adnan.h@almadapaper.net
لا أظنّ أنّ الذين اجتمعوا في بغداد وفي أربيل في الآن نفسه، يوم الخميس المنصرم، للإعلان عن "تحالف القوى الوطنية العراقية"، كانوا سيتجرأون على الإفصاح، في هذا الوقت بالذات، عن تشكيل طائفي (سنّي) فاقع كالذي كشفت عنه صور المجتمعين وكلماتهم، لو لم يكونوا مطمئنين الى أن لديهم حليفاً طائفياً من الطرف الآخر (شيعي) يدعم تشكيلهم ليكون شريكاً له في الحكومة المقبلة.
لم يُفلح اللذان قرآ بيانَي التجمعين وكذا الذين وقفوا خلفهما أو أحاطوا بهما، في إضفاء الصدقية على تعبيرات ومصطلحات وجمل ( وطنية) وردت في البيانين، سعت لإعطاء الانطباع بأن التشكيل المُعلن عنه لا يمتّ بصلة أو علاقة للطائفية السياسية، وأنه بديل وطني عن تشكيلات طائفية سابقة، معظم الظاهرين في الصورتين كانوا على الدوام من أقطابها الفاعلين.
بيان تجمّع بغداد الذي قرأه رئيس مجلس النواب سليم الجبوري (الحزب الإسلامي) جاء فيه: " نرفض التجمعات الطائفية والفئوية ونمدّ يدنا للجميع لبناء مشروع وطني جامع يرسم مسار ما بعد داعش ويصحّح أخطاء العملية السياسية والممارسات التي ولّدت احتقاناً طائفياً أو قومياً تحقيقاً للعدالة الاجتماعية".
من جانبه أعلن بيان تجمع أربيل الذي قرأه وضّاح الصديد (يوصف بأنه سياسي مستقل) عن أن التشكيل الجديد هو "مشروع سياسي وطني عابر للطائفية"، مزيداً على ذلك بالقول انه "مشروع جامع لكل الجهات الفاعلة ولا يقتصر على طائفة أو دين محدد، ولكل العراقيين الحقّ في الانتساب إليه والترشح لقيادته".
على صعيد الكلام لم يقدّم البيانان البرنامج الذي يمكن الوثوق بأن القائمين عليه يريدون حقّاً الخروج من جبّة الطائفية السياسية التي تمسّكوا بها على مدى الاربع عشرة سنة الماضية. بل أن القائمين على المشروع الذين حرصوا على تصوير أنفسهم والنظر ملياً في عدسات الكاميرات أثناء إلقاء البيانين، قدّموا ما يخالف تماماً كلامهم، فالاغلبية من الظاهرين في الصورتين هم من قيادات وناشطي المشروع الطائفي السياسي السني ( مطعّمين بعدد من عناصر حزب البعث)، ما يفضح القصد الحقيقي، وهو إعادة هيكلة وإنتاج الطبقة السياسية السنية الطائفية التي ستنتظر الحراك داخل الضدّ النوعي ( الطبقة السياسية الشيعية الطائفية)، تحضيراً لانتخابات العام المقبل. والحراك في الوسط السياسي الشيعي شبه محسوم بعد خروج التيار الصدري من التحالف الوطني. ومن الواضح ان الكتلة الاكبر في التحالف (دولة القانون) ستسعى لقيادة التحالف في المرحلة المقبلة.
البضاعة الطائفية المعلن عنها الآن في بغداد وأربيل في صيغة "تحالف القوى الوطنية العراقية" مرغوب فيها بقوّة من أطراف شيعية، خصوصاً من دولة القانون، فالهدف المعلن تشكيل "حكومة الأغلبية السياسية" التي يُراد لها أن تضمّ ائتلاف دولة القانون والتشكيل السني – البعثي الجديد وبعض الأطراف الكردية. أما الهدف المستتر فهو إعادة إنتاج العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية – القومية التي لم يتردّد المجتمعون في بغداد وأربيل في الإعلان عن ذمّها كما كانوا يفعلون دائماً.. كذباً وتضليلاً!