اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مسرات أول الربيع

مسرات أول الربيع

نشر في: 9 يوليو, 2017: 09:01 م

 

ارتيادُ نشاطات لندن الثقافية صار أيسر الآن. إنه مطلع الربيع؛ حيث درجة الحرارة رؤوفة بالبشر من أمثالي، وحيث الخضرة تعاود درجاتها، في حدائق البيوت والشوارع والحدائق العامة. وحيث الأشجار المثمرة وغير المثمرة تُزهر بيضاء، وردية، حمراء..
ألْيقُ النشاطات بهذا الموسم، وِفقَ ذائقتي، هي معارض الرسم (على أن أتجنب احتيالات فناني مابعد الحداثة)، والأوبرا. الأولى متيسرة لي، ولكن الثانية متعسرة بفعل غلاء التذاكر في دار الأوبرا الملكية في الكوفن غاردن بصورة خاصة. ولكن عصر التنوير، الذي مازال يغذُّ الخطى باتجاه صالح الانسان، وفّر تقنيةً، شاعت منذ سنوات، تنقل العروض الحية للأوبرا، والباليه والمسرح، إلى شاشة السينمات المتقدمة تقنياً بدورها. في حقل الأوبرا الذي أحبه، يتم النقلُ عادة لعروض أعظم دارين للأوبرا في عالم اليوم: دار الأوبرا الملكية ROH في لندن، ودار الميتروبوليتان Met في نيويورك. ثمة أكثر من سينما تقدم هذه العروض، وعادة ما أنتخب الأقرب، عبر مواقعها في الإنترنيت.
مع الرسم زرت معرضين كبيرين؛ الأول في (Tate Britain) للبريطاني الذي يقيم في سان فرانسيسكو، ديفيد هوكني (مواليد 1937)، والثاني في (National Gallery) لاثنين من عصر النهضة المجيد، ربطتهما صداقة مثمرة، حين التقيا في روما، هما مايكلانجلو (توفي في 1564) من فلورنسا، وسيباستيانو (توفي في 1547) من البندقية. ولعل جمعهما في معرض واحد بسبب هذه الصداقة ينطوي على مفارقة. إن معظم زوار المعرض، وأنا منهم، لا يعرفون إلا القليل القليل عن سيباستيانو، وقد يجهلونه تماماً. في حين يعرفون عن مايكلانجيلو الكثير الكثير. ويُروى أن مايكلانجلو قد اتخذه صديقاً، وهو منشغل في رسم سقف الفاتيكان الشهير، لدعمه نصيراً في مواجهة رافائيل، الذي لا يقل شهرة وأهمية. ولكنها فرصة على كل حال للتعرف على فنان بارع، في استخدام اللون، وفي فن البورتريت. لك أن تتأمل من الأول لوحة Pietà (شفقة) وتجدها بيسر في الانترنيت، للسيدة العذراء وجسد ابنها الميت. ومن البورتريت صورة رائعة للرحالة كولمبس Christopher Columbus.مع هوكني دخلتُ حقول ألوان وتقنيات في رسم الطبيعة والشخوص بالغة العفوية والغنائية. لقد ترك هوكني بلده انكلترا إلى أمريكا، ما إن قوي عوده الفني في الستينيات. ولعلَّ ميولَه المِثلية دافعٌ لا يقل أهمية، ففي سان فرانسيسكو رحابة لنوازعه قد لا تكون متوفرة في انكلترا حينها. ومع الاحتراس خلّف وراءه المناخَ الشمالي الممطر، الكئيب، الرمادي، وفي العالم الجديد غمرت لوحته الألوان، الأفقُ المشمس، والمياه التي تعكس زرقة السماء، إلى جانب المسرات، وهي جسدية في الأغلب. لوحته مؤثرة، كما وصفها أحد النقاد، رقيقة، بذيئة، شبقة، مبتكرة ومزعجة، مع مسرات كثيرة. ولكنها خلطة لونية لا تتردد في الاستجابة لها.الاستعداد للأوبرا داخل بهو السينما لا يختلف عنه في دار الأوبرا. الجمهور من الطبقة الوسطى، والأعمار الوسطى، ومافوق: في فرصة الاستراحة يمتعون النفس بقطعة سندويتش وكأس. مع أن الفرصة عادة ما تُطعَّم بعرض حوارات مع المغنين والمخرج وقائد الأوركسترا.الأوبرا كانت La Traviata  الشهيرة، للشهير فيردي. عن رواية "غادة الكاميليا" المعروفة في العربية. لا شك أن الكثير منا داخل البهو يردد الألحان الساحرة في الرأس لا في الحنجرة طبعاً. ولعل الإيطالي وحده القادر على إنشادها في الشوارع. إنها قصة الغانية فيوليتا (تغنيها السوبرانو البلغارية Sonya Yoncheva، مواليد 1981)، التي تتحدى بحرارةِ الجسد تقاليد مجتمعها وسط العشاق والمعجبين. يتعلق بها الفريدو (التينور الأمريكي Michael Fabiano، مواليد 1984) ، ويعترض أبوه مهدداً، فتنهار الغانية تحت وطأة مرض السل في داخلها، ووطأة المجتمع الذكوري خارجها. وبعد أن كانت تُرفع على أريكة بلون أحمر الشفاه من قبل العشاق الرجال، تُترك مُهمشة لتموت مهجورة وسط المسرح المهجور. موسيقى فيردي رائعة بصورة مألوفة كما قلت، ولكن الجديد في غناء البطلين. أداؤهما وسط إخراج ذي طابع رمزي، تتوسطه ساعة كبيرة رمز الزمن، أو الموت الوشيك، أداء مُلهم. وصوتهما لا يُنسى. كنت أود لو أشاهدها ثانية في هذا النقل الحي، ولكن هيهات.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram