حدثٌ تاريخي آخر يهز وجداننا، مازال طرياً بتفاعلاته ودلالاته.. هو حدث تحرير الموصل المدينة التي استباحها داعش ليعلن منها خلافته المزعومة، وهذا الحدث يضاف الى سلسلة احداث عصفت بأجوار عراقنا.. ومازال طريق السلام طويلاً.
هذه الأحداث تمثّل موضوعاً مهماً للسينمائيين العراقيين فيما لو استلهمت بدراية، وأيضاً تكون موحلة مهمة في توثيق هذا الحدث التأريخي.
فإن الأفلام العراقية التي شهدت حركة نشطة من حيث كمّ ونوع الإنتاج بعد عام 2003، يجب أن تتخطى أطر النمطية والعزف على وتر واحد، والتي سمت أغلب موضوعاتها- وهو ما أشرنا إليه في مناسبة سابقة- فصنّاع هذه الأفلام وجلّهم من الشباب الذين صادرت حريتهم، أصوات الدكتاتورية، وحروب الطوائف، هم بحاجة إلى قراءة هذا الحدث، بوصفه حدثاً يشكل نقلة نوعية في فهم الاصطفاف السياسي والاجتماعي الجديد، بعيداً عن التخندق الجهوي. فهم يتجرد من الانتماءات والولاءات الضيّقة، إلى حيث الولاء الأرحب للوطن وللحرية والديمقراطية. ولعلَّ مثل هذا الفهم كفيل بالتحرر من موضوعات لطالما اشتغل عليها صنّاع الأفلام العراقية، والتي لا تتجرّأ في طرح الأسئلة وإثارة الجدل، باعتبار أن السينما ليست توثيقاً لواقع معاش بل إعادة إنتاج جمالية وفكرية لهذا الواقع. موضوعات تنأى بالمتاجرة بدماء ضحايا العنف والإرهاب والفساد المستشري، وهي الصورة النمطية للأغلب الأعم من هذه الأفلام، والتي لا ينشد صنّاعها سوى استدرار العواطف. ومثل هذه الموضوعات والتي ما زال البعض يراهن على جدوى معالجتها صورياً، لاشك في أنها تطمس حقيقة الإنسان العراقي الساعي إلى التغيير والحياة التي تمنحه قيمته العليا.
لكن المشكلة القائمة تتمثل في أسلوب المعالجة، والقدرة على إقناع المتلقي بهول هذا الحدث ومأساويته من دون الوقوع في أسر الوثيقة التي كانت في الأغلب الأعم المادة الرئيسة لمتن جميع موضوعات هذه الأفلام.. لا فرق هنا بين فيلم وثائقي وآخر روائي طويل.. وهو ما يوحي بعجز واضح عند صنّاع هذه الأفلام على تمثل الحدث ، وإعادة إنتاجه من دون أن يفقد حرارة الفعل والتأثير، وهي بالضبط مهمة الفنان وفيما عداها هو عمل للمؤرخ الذي تكون الوثيقة لديه مادته الأساس..
ولأن السينما هي من أكثر الأجناس الإبداعية، التي وقفت عند الأحداث المفصلية التي مرت بها شعوب الأرض.. فإن تاريخها حافل بالأمثلة، على قدرة الفن في استلهام هذه الأحداث بأعمال تحمل قيمة جمالية وفكرية، ترتقي بهذا الحدث إلى مستوى أهميته وتأثيره..
لم تستمد الأفلام التي تناولت التورط الأمريكي في فيتنام أهميتها وحضورها الفني المميز إلاّ بعد أن تجاوزت التناول السطحي والمباشر لهذا الحدث، خاصة مع الأفلام التي أنتجت في خضم هذا الحدث الملتهب نهاية ستينات وبداية سبعينات القرن المنصرم. وفي أفلام مثل ( ولد في الرابع من يوليو) لاوليفر ستون، و(خيط احمر رفيع) لتيرنس ماليك.. اعتمدت معالجتها هذا الحدث، على ابراز أثره المدمر في العلاقات الإنسانية.. والأثر السلبي للحروب.. من دون أن تقدم لنا تفاصيل تعتمد التقريرية والمباشرة في استعراض تفاصيل هذا الحدث..
مما يجدر ذكره في هذا السياق وجود عدد من الأفلام التي اختارت العزف على وتر جديد في موضوعاتها . وتر بقدر ما يصدر لحنا مختلفا، فانه لا ينفرد بإيقاعه بشكل مطلق.. أقف مثلاً مع فيلمين اختارا موضوعاً لا يمكن أن يكون بمعزل عن وهج الأحداث التي يمر بها الوطن ، لكنه في الآن نفسه اشتغل بامتدادات هذا الحدث.
السينما لتوثيق النصر العراقي
[post-views]
نشر في: 12 يوليو, 2017: 02:34 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...