اجرى جيمس فيرغسون محرر صحيفة الفاينانشيال تايمز حوارا مع الكاتبة سفيتلانا الكسيفيتش الفائزة بجائزة نوبل للاداب عام 2015 تحدثت فيه عن اعمالها الروائية واهتماماتها الحالية:عندما تتحدث إلى سفيتلانا أليكسيفيتش يكون من الصعب معرفة مَن يحاور مَن 
اجرى جيمس فيرغسون محرر صحيفة الفاينانشيال تايمز حوارا مع الكاتبة سفيتلانا الكسيفيتش الفائزة بجائزة نوبل للاداب عام 2015 تحدثت فيه عن اعمالها الروائية واهتماماتها الحالية:
عندما تتحدث إلى سفيتلانا أليكسيفيتش يكون من الصعب معرفة مَن يحاور مَن . فبمجرد أن اكتشفت أنني انكليزي، قالت انها ترغب بمعرفة آرائي في الملكة اليزابيث والطقوس الملكية. وقالت ايضا إنها تود أن تعرف لماذا أتكلم الروسية، واين درست، ومتى بالتحديد عشت في موسكو.
اخبرتها انني وصلت الى موسكو في عام 1991، كمراسل صحفي وهي السنة التي شهدت القيام بمحاولة الانقلاب ضد ميخائيل غورباتشوف وانهيار الاتحاد السوفياتي. فعلقت قائلة "آه، حسنا، اذاً أنت تعرف بالضبط الاشياء التي أكتب عنها"،.
لقاءاتها بالناس واقناعهم بسرد قصص حياتهم هي التي جعلتها تفوز بجائزة نوبل للأدب في عام 2015. وهي السر وراء مجموعة من"الروايات الوثائقية" عن الحياة في الاتحاد السوفيتي، التي كتبتها على مدى ثلاثة عقود، والتي صنعت لها الشهرة. هذا الابداع التصويري المعقد، المنسوج من مئات المقابلات مع الناس العاديين الذين عاشوا في أوقات غير عادية، اثمر عن ما وصفته لجنة نوبل بأنه "نصب للمعاناة والشجاعة في عصرنا".
والسؤال الذي خطر على بالي عندما كانت تحدق في عيني هو كيف كان شعور اولئك الاشخاص عندما تقابلهم هذه المرأة البيلاروسية المتواضعة البالغة من العمر 69 عاما – ما الذي جعلهم يكشفوا لها عن الأسرار التي ظلت في كثير من الأحيان محجوبة لعقود كعبء أو كوصمة عار.
انه شيء ما تفعله بملامحها الناعمة، والنغمة الدافئة في صوتها، والتعاطف معهم والذي يظهر بشكل واضح وكذلك احساسها بانها تقوم بواجبها ، كانت سفيتلانا ألكسيفيتش، ترتدي قبعة صوفية وتقوم بكي ملابسها عندما رن جرس الهاتف وكانت على الطرف الآخر رئيسة لجنة نوبل تخبرها بفوزها بالجائزة ، لم تكن حينها شخصية ادبية مشهورة. وكانت تعيش حينها في شقة ضيقة مساحتها 50 مترا مربعا يعود بنائها الى العصر السوفياتي في العاصمة البيلاروسية مينسك التي عاشت فيها لعقود.
في محاضرتها التي القتها في حفل توزيع جائزة نوبل في كانون الاول عام 2015، وصفت ألكسيفيتش روسيا بأنها "مكان فاقد الذاكرة تماما". وهي تعتقد ان ، الأمور الآن تزداد سوءا. فالمشرعون يقولون إن علينا أن نجري محاكمة لغورباتشوف وقد تم تخريب نصب سولجينتسين، وهم يقيمون المزيد من التماثيل لستالين ". "لكن بوتين لا يطلب من الناس ان يفعلوا ذلك – هذه المبادرات تأتي من القاعدة الشعبية".
***
بدأ اهتمام ألكسيفيتش في حياة الناس العاديين منذ مرحلة الطفولة. ولدت في عام 1948 لمدرسين في المدارس الريفية في بلدة إيفانو فرانكيفسك الأوكرانية، ونشأت في قرية بيلاروسية مات رجالها في الحرب. في كل مساء كانت النساء يجلسن ويبدأن بالدردشة، ، وكان الأطفال يلتطقون كل كلمة. كن يتحدثن عن الحب والحرب والأشياء الرهيبة ". وعن ذلك تقول "كان الناس يتحدثون عن الموت طوال الوقت، وظلت احاديثهم مخزونة في وعيي".
