لا تزال الشمس في ساعاتها الأولى، إذ تشير عقارب الساعة الى التاسعة والنصف صباحاً، لكن احمد الشاب الذي يبيع ستار السيارات الواقية من الشمس، لم يعد يحتمل الوقوف تحت اشعتها رغم اتخاذه جملة احتياطات، من ارتداء (الكاسكيته) غطاء الرأس، ومنشفة مبللة حول عنقه
لا تزال الشمس في ساعاتها الأولى، إذ تشير عقارب الساعة الى التاسعة والنصف صباحاً، لكن احمد الشاب الذي يبيع ستار السيارات الواقية من الشمس، لم يعد يحتمل الوقوف تحت اشعتها رغم اتخاذه جملة احتياطات، من ارتداء (الكاسكيته) غطاء الرأس، ومنشفة مبللة حول عنقه، لكنهما لم يسعفانه، فخرَّ مغشياً عليه وسط الشارع. تسارع زملاؤه الباعة لسحبه الى الجزرة الوسطية ورشّ الماء على وجه، لكنه لم يكن قادراً على تحريك يده، الأمر الذي اضطرهم لنقله الى مستشفى الشيخ زايد، وبعد اجراء الفحوصات والكشف كان سقوط احمد ناجماً عن ضربة شمس قوية تسببت بحالة قريبة من الجفاف إثر فقدانه كميات كبيرة من الماء.
نصائح وإرشادات لتفادي الحر
كما في كل عام تقول الأنواء الجوية، أن درجات الحرارة قد وصلت الى معدلات قياسية لم تبلغها من قبل، وكما في كل عام أيضاً، تقف الحكومة ووزاراتها المعنية متفرجةً على ما يحدث، فوزارة الكهرباء تتعذر بارتفاع درجات الحرارة، ووزارة الصحة والبيئة تتعذر بالتصحّر وانحسار المساحات الخضراء، امانة العاصمة ودوائر البلدية في المحافظات ترمي الكرة على ازمة السكن التي حوّلت الحدائق الى مشتملات والتجاوزات على الحدائق والساحات العامة. لكن كل تلك الجهات لم تضع في حساباتها كيفية معالجة المشكلة الرئيسة التي نتج عنها كل هذه المشاكل ... وبسبب ارتفاع درجات الحرارة، أصدرت مديرية الدفاع المدني جملة تحذيرات وارشادات اطلعت عليها (المدى) وصفتها بالمهمة لتجنب تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة بسبب ازدياد درجات الحرارة خلال الايام المقبلة بين 47 و 50 درجة مئوية وظهور سحب ركامية تسبّب الكتمة في الجو وذلك على معظم المناطق في الوسط والجنوب وبخاصة البصرة . مؤكدة على ضرورة إخلاء السيارات من: المواد الغازية والقداحات، والمشروبات الغازية، كذلك العطور وبطاريات الاجهزة بشكل عام. مضيفة: يجب فتح نوافذ السيارة بشكل بسيط ( تنسيم ). وعدم ملء خزان وقود السيارة بالكامل، وتعبئة وقود السيارة في الفترة المسائية. كما شددت على عدم السفر بالسيارة في أوقات ذروة الحرارة العالية، وعدم تعبئة إطارات السيارات أكثر من اللازم وخصوصاً في السفر.
وحذرت المديرية أيضاً من خطورة خروج العقارب والثعابين من جحورها بشكل ملحوظ وقد تدخل المزارع والبيوت للبحث عن الجو البارد. ونصحت الاكثار من شرب الماء والسوائل، والحرص على عدم تشغيل سخانات الماء، كذلك الحرص على عدم وضع إسطوانات الغاز في الشمس. والتأكد من عدم زيادة الأحمال على عدادات الكهرباء وعدم تشغيل المكيّفات إلا في أماكن تواجد العائلة وخصوصاً في أوقات ذروة الحرارة .وتجنب أشعة الشمس مباشرةً وخصوصاً خلال الفترة من الساعة ١٠ صباحاً وحتى الساعة ٣ ظهراً. وشددت على وضع علب ماء في الشبابيك والاحواش والاسوار والمزارع والبلكونات وذلك لري عطش الطيور والقطط وغيرها من الحيوانات.
منخفض جوي حراري موسمي
وبهذا الشأن أيضاً توقعت الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي، أن يكون الطقس صحواً وحاراً مع تصاعد الغبار ودرجات الحرارة تسجل 49مْ. وقالت الهيئة في بيان لها، إن البلاد ستتأثر هذه الأيام بامتداد المنخفض الجوي الحراري الموسمي ليكون الطقس في المناطق كافة صحواً حاراً ويكون غائماً جزئياً في بعض الاماكن من المنطقتين الوسطى والشمالية'، متوقعة أن 'تسجل درجات الحرارة العظمى في بغداد 49 درجة مئوية".
