adnan.h@almadapaper.net
بمناسبة ومن دون مناسبة، يقدّم كل واحد من أفراد الطبقة السياسية المتنفّذة في العراق نفسه بوصفه الوطني الغيور الأول والمجاهد الأكبر والنزيه والشريف والعفيف، الأكبر أيضاً.. وبالتالي فإنه "تاج راس".
العراقيون بأغلبيتهم الساحقة لا يحملون هذا الكلام على محمل الجدّ، بل يسخرون منه مرّ السخرية، فهم يعرفون عن تجربة صار عمرها الآن أربع عشرة سنة أن هذه الطبقة، بالأغلبية من أفرادها، فاسدة .. هذا أقل ما يمكن أن يُقال فيها، وأقل ما تستحقه.
تجاوزاً على كلّ شيء، لنفترض أن أفراد هذه الطبقة جميعاً من دون استثناء، هم كما يرغبون في تقديم أنفسهم، وإن زوراً وبهتاناً .. لنفترض أنّ كلّ واحد منهم "تاج راس".. ما المطلوب الآن من "تاج الراس" هذا بعدما اكتملت مهمة القوات المسلحة بقصم ظهر داعش في الموصل، وعشية الشروع بعمليات تحرير سائر المناطق التي لم يزل التنظيم الإرهابي يحتلّها؟
المطلوب بكل بساطة، في أدنى مستوياته، أن يُكرِمونا بسكوتهم .. أن يُمسكوا بألسنتهم .. أن يقرصوا مؤخراتهم، فيجلسون "عُقّال" مثل التلاميذ أثناء درسهم... مزايداتهم ومناكفاتهم وخطاباتهم التحريضية المشحونة بالكراهية والحقد، كانت من الاسباب الرئيسة لكل ما جرى منذ ما قبل احتلال الموصل، وكانت من دواعي دخول داعش إلى العراق ومن عوامل هزيمة القوات المسلحة أمامه في الموصل، بأمر مباشر من قياداتها السابقة، الفاسدة.
المطلوب أن يتركوا القوات المسلحة وقياداتها تستكمل تحرير المناطق المتبقية في أيدي التنظيم الإرهابي.. معارك التحرير المُنتظرة هنا لن تكون أقل ضراوة وأدنى تضحيات وأقصر وقتاً من معركة تحرير الموصل، وقبلها معارك تحرير تكريت والرمادي والفلوجة وسواها.
المطلوب أن يترك أفراد هذه الطبقة الدولة تنصرف، بالتعاون مع المجتمع الدولي، إلى المهمة الخطيرة والشاقة الأخرى .. مهمة إعمار المدن والبلدات المدمّرة وإعادة سكانها النازحين اليها، ورعاية الجرحى وعائلات الشهداء.
المطلوب أن يتركوا المجتمع ليعالج شروخه وتصدعاته ويداوي جراحه البليغة التي تسبّبت فيها سياساتهم ومواقفهم ومزايداتهم ومناكفاتهم وخطابات الكراهية التي لم يوقفوها حتى اللحظة ولا يريدون أن يوقفوها، وكأنّ على قلوبهم أكنّة وفي عيونهم عمى وفي آذانهم وقر، فلا يرون إلى الدمار الذي صنعته أيديهم، ولا يسمعون نحيب الملايين من ضحاياهم من العراقيات والعراقيين.
لا نطلب منهم أن يكفّوا عن فسادهم ويكتفوا بمئات مليارات الدولارات التي نهبوها، فهذا مما لا يقدرون عليه .. لا نطلب منهم أن يشرّعوا القوانين التي كان عليهم سنّها منذ سنوات لتحقيق الأمن الاجتماعي والسلم الأهلي، فهذا مما لا يريدونه .. نعرف هذا كلّه حقّ المعرفة.
نطلب منهم الآن، حتى نهاية هذا العام في الأقل، أن يُكرمونا بسكوتهم، وأن يُمسكوا بألسنتهم الفالتة، وأن يقرصوا مؤخراتهم، حتى لا يشوّشوا على القوات المسلحة وهي تستكمل عملية التحرير، وحتى لا يصرفوا انتباهنا عن تقديم الدعم المعنوي لهذه القوات وهي تؤدي واجبها المقدّس.
هل يفعلون ..؟!