فكرت في كتابة الروايات، ولكن سرعان ما أدركت أن القصص الحقيقية، للناس كانت أكثر قوة. وتقول: "لماذا نخترع قصصا و ابطالا لرواياتنا عندما يقول هؤلاء الناس ما هو أفضل بكثير؟".
وتستشهد بمثال من كتاب اصوات تشيرنوبيل ، وهو كتابها الذي تحدثت فيه عن انهيار المفاعل النووي قبل ثلاثة عقود، والذي تسبب باضرار لأجزاء كبيرة من أوكرانيا وبيلاروسيا ، وأدى إلى جعل مئات من القرى في كلا البلدين غير صالحة للسكن. في ذلك الكتاب ، نقلت عن زوجة أحد رجال الاطفاء الذين ساعدوا في اخماد الحرائق في المفاعل ونقل بعد ذلك إلى مستشفى موسكو حيث مات من التسمم الإشعاعي. "قال لها الأطباء ان لا تقترب منه، ولا تقبله ، ولاتعانقه. قالوا لها: "هذا ليس هو الرجل الذي احببته انه كائن ملوث." وهذا السطر قد صدم سفيتلانا ألكسيفيتش. "
أرادت ألكسيفيتش أيضا الابتعاد عن النهج التقليدي لسرد القصص. "هناك تقليد، يمتد إلى تاسيتوس وبلوتارخ، أن التاريخ ينتمي إلى الأباطرة الابطال "، لكنني كما تقول. " نشأت بين أشخاص بسيطين، وقصصهم فقط هي التي جذبتني. كان من المؤلم أن لا يستمع اليهم أحد سواي
الكتاب الأول ل "أليكسيفيتش"، وهو "ليس للحرب وجه أنثوي" (1985)، الذي سيترجم قريبا الى اللغة الإنجليزية ، استند على مقابلات مع نساء سوفياتيات من الناجيات من الحرب. وتقول ألكسيفيتش إن المنظور النسائي مهم لأن المرأة لا ترى الحرب بطولة أبدا. وتصف ذلك بالقول: "بالنسبة لهن، كان هناك [دائما] موت في الحروب". وكان الغرض من الكتاب هو الابتعاد عن الكليشيهات السوفياتية السائدة آنذاك وتخطيها والعثور على الحقيقة من "أشياء ملموسة". وكمثال على ذلك، تستشهد بالجنود النساء اللواتي لم يوزع عليهن سوى حمالات الصدر والسراويل والفوط الطويلة عندما عبر الجيش الأحمر الحدود الغربية للاتحاد السوفييتي "حتى لا يظهرن أنفسهن أمام الأجانب".
وكشفت كتبها زيف الأساطير السوفياتية – وكانت من أهمها أن "الحرب جميلة". لكنها تقول: كلا انها ليست جميلة "إنها مروعة. وفي روايتها فتيان من الزنك (1991)، فضحت واحدة من أكبر الأساطير التي كانت تغلف التدخل السوفيتي في أفغانستان في 1980وتذكر ألكسيفيتش كيف انها كانت تحمل دببة إلى عنبر مستشفى للأطفال في كابول، وفوجئت لرؤية طفل صغير يأخذ الهدية بأسنانه: وعندما كشفت والدته الغطاء عنه تبين انه فقد يديه و ساقيه وصاحت المرأة في وجهها."هذا ما فعله هتلركم السوفياتي"،
وكانت نقطة تحول. كما تقول عضوة في الكومسمول وهو اتحاد الشباب الشيوعي "في الاتحاد السوفييتي، قال الجميع إننا أبطال نساعد الشعب الأفغاني على بناء مستقبله".لكنها . الآن لم تعد تؤمن بكل ذلك
وبينما كنا نتناول السمك، بدأت تشرح طريقة عملها. فقد أجرت لكل كتاب ألفته مقابلات مع أكثر من ألف شخص - على الرغم من أن حوالي 300 شخص فقط هم الذين تم ذكرهم . وتقول إن الغرض من ذلك هو كتابة "تاريخ الروح". مستعيرة ذلك التعبير من شخصية شاتوف في رواية الشياطين للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي و ، تقول: "نحن مخلوقان اثنان اجتمعا الى ما لا نهاية و بلا حدود. . للمرة الأخيرة في العالم. فلتترك تلك النغمة وتتحدث وكأنك إنسان. لمرة واحدة في حياتك، تحدث بصوت الإنسان ". لذلك فمن غير المستغرب أن صورة دوستويفسكي معلقة فوق مكتب سفيتلانا في مينسك.