وأضاف البيان، أن المنخفض الجوي الحراري الموسمي، سيستمر تأثيره حتى نهاية الاسبوع ليكون الطقس في المناطق كافة صحواً حاراً، كما يتصاعد الغبار في بعض أقسام المنطقتين الوسطى والجنوبية ويكون غائماً جزئياً في المنطقة الجنوبية'، موضحاً أن 'درجات الحرارة ستنخفض قليلاً في المنطقتين الشمالية والوسطى ومقاربة في المنطقة الجنوبية لليوم السابق".
وحسب تقارير دولية مختصة بالطقس والبيئة، أن منطقة الشرق الأوسط سجلت خلال الأيام الماضية، موجة حر غير مسبوقة، تراوحت بين 51 و60 درجة مئوية، في الظل خاصة في الكويت والسعودية والعراق، وارتفاعها وارد خلال الأيام القليلة المقبلة. وتراوحت درجات الحرارة في الجزائر بين 48 و52 درجة في الظل خلال أكثر من أسبوع. وفي مصر سجلت الحرارة 41 درجة مئوية، و في لبنان، لامست الـ 41 درجة مئوية في المناطق الداخلية، إضافة إلى ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو.
وذكر التقرير أن المناطق الوسطى والشمالية في العراق، تتراوح درجات الحرارة فيها بين 41 و49 درجة مئوية، بينما تتجاوز الحرارة في المناطق الجنوبية نصف درجة الغليان، لتبلغ 51 درجة مئوية، ويكون الطقس حاراً في مدن العراق كافة.
الحكومة تحذّر والمواطن يسهم
لم يكن العراقيون يهتمون بشؤون الطقس وبيانات هيئة الانواء الجوية ملثما يهتمون به اليوم، إن كانت الهواتف الذكية او وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى ان الكثير منهم أخذ بالتقيّد بما ينشر ويصرّح به المختص في تنبؤات الطقس والتحليلات الجوية، حسين الأسدي قال: نظراً لارتفاع درجات حرارة الأجواء خلال هذه الفترة، لاتترك المواد القابلة للانفجار مهما كان نوعها بداخل سيارتك كي لا تنفجر وتسبب اضراراً ولربما تسبب حريقاً داخل السيارة . متابعاً: والأهم عدم ترك الاطفال داخل السيارة تحت اشعة الشمس، فإن السيارة مغلفة النوافذ تحت اشعة الشمس ترتفع فيها درجة الحرارة إلى مستويات عالية جداً قد تتجاوز 75 درجة مئوية، بسبب أن اشعة الشمس تسبب الاحتباس الحراري داخل السيارة. مضيفاً: كما ينصح بمتابعة التوصيلات الكهربائية في المنزل خصوصاً أجهزة التبريد، كذلك ينصح بعدم ترك الأطفال تحت اشعة الشمس لفترات طويلة خلال هذه الفترة، بسبب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة لما لها من مضاعفات اهما ضربة الشمس والتحذير يشمل الأيدي العاملة.
وسط هذا الارتفاع الكبير والخطر في درجات الحرارة، ابتكر الكثير من الناس وسائل عسى أن تنفعهم بالتغلب على ذلك الارتفاع ومساعدة العاملين، ايهاب كريم صاحب محل في منطقة السنك التجارية، نصب (دوش) في الشارع العام والذي سرعان ما تزاحم عليه الناس خاصة العمال وسواق السيارات الكيا. على مقربة منه وضع سامي حسن، صاحب محل كهربائيات، براد ماء كبيراً موصلاً بالكهرباء يقدم خدماته للناس من ساعات الصباح الأولى وحتى وقت اغلاق محال المنطقة. فيما وجد اسماعيل موسى وسيلة أخرى للتخفيف عن كاهل الناس وارتفاع درجات الحرارة، حين قام بتسقيف مساحة من الرصيف وجعلها اشبه بمحطة استراحة لمن نال منهم التعب والحر.
الجفاف وجملة مشاكل صحية
تتنوع المشاكل والاعراض الصحية الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة بسبب فقدان الجسم نسبة عالية من الماء والاملاح، د. محمد عبد الدلة بيّن لـ(المدى) أن اعراض ارتفاع درجات الحرارة تتفاقم من شخص الى آخر حسب البنية الجسمانية وقوة التحمّل. مبيناً: أن في مقدمة تلك الاعراض الصداع المزمن بسبب انخفاض كمية المياه والسوائل فى الجسم الذي ينتج عنه شعور بالتعب والإعياء الشديد وانخفاض الطاقة. مضيفاً: كما يتسبب الجفاف بالإمساك إذ تساعد المياه في ليونة الجهاز الهضمي وتنشيطه والحفاظ على صحته، أما الجفاف يؤدي إلى تلفه والتعرض للاضطرابات المختلفة في الجهاز الهضمي.
