العلاقة بين المدرب ولاعبه لا تقوم فقط على أسس الطاعة العمياء والاحترام المطلق، وإنما قد تنتقل في كثير من الأحيان إلى جدل محتدم أو صراع خفي يظهر فقط في اللحظات القاتلة أو العصيبة التي يتراخى فيها إبداع اللاعب عمداً فيصيب نفسه وفريقه وبلاده في مقتل!
هكذا نلقي باللائمة على اللاعب ونتناسى ما قد يتسبب فيه المدرب قبل وعند الاختلاف.. ولدينا عشرات من القصص التي حكمتها هذه الجدلية التي تقوم غالباً على عقوق اللاعب أو أحياناً على سوء تقدير المدرب.. فيرى كل من الطرفين أنه على حق ويردد مع الشاعر عمرو بن معد يكرب قوله (أريد حياته ويريد موتي)..
وأتصوّر أن في رحلة الايطالي المبدع أندريا بيرلو لاعب نيويورك سيتي الحالي بين فريقه الأسبق الميلان وفريقه السابق اليوفي، ما ينفع شاهداً ثبوتياً في هذا المقام، ويمكن استعادته حتى بعد مرور زمن طويل.. فقد أخطأ مدرب الميلان اليغري حين استغنى عن بيرلو لليوفي من دون ليرة ايطالية واحدة، والنتائج النهائية أن كونتي مدرب السيدة العجوز استثمر أروع وانضج ما لدى نجم الوسط الكبير وفاز بالدوري، ثم جاء الدور على تشيزاري برانديللي مدرب المنتخب الايطالي كي يضع بيرلو في المكان الذي يليق به وأن يمنحه صكاً مفتوحاً للتصرف داخل الملعب، ليتحول (الاتزوري) إلى كتلة من النشاط القائم على فكر وعقل وقدم بيرلو!
نجاح بيرلو مع كونتي، ثم مع برانديللي، فتح أبواب جهنم على سيلفيو بيرلسكوني رئيس الميلان ونائبه غالياني ومعهما المدرب اليغري .. الصحافة الايطالية اتهمت يومها الثلاثة بالجهل الفاضح الذي أساءوا معه استخدام صلاحياتهم لتحطيم فريق الميلان، بعد أن أضمروا للنجم الخلوق بيرلو كل ما يمكن أن تحمل قلوبهم المريضة من حقد يفضي إلى نتائج هـّدامة!
نحن في الغالب نلوم اللاعب حين ينشب خلاف له مع مدربه، وذلك من منطلق أن المدرب يملك سلطة الأب وأن اللاعب لا يملك إلا إظهار الطاعة.. نتحدث عن حكمة الأب ونهيئ للاعب مقعد الابن العاق.. وما كشفته الوقائع في الموسم الثاني لوجود بيرلو مع اليوفي أنه كان الضحية وأن العقوق كان صادراً من مدربه اليغري .. واللاعبون الذين أدلوا بشهادتهم قالوا إن بيرلو تحمل ما لا يطاق من أجل أن يبقى في الميلان وفي الموضع الذي يخدم فيه الفريق كقائد للعمليات في وسط الميدان، في حين كان المدرب – بدفع من الرئيس ونائبه - يسعى التي تهميش النجم بوضعه مرة في غير مكانه وبركنه مرات أخرى على دكة البدلاء.. فعل المدرب كل ما بوسعه كي يتخلص من لاعبه، وعلى رأي صحيفة (توتو سبورت) المحسوبة على يوفنتوس، فان اليغري درس كل ما وقع بين يديه من حكايات الوقيعة بين جهابذة التدريب ونجوم اللعب، ليقرأ ويتمعن ويستخلص وهو يخوض نزاعه تحت الأرض مع بيرلو.. وكأنه ذاهب الى امتحان عسير فيها.. لهذا لم يكن أمام بيرلو إلا الرحيل صامتاً، وهو أقل ما يمكن أن يعبر به عن وفائه للميلان!
كما قلت، فإن العلاقة بين اللاعب ومدربه إما أن تقوم على الفهم والتفهّم ليجني الجميع ثمارها.. أو تقوم على أساس البغضاء أو قلة النظر أو التزام الموقف الجامد الواحد، فلابد أن تنتهي إلى الضياع .. أو إلى أن يصبح النجم المظلوم ، بردة الفعل، بطلاً قومياً وعنواناً عريضاً يلخص الإبداع !
خـريج كـلـية (العــقـوق)!
نشر في: 17 يوليو, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/Almada-logo.png)