وغالبا ما يكون ابطالها أشخاصا تواجههم بالصدفة في الأماكن العامة - المطاعم والحافلات والمطارات. تقول: "نبدأ في الحديث وأخذ رقم هواتفهم". وتقول إنها في لقاءاتها تأتي كصحفية، لكنها "ليست مقابلة حقيقية - إنها أشبه بمحادثة. كنت اقابلهم كصديقة - مثلهم، انت ابن زمانك وإذا لم يشعروا اني صديقة لهم ، فمن المستبعد جدا أن يقولوا لي الأشياء التي قاموا بها ".
وكثيرا ما تختلط معاناة ابطالها بالحنين الى الاتحاد السوفييتي الذي ضاع مع خيبة أمل عميقة بالرأسمالية التي حلت محل الاتحاد السوفييتي في عام 1991. ووقت مستعمل هو ، عملها الأكثر طموحا، مقتبس من الفنان إيليا كاباكوف. (يقول هذا الفنان "عندما كان الاتحاد السوفيتي موجودا ، كنا نقاتل وحش ، و استطعنا هزيمته". "لكننا فيما بعد أدركنا ان علينا ان نعيش مع الفئران".
وهنا قد يعتقد القراء الغربيين أنه امر سيئ. كيف يمكن أن يشعر الناس بأي مودة لنظام خلق معسكرات الاعتقال ؟ وتقول ألكسيفيتش ان هذا الرأي يتجاهل جو فريد من الحقبة السوفيتية حدث في زمن بعيد، وهو زمن المساواة والصداقات العميقة ومحبة الأدب. "على الرغم من الفقر، كانت الحياة أكثر حرية"، كما تقول. "يجتمع الأصدقاء في منازل بعضهم البعض، ويعزفون على الغيتار، ويغنون، ويتبادلون الاحاديث، ويقرأون الشعر". وعندما جاءت الديمقراطية، كانوا يأملون أن تصل الحرية الفكرية التي يتوقون إليها أخيرا و "أن الجميع سيكونون أحرارا في قراءة سولجينيتسين".
وجاءت الحرية ونشرت أعمال سولزينتسين كلها - ولكن، في 1990و في وقت مبكر، لم يكن أحد لديه الوقت أو الطاقة لقراءتها. تقول: "الجميع ركضوا نحو الاطعمة ، وتوجهوا إلى 20 نوعا مختلفا من البسكويت و 10 أنواع من السجق".
قلت لها لقد وجدت أنه من الصعب بشكل خاص قراءة شهادة من الناس الذين دافعوا عن مبنى البرلمان الروسي السابق الذي أصبح رمزا للمقاومة خلال محاولة الانقلاب عام 1991 من قبل المتشددين لقد كنت هناك بنفسي، واستذكرت المحادثات مع النساء المسنات اللائي قلن إنهن يفضلن الاستلقاء تحت الدبابات على السماح للشيوعيين بالعودة إلى السلطة. وقد تحطمت آمالهم في الحرية في الفوضى والتضخم المفرط والجريمة المتفشية في سنوات يلتسين التي تلت ذلك، حيث تولت فئة جديدة من القلة الغاضبة المسؤولية.
تقول ألكسيفيتش "أنا أيضا، ذهبت إلى تلك المظاهرات في أواخر الثمانينيات ". "لم يكن أحد في المظاهرات يريد أبراموفيتش"، ، مشيرة إلى الملياردير الروسي مالك نادي تشيلسي لكرة القدم.
إنها تجد صعوبة في أن تكون محط انظار الناس. وتقول: "أحب أن أجلس بمفردي وأعتقد أنه لا يمكنني التقاط الصور طوال الوقت". "أنا لست شخصية عامة".
عن: الفاينانشيال تايمز