وأضاف عبد الدلة: كما يؤدي التعرض الى اشعة الشمس بشكل مباشر الى الجفاف الذي يؤدي بدوره الى انخفاض أو ارتفاع ضغط الدم، ومشاكل في الجهاز التنفسي والجيوب الأنفية، وقرحة المعدة والالتهابات المزمنة في الجهاز الهضمي. معتبراً: أن نقص المياه والجفاف من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى مرض الإكزيما، والتهابات في المسالك البولية والمثانة، والتهابات المفاصل والروماتيزم.
لا يتوقف خطر ارتفاع درجات الحرارة على المشاكل الصحية فحسب بل تعداه ووصل الى مستوى اخراج الافاعي والحشرات من جحورها وبحثها عن اماكن باردة خاصة في المناطق السكنية القريبة من البساتين والمزارع، مهدي يعقوب من سكنة منطقة الدورة شارع ابو طيارة، بيّن أن الايام الماضية التي شهدت ارتفاع درجات الحرارة ادخلت المنطقة بإنذار بعد مشاهدة أكثر من افعى بأحجام مختلفة. لافتاً: الى ظهور انواع عدّة من الحشرات الزاحفة والطيارة. داعياً: وزارة الزراعة الى مكافحة تلك الآفات والحشرات والافاعي.
فيما ذكر حسام عبد الرزاق، انه تفاجأ بوجود ثعبان تحت مبردة الهواء اثناء محاولته ملئها بالماء. منوهاً: الى أن بيته ليس الوحيد الذي زارته الأفاعي في الايام الماضية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة. مؤكداً: على ضرورة ايجاد حل لهذه المشكلة التي تتفاقم سنوياً دون أي اهتمام من قبل الحكومة.
التصحّر وأحزمة المدن الخضراء
يرتبط ارتفاع درجات الحرارة بعدّة امور منها مناخ عام وآخر، بسبب اهمال المساحات الخضراء والتجاوز على الساحات العامة والغابات التي كانت تحيط بالعديد من المدن العراقية التي تشكو الآن من ارتفاع معدلات درجات الحرارة، المختص البيئي هيثم مزيون، بيّن لـ(المدى) أن هناك عدّة عوامل تزيد من ارتفاع درجات الحرارة منها ازدياد البنايات الكونكريتية من دون وجود خطة علمية لتشييدها أو احاطتها بالأشجار المظللة التي تساعد في تنقية وترطيب الاجواء حولها. كذلك قلة المساحات الخضراء التي تساعد في خفض درجات الحرارة داخل المدن. منوهاً: الى زيادة عدد المولدات في المناطق السكنية والتجارية والسيارات التي تبعث بغاز CO2 كذلك عشوائية المجمعات الصناعية وتحول اغلب الاحياء السكنية الى ورش تصليح السيارات. لافتاً: الى اضمحلال حدائق البيوت التي تعتبر متنفساً مهماً في المناطق السكنية والتصحّر خارج المدينة الذي يتسبب بالعواصف الغبارية ووصول رياح حارة تدخل للمدينة المجردة من الأحزمة الخضراء مما يزيد من حرارة المنطقة.
قبل أيام انتشرت صور تقارن بين المساحات الخضراء في العاصمة بغداد بين عامي 1997 و2017 اذ كانت النسبة كبيرة جداً وربما تكبر اذ ما بقيت الحكومة تهمل هذا الأمر، المهندس الزراعي سلام سلمان يوضح لـ(المدى) أن العراق يحتاج قرابة 200 مليون شجرة ظل تزرع في مناطق مختلفة من البلد. مؤكداً: على اهمية الحزام الاخضر في ظل التغييرات المناخية العالمية التي تضرب دولاً عدّة. موضحاً: أن كل مليون شجرة يمكن أن تسهم بخفض درجتين أو أكثر من معدلات درجات الحرارة.
ودعا سلمان وزارة الزراعة والدوائر البلدية الى حملة تشجير كبرى، إن كان داخل المدن أو في اطرافها للمساهمة في خفض درجات الحرارة وترطيب الأجواء. لافتاً: الى اهمية اعادة البساتين التي تعرضت الى التجريف إن كان بسبب العمليات العسكرية أو الارهابية أو تلك التي تمّ التجاوز عليها وتحويلها الى مجمعات سكنية. مطالباً ادارة المدارس بغرس الأشجار بعدد تلاميذ المدرسة وجعل الأمر من ثقافة المجتمع البيئية والزراعية التي تحتاج الى اهتمام اكبر.