TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > 14 تموز .. هل كانت شرّاً مطلقاً؟

14 تموز .. هل كانت شرّاً مطلقاً؟

نشر في: 14 يوليو, 2017: 07:02 م

adnan.h@almadapaper.net

بكلّ مظاهر الزهو والهيبة والافتخار، احتفلت فرنسا أمس، كما في مثل هذا اليوم من كل عام، بذكرى ثورة الرابع عشر من تموز(يوليو) 1789.
وكما في كل عام أيضاً فإن الاحتفال بالثورة الفرنسية يعمّ قارات العالم كلّها، لأن آثارها امتدّت إلى الدول جميعها، ولم تزل أفكارها تُلهم ملايين الناس المتطلّعين الى الحرية والمساواة والإخاء.
تاريخياً ومعرفياً، تُصنّف الثورة الفرنسية بوصفها واحدة من أعظم الثورات في تاريخ العالم، لجهة الاحداث التي شهدتها والعواقب التي ترتّبت عليها، وغالباً ما يُنظر اليها على أنها حوّلت شرارة عصر التنوير إلى شعلة قويّة ومُبهرة، فقد أطاحت نظام الاقطاع والكنيسة المستبدّ في أوروبا واستبدلت به نظاماً قائماً على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
مع ذلك فإن الثورة الفرنسية، لم تكن نظيفة البتّة. كانت فيها جوانب قذرة، منها أنها أطلقت العنان لأعمال العنف والإرهاب، ما أدى الى مقتل  ما يُقدّر بين 16 ألفاً و40 الفاً من المدنيين، بينهم الملك لويس السادس عشر والملكة ماري إنطوانيت، وكذلك معظم قادة الثورة نفسها وناشطيها. فضلاً عن أنها لاحقاً حوّلت فرنسا الى قوة استعمارية غاشمة استعبدت العديد من شعوب أفريقيا وآسيا ، وأوروبا أيضاً.
أمس أيضاً أحيا الكثير من العراقيين الذكرى التاسعة والخمسين لثورة 14 تموز 1958، التي بادرت اليها مجموعة من ضباط الجيش الوطنيين "الضباط الأحرار" بقيادة عبد الكريم قاسم وحظيت بتأييد الاحزاب السياسية الوطنية التي كانت تقف في صف معارضة حكومات العهد الملكي. بيد أن بعض المثقفين والناشطين السياسيين وجد في المناسبة فرصة جديدة للتحامل على الثورة وقيادتها، منطلقاً من زاوية نظر لا ترى غير الجانب غير النظيف من الثورة، كمقتل الملك الشاب فيصل الثاني ومعظم أفراد عائلته في حادث ثبت أنه كان فردياً وخارجاً عن السياق، مثله مثل حادث قتل السياسي ورجل الدولة المخضرم نوري السعيد والتمثيل بجثته على نحو همجي، وهو من أعمال الرعاع المألوفة في الثورات والانتفاضات وسواها من الاضطرابات الاجتماعية.
الملاحظ أن معظم الذين يحملون على الثورة وقادتها إنما يحاكمونها بمفاهيم اليوم ومعاييره، فيما الموضوعية والعلمية تقتضيان محاكمة أي حدث وصنّاعه في إطار ظرفه الزمني.
الذين يقولون إن ثورة 14 تموز قطعت طريق التطور الديمقراطي والتنمية الاقتصادية المستدامة للعراق ليس بوسعهم تقديم الدليل على أن النظام الملكي لو لم يُسقطه عبدالكريم قاسم ورفاقه ما سيسقط لاحقاً بانقلاب عسكري أو ثورة شعبية. إلى الشرق من العراق كانت تقوم ملكية راسخة، لكنّ نظام الشاه محمد رضا بهلوي في إيران لحق بالنظام الملكي العراقي بعد 20 سنة في ثورة شعبية.. نظام الشاه الاستبدادي لم يتطور إلى نظام ديمقراطي يحول دون وقوع الانقلابات والثورات ضده.
بالمنطق نفسه الذي يستخدمه المتحاملون على ثورة 14 تموز وقيادتها، يُمكن القول إن الثورة، استناداً الى بيانها الاول ودستورها المؤقت واجراءاتها، سعت الى إقامة نظام ديمقراطي وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية فائقة، فأطلقت الحريات العامة وشرّعت قوانين الإصلاح الزراعي والاحوال المدنية وأمّمت الاراضي التي كانت تسيطر عليها شركات النفط وأبرمت اتفاقات مع الشركات لزيادة دخل العراق من صادراته النفطية ووسعت نطاق التعليم والخدمات الصحية، بيد أن المؤامرات التي تعرّضت لها الثورة منذ أيامها الاولى هي ما حالت دون تحقيق برنامج الثورة التي أطيح بها وبقيادتها في انقلاب دموي همجي يندر نظيره ( 8 شباط 1963) نفّذه حزب البعث والقوميون العرب بالتواطؤ مع المخابرات الاميركية والبريطانية وبتأييد وتحريض من عبد الناصر.
بالثقة التي يرى فيها المتحاملون على الثورة بأنّ بقاء النظام الملكي كان سيجنّب العراق الويلات التي حصلت له في العقود الأخيرة، يمكن المحاججة بأن الثورة لو لم تتعرض للمؤامرات لكانت قد انتهت إلى نظام ديمقراطي  ولجعلت من العراق واحداً من الدول الغنية، وليس بلداً يشحذ قوت يومه من الدول الاخرى والمؤسسات المالية الدولية ، كما هو حاصل اليوم نتيجة لطغيان الفساد الإداري والمالي في الدولة الحالية، وللحروب الكارثية الداخلية والخارجية التي أشعلها نظام صدام حسين على مدى عقود.  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. بغداد

    استاذ عدنان حسين اهم نقطة يجب الأنتباه اليها هو ان الزعيم الوطني عبدالكريم قاسم قضى على النظام الرجعي المتخلف العشائري الأقطاعي فَلَو نظرنا بدقة من هم زمرة الخيانة وزمرة الفاشيين الذين انظموا الى هذا التنظيم الفاشي النازي وهو حزب البعث التكريتي الأشتراكي

  2. علاء البياتي

    عزيزي أبو فرح أؤيد تحليلك الرائع ..من قتل عبد الكريم وقتل ثورته هو قانون رقم 80 الذي أمم 98 من أراضي العراق من احتكار شركات النفط من يريد معرفة حقيقة المرحوم عبد الكريم قاسم ..ليقرر مذكرات الجاسوس الاسرائيلي الياهو كوهين.. عندما وقع مجلس الوزراء حينه

  3. علي عبدالرزاق

    أستاذ عدنان حسين لماذا لا نقارن العراق بتجربة في دولة الى الغرب كان ولا زال يحكمها نفس التهعائلة الحاكمة في العراق وكانت تعتاش على ميزانية العراق في اتحاد واليوم كيف اصبحت وكيف اصبح العراق .اما شاه ايران الدكتاتور كما وصفته فقد زار العراق في العام 1957 وف

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram