يؤدي الاندفاع نحو السلطة عادةً إلى الخداع، وفي أعقاب ذلك يأتي الخراب الأخلاقي، ثم العنف، ثم الاغتيال. وهذه الدورة من الآمال العالية المنحدرة في عربة نحو الجحيم ربما هي الحبكة رقم 2 في الأدب. (فالحبكة رقم 1 هي فتاة تلتقي فتىً .. إلخ). ولقد ظل فساد الر
يؤدي الاندفاع نحو السلطة عادةً إلى الخداع، وفي أعقاب ذلك يأتي الخراب الأخلاقي، ثم العنف، ثم الاغتيال. وهذه الدورة من الآمال العالية المنحدرة في عربة نحو الجحيم ربما هي الحبكة رقم 2 في الأدب. (فالحبكة رقم 1 هي فتاة تلتقي فتىً .. إلخ). ولقد ظل فساد الروح، القلب، الرجال، السلطة، المُثُل العليا، والمثالية، مدار الكثير من الكتب العظيمة، كما يقول الكاتب البريطاني جون سويني في مقاله هذا.
وروايتي الأولى، ( برود Cold)، تتلمس كم يمكن أن يصيب الفساد حتى تبجيل الله والأرض ــ حب الأمة. والبطل هنا عضو سابق في الجيش الجمهوري الأيرلندي، وأحد حلفائه رجل من وكالة المخابرات المركزية الأميركية من طائفة المرمون يتصارع مع دينه. غير أن الأحداث في روسيا الحديثة تشكل إلهاماً له: الأمور التي رأيتها بعينَيَّ من الشيشان إلى موسكو، ومن سيبريا إلى سوتشي. وهي ليست حول بوتين، لكني وأنا أعمل صحافياً التقيته وثلاثة من منتقديه: آنا بوليتكوفسكايا، ناتاشا أيستميروفا، و بوريس نيمتسوف. وجميعهم اغتيلوا، وذلك سبب كافٍ لتكريس (Cold) لذكراهم.
ويمكنني أن أختار في هذا الإطار عدداً من الأعمال التي تجتاز اختبارين: أنها جميعاً قراءات عظيمة، وأن أشخاصها فاسدين حتى العظم.
وأحد هذه الأعمال الشهيرة (ماكبث) لشكسبير، التي ما تزال تستحوذ على فكري. وهي مسرحية كُتبت في عام 1611 حول نبيل سكوتلندي أفسده توقه الشديد إلى السلطة ودفعه إلى قتل ملك طيب ــ ليستحوذ على العرش ــ ويواصل القتل. وبإعادتك قراءة (ماكبث)، تُحس بنكهة ما لا بد أنه شبيه بما في بلاط كيم جونغ ــ أون في بيونغ يانغ، أو بلاط "الخليفة" البغدادي في داعشتان!
أما (الحي الصيني Chinatown) لروبرت تاون، فهو، بالنسبة لي، عمل فني محدِّد يدور حول الفساد الذي يمثّل جوهر لوس أنجلس؛ العيش، التنفس، والخداع الضارب في تينستاون أو المدينة المبهرجة. فهناك في مركز الحلم الأميركي كذبة، مدينة مبنية على باطل. وحين تنغمس السلطة في القتل، والرياء، وعشق الصغار، فإن قوات القانون والنظام لا تحوّل نظرها جانباً فقط، بل وتوقع الشرطي السري الشريف في شرك. وينتهي به الأمر إلى شق في منخريه. أما عجز الناس العاديين في وجه تأهيل الفاسد، فلم تسبق روايته أفضل مما هنا على الإطلاق.ويكشف لنا كتاب (المسيح الوقح Bare-Faced Messiah) لرَسل ميلر، وهو سيرة حياة رون هَبارد، عن حقيقة أعظم نصَّاب في القرن العشرين. وهو لقب ليس هناك إلا القليل من المنافسة عليه. ويتأمل ميلر هنا تفاخرات "ديانة" الساينتولوجي Scientology بشأن مؤسسها واختبارها النقدي، وكله ــ وكان رون هذا بطل حرب، ومستكشفاً، وعالماً نووياً ــ يتحول إلى غبار. لكن الكتاب، على مستوى أعلى، يروي لنا شيئاً ما عن كيف أن التوق إلى إله يمكن، إذا ما فسد، أن يصبح ملتوياً جداً، جداً.
وفي رواية (رجلنا في هافانا) لغراهام غرين، وهي قطعة هجاء لأرض فنتازيا وكالات التجسس، وخاصةً MI6 البريطانية، التي عمل لها المؤلف، نجد الدافع لتكوين شيء من المال جانبياً، في كوبا ما قبل كاسترو الفاسدة الرثة، وهو يوقع البطل في فخ. وينتهي به الأمر إلى إقامة شبكة من الغش والخداع تكلفه وآخرين كل شيء. أما كتاب ( يوميات الحرب للكونت غالينو تشايانو)، فيحدثنا عن كونتٍ مزهوٍّ، مغرور، وسخيف أحياناً، كان وزير خارجية موسوليني وصهراً له. وكان تشايانو هذا، المندفع بشكل قذر نحو الصعود السريع والحياة الطيبة، فاشياً نفعياً، وقد فهم الشر العميق الذي انطوت عليه ألمانيا النازية وقام بجهد غير مؤثّر لإنقاذ كرامة إيطاليا وإطاحة قريبه عن السلطة. وعندما أنقذ النازيون الألمان موسوليني أُعدم تشايانو بإطلاق النار عليه في ظهره بأوامر من الرجل العجوز. لكن يومياته تسجل انحدار إيطاليا من الفساد إلى ما هو أسوأ منه بكثير، موفرةً بذلك للأجيال المقبلة نافذة تطل منها على روح موسوليني القاتمة.
عن/ The Guardian