشر لأول مرّة الأسبوع الماضي، عن وقوف جاريد كوشنر، صهر الرئيس الامريكي، وراء المشروع، وأنه أشرف على إبرام العقد مع أوليف كروب، خلال زيارته الاولى الى بغداد مطلع نيسان الماضي.
ومن ثمار الأزمة الناشبة بين قطر والسعودية والإمارات، التي دعونا لاستثمارها في كشف التدخلات الإرهابية في العراق، أنها كشفت للرأي العام العراقي عودة مرتزقة بلاكووتر إلى البلاد من شباك طريبيل بعد أن تمّ طردها من الباب بقرار رسمي على خلفية تورّطها بمجزرة ساحة النسور، وقتلها العشرات من العراقيين بدم بارد في أيلول /سبتمبر عام ٢٠٠٧.
التقرير القطري كشف أيضاً عن الدور القذر والدموي الذي مارسه مرتزقة هذه الشركة في حروب سوريا وليبيا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط.
هذه المعطيات الخطيرة فسّرت لنا سرّ التكتّم الذي رافق التعاقد مع هذه الشركة التي باتت تتواجد في مناطق أخرى من البلاد.
وعلى ضوء هذه المعطيات، بات لزاماً على الحكومة والبرلمان مكاشفة الرأي العام حول رهن مقدّراتنا بيد شركة مجرمة في وقت يتمّ إقصاء قوات الحشد الشعبي والعشائري من تولّي هذه المهمة، وهي قادرة على ذلك.
فعندما تختار الحكومة الصمت، فعليها تحمُّل الإصغاء لما يكشفه الآخرون.
بلاكووتر ترفع غصن الزيتون!
[post-views]
نشر في: 5 يوليو, 2017: 09:01 م
جميع التعليقات 2
حسن الانباري
أتق الله ايها الزيدي. كل الانبار تعرف و منذ بداية العام ان بلاك ووتر هي التي فازت بالعقد بدون الجادة الى مخابرات دولة قطر يا بعد عيني...انا أعتقد ان المشروع سينجح و سيوفر الامن الى طريبيل...صحيح لو لا..اما البنى التحتية فهو مشروع مرحب به كون المنطقة نالت
يوسف
أقترح أن تقرأ مقالة (( العبادي يعتزم هيكلة الحشد وتعديل قانونه لإنهاء تمرُّد بعض فصائله )) في العدد ( 3963 ) من صحيفتكم الموقرة عل وعسى تزداد مهاراتك الصحفية وتتعمق تحليلاتك السياسية وتتذكر بأن هنالك شر أهون من